بسم الله الرحمن الرحيم

الفهرست

مدخـــل.

﴿أبعث لنا ملكـاً﴾

الحملة الصليبية الجديدة على المسلمين.

سليمان هو ذو القرنين.

القصة الكاملة لخروج المهدي.

شخص المهدي.

بداية الخروج.

الأحداث التي نعيشها اليوم ولها علاقة بزمن ظهور المهدي.

نجاح أتباع الدجال في تحقيق مبتغاهم

خروج المهدي الأخير.

سليمان هو الخليفة

المهدي بين العصر ووحي القرآن.

من كتاب (أهم رجل ينتظره المسلمين بجميع مذاهبهم)

المهدي المنتظر (1)

سر العلاقة بين الإمام  المهدي عليه السلام وبين الحجر الأسود في مخيلة الشعوب..

مطلع الشمس (ياجوج وماجوج)

السودان والخطر اليهودي القادم «1 5»..عبد الجليل ريفا

 

مدخـــل

﴿أبعث لنا ملكـاً﴾

قال الدكتور هاشم حسين:

هيئة علماء السودان أقامت ندوة حول الأطماع الأمريكية في السودان… وكل المتحدثين أجادوا في وصف خطط امريكا واستراتيجيتها تجاه السودان ولكن أياً منهم لم يحدد ماذا يفعل أهل السودان تجاه هذه الاستراتيجية ولم يقترح أي منهم طريقاً يمكن لاهل السودان سلوكه حتى لا يقعوا فريسة لأطماع امريكا… وحتى الذين عقبوا على المتحدثين فقد سلكوا ذات المنوال… ويبدوا ان الندوة كانت معدة من المعقبين والمحاضرين حيث لم تتح فرصة لآخر ليدلوا بدلوه.

في القرآن الكريم قصص وردت ولعل الناس يتداولونها للتشويق لا للإعتبار.! فحالنا اليوم يشبه الى حد كبير قصة وردت في القرآن الكريم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) وهذا ما نسّمه بلغة العصر انتفاضة وأزيد عليها صفة اخرى فأقول انتفاضة إيمانية ودار الحوار بين النبي وبني إسرائيل… ﴿عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ ﴾ وجاء بتبرير طلبهم الجهاد بأنهم اخرجوا من ديارهم وأموالهم وأبنائهم فكيف لا نجاهد… ؟ وهنا دخلت التصفية الإلهية منذ المراحل الأولى … ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ في أولى التصفيات بقيت قلة..! إنَّ الله اصطفى عليكم طالوت ملكاً ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ﴾ وجاء الاصطفاء بموازين إلهية دقيقة ميزه عن الآخرين بان أعطاه بسطه في العقل والجسم.. عقل راجح مع قوة بدنية خارقة … حتى يحدث التوازن بين القوتين فيحل العدل والحرية …! ومن القلة احتج الكثير.. وبالموازين الدنيوية تخاذل الكثير عن الجهاد وهذه كانت التصفية الثانية وقد خرجت قلة للجهاد وحتى في لحظة كانت التصفيات الإلهية تجري أكثر إصراراً مما كانت عليه …!! ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ..﴾ أمر واضح ولكن ماذا حدث.. فالنهر ليس تدفق المياه الجارية التي تعرف فالنهر يمكن ان يكون السلطة أو الثروة أو الاثنين معاً.. الم يتهافت الجميع على اقتسام السلطة والثروة …؟ ومن يشرب منها بغير حق فهذا ( بالبلدي كده حقه راح) وبلغة القرآن هو عمل غير صالح.. ولم تقف التصفية الإلهية عند هذا الحد بل وحتى في هذه اللحظة المعركة كانت التصفية على أشدها ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ ﴾ وهل اختلف الوضع الآن كثيراً.. كلا انه ذات الموقف.. فجالوت ظاهرة كونية ممتدة عبر العصور وقد ظهر لنا اليوم باسم بوش … فقال المتخاذلون لا طاقة لنا اليوم ببوش وكروزه.. ! ولكن فئة قليلة ودائماً القلة هي التي تحدث التغيير ايجابياً كان أم سلبياً … فالقلة في امريكا الآن هي التي تتحكم وتريد إخضاع العالم كما كان يفعل فرعون وطالوت وغيرهما… والقلة التي انتصرت في بدر وفي الخندق وغيرها هي التي أحدثت تحولاً ايجابياً في حياة البشر كل البشر وجعلت منهم احرارأً. تلك القلة وهي التي تظن انها ملاقية الله هي التي انتصرت ﴿ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ﴾ وكان الانتصار الداوي للاسلام.. وهناك ملاحظات مهمة في هذه المعركة يجب ان أقدمها للقارئ.

– الملاحظة الأولى ان الانتفاضة الإيمانية حين قامت كان هناك نظام  سياسي يحكم وغير قادر على القيادة، رغم وجود نبي وحتى هذا لم تتوفر فيه صفات القائد للمرحلة، وهنا جاء الإعلان..

 (ابعث لنا ملكاً …) !

– والثانية ان الذين تخاذلوا عن المسيرة ابتعدوا، فبعد كل مرحلة من مراحل التصفيات يتخلف الكثيرون وتبقى القلة بعد كل مرحلة.

– والملاحظة الثالثة ان عملية التغيير في القيادة ليست مربوطة بحال أو بزمن ففي قلب المعركة حدث تغيير في القيادة العليا  ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء)

– هكذا الأمر دائماً إيمان بالله ورسالته وجهاد في سبيله وقلة منتصرة هي التي تقطع الطريق الى الله…

– الم يحن الوقت بعد لنصرخ جميعا: ﴿ ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله ﴾ المصدر: صحيفة الرأي العام الأربعاء 27 ذوالقعدة 1426هـ.

أما زمانه فقد تحدد في القرآن والسنة بعلامات وظواهر كونية متمثلة في الفتن الواردة في الأحاديث السابقة وعلامات منها التطاول في البنيان وهي اظهر العلامات على الإطلاق واحكمها كعلامة دالة على الساعة للحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس الى النبي صلى الله عليه وسلم فاسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد اخبرني عن الإسلام فقال صلى الله عليه وسلم: ان تشهد ان لا اله إلا الله وان محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت إليه سبيلا.

قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال فاخبرني عن الإيمان قال: ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت فاخبرني عن الإحسان. قال: ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. قال فاخبرني عن الساعة قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال فاخبرني عن إماراتها. قال: ان تلد الأمة ربتها وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبث ملياً ثم قال: يا عمر أتدرى من السائل؟ قلت الله ورسوله اعلم قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم).

ان امارة الساعة البينة التي لا جدال فيها هي تطاول رعاء الشاء في البنيان وهو ما نشاهده اليوم في بناء العمارات ولما كان عيسى ابن مريم هو الآخر علامة لنفس الساعة بنص قوله تعالى: “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ” (61) سورة الزخرف.

وان عيسى ابن مريم قد يختلف الناس فيه على سنن الأولين فانه قيّد زمنه بعلامة التطاول في البنيان الذي لا خلاف فيه ليكون بهذا القيد ان إمام المسلمين اليوم هو عيسى ابن مريم وهو ذات سليمان الذي يحمل الجنسية السودانية بالميلاد لا بالتجنس، وكون (سليمان) اسم المهدي يستمد شرعيته من اعتقاد أهل القرن الأول في سليمان بن عبد الملك بأنه المهدي واعتراض المتأخرين على الاسم من سفه النفس للحديث الشريف ( خير أمتي قرني ) رواه البخاري الى هنا يكون القول المحكم:

1– ان المسيح يولد من جديد.

2- يكون في السودان.

3- وهو إمام المسلمين الان.

4- وهو ذات سليمان عبد القاسم موسى.

ولم ولن يستطيع عالِم من العلماء ان يزحزح قوائم هذا المربع لانه مدعوم ومسنود بنصوص الكتاب والسنة فنقبوا في البلاد فهل من محيص وارجع البصر كرتين هل ترى من فروج ؟

ومن باب الزيادة المحمودة اورد بعض الامارات ذات الصلة بظهور المهدي القرشي من آل البيت ماثلة للعيان على مسرح الاحداث بالواقع الذي نعيشه، توثر مباشرة في أمننا واقتصادنا وحياتنا الاجتماعية والسياسية والأخطر من ذلك تأثير هذا الواقع على عقيدتنا الدينية متمثلة في الهجمة الصليبية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الاسلام والمسلمين باسم محاربة الإرهاب.

 الحملة الصليبية الجديدة على المسلمين

جاء في تحقيق لارا الكجي:

( كيف يمكن مواجهة رجل يدعي إقامة علاقة مباشرة مع الله الكلي القدرة ؟ ومع من يعتبر نفسه رسول السماوات الى الأرض ومن يبشر بقرب الدينونة الأخيرة ؟

وماذا يمكننا القول إذا عرفنا ان هذا الرجل هو رئيس جمهورية الولايات المتحدة ؟

في نهاية شتاء 2003م وقبل بضعة أسابيع من دخول القوات الأمريكية ارض العراق، حاول الرئيس الأمريكي جورج بوش، وللمرة الأخيرة إقناع الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالانضمام الى حملته ضد الإرهاب، ذلك ان ما يحاول تحقيقه في بلاد الرافدين أتاه عبر نداء سماوي… من وحي الهي للقضاء على محور الشر ممثلاً بـ(الدول المارقة) التي وصفها بـ ( هاجوج وماجوج) وهي تفاصيل لم يستوعبها الرئيس شيراك، ما حدا به الى الاستعانة بأحد مستشاريه الذي التجأ هو الآخر الى الاتحاد البروتستانتي الفرنسي لاستيضاح المعنى، فتبيّن له ان كلام الرئيس يتناول (آخر الأزمنة) حسب نبوءة حزقيال، وحين يغزو(هاجوج وماجوج ) إسرائيل من مدينة بابل وبهذا المعنى فان هاجوج وماجوج يمثلان قوى الشر وبابل، جارة بغداد، أعيد أحياؤها من قبل صدام حسين. للإيضاح من المؤكد ان الرئيس الأقوى للنظام الأقوى وربما الأوحد في العالم ليس مجنوناً، وليس بالتأكيد روائياً يكتب في العلم الخيالي، ولا أيضا شاعراً سريالياً قادراً على تركيب العالم وفق الغاز المفردات والعبارات…وانما بكل بساطة هو رجل يؤمن بـ(كنيسة فضولية) جديدة بروتستانتية تنتظر مجيئ المسيح ليقيم مملكة الأخيار…) المصدر: مجلة الشاهد عدد أبريل 2004م ص 72.

الفصل الأول

سليمان هو ذو القرنين

قال تعالى: }وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا*إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ * مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ * وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا{ سورة الكهف الآيات من )83 – 99(.

ذكر الزمخشري في الكشاف أنه الإسكندر وقيل أنه عبد صالح وملك وقد ذُكرت رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سمي ذا القرنين لانه طاف قرني الدنيا أي جانبيها شرقاً وغرباً وكان على رأسه تاج له قرنان.

ويقول إبن كثير في باب تاريخ ذوالقرنين. البداية والنهاية الجزء الثاني صفحة 152:” أنه عبد صالح في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام وقد طاف معه البيت وأورد أنه نبي أو مَلِك”.

وأما القرطبي في تفسيره فقد أورد أقوالاً كثيرة أيضاً قال أنه من أهل مصر وإسمه (مرزبان) ونقل عن إبن هشام أنه الاسكندر. وقيل أنه صعب بن يزن الحميري”.

وقال الحافظ بن حجر الهيثمي. قد أُختلف في ذي القرنين فقيل كان نبياً وقيل كان ملك. وقيل كان من الملوك.

أقول: وتعقيباً على أقوال المفسرين فإن قصة ذي القرنين تدور حول شخصية إكتنفها الغموض وأحاط بها جدار من الكتم المضروب عليها كما أقام هو نفسه سداً حجب به حقيقته التي أثارت إهتمام كل الأمم بحضاراتها وباحثيها ومؤريخيها منذ القدم. فتفاصيل أمره ووقائع شأنه تكاد تكون مجهولة هويتها ومبتورة معالمها فلم يُعرف عنه سوى إسْمُهُ الذي أشكل معناه وإطلاقه لكثير من المحدثين واللغويين بلفظ راج به متون الشروح ومصادر التفاسير فقد صرف عن حقيقته التي تشير الى أمر عظيم ذا دلالات بعيدة المعاني خلافاً للتي إختزلتها ظاهر الأقوال. ولبيان حقيقته نستجلى معنى الإطلاق من قاعدة القران البيانية وهي الأداة الشارحة والدالة للمعنى لا غير.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران.

فالمحكمات هي الظاهرة في دلالتها ولا تقبل الإنتقائية والوسطية في معناها ومغزاها الجلي ولذا تعتبر القاعدة البيانية الثابتة والاولى بل المعيار الذي يقاس عليه المتشابه من الأصول والأحكام أو المنسوخ من الآيات. فهي لم تدع مجالاً للإجتهاد أو التأويل ولذا هي شفرة الإستنباط والكتاب الذي أحصى الله فيه كل شيئ.

ومن ثم فإن مدار تفصيلنا وبياننا يدور حول ماهية (ذي القرنين) بوصفه وإسمه الذي يعتبر من المتشابه الذي أشكل إطلاقه والتبس معناه الصريح والذي أوضحته الآيات القرآنية في عدة مواضع، قال تعالى: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} (31) سورة المؤمنون.  قال تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ} (116) سورة هود.

 قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} (74) سورة مريم. {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} (98) سورة مريم.

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى} (128) سورة طـه. {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (31) سورة يــس

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ} (36) سورة ق.

أقول: فالمعنى العام الذي لا خلاف عليه أن كلمة (قرن، قرون) تعني أمة كما هو واضح في قوله تعالى “أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ” والإشارة الى قوم هود وهي الأمة التي ينسب إليها، والذين قد عقبوا وإستخلفوا قوم عاد (آخرين). فما نخلص إليه أن ذي القرنين من ينسب لأمتين أو شعبين وقومين فان حياته ومعاصرته لكل أمة كان بأزمان منفصلة ومتفاوتة إستقدمت إحداهن على الاخرى كما أشار لذلك قوله تعالى:”فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ”. بقية القرون الأولى في الحقب الأولى هو ذاته ذو القرنين وهو نفسه الأمر الذي قد أشار إليه الفيلسوف الألماني فريدريك نيشته في كتابه الإنسان الأعلى (السوبر مان) جاء وخصه بجملة  (أطوار حياته الطويلة) وبما أن ذي القرنين كان هو بقية تلك القرون فكان ظهوره في أكثر من حقبة (قرنين) أو أكثر وعلى مقتضى حياته الطويلة بوصفه الروح الرباني (روح الله) باطواره المختلفة في كل أمة قد تعدد ظهوره بهيئات شتى كـ(نبي – رسول – مهدي) وبأسمائه وألقابه في كل قرن (عيسى – سليمان) ومن ثم فإن هذا الوجود لهذا الكائن الروحي يتحتم لظهوره ميلاد يتعدد منشأه وإستقلاليته كي يكون بأكثر من صفة ونعت لذات واحدة تختلف فيه الطبيعة وتتفاوت فيه غاية كل قرن لمظهره الذي تعتبر الحياة وجودية له. فأطواره (ميلاده المتعدد) تقيد ظهوره بالمادية البشرية (الهيئة الآدمية) بكل خواصها من (هرم – فنا… ألخ) وهذا بدوره يفسر مسألة تعدد وجوده بهيئة بشرية طبيعية في كل قرن والتي تقتضي فيه نقائض المادة بميلاد جديد لذات الروح كما في قوله تعالى “وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ” (68) سورة يــس. وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (34) سورة الأنبياء. فالروح الرباني من حيث حقيقته فهو خالد، أما بالنسبة لظهوره البشري فهو فانٍ في أصله الذي إنبثقت من هيئته في كل حقبة.

ذكر الشيخ عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه في كتابه الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر: “أعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين ثم تنوع في ملابس ويظهر في كنائس فيسمى به في اعتبار لباس ولا يسمى به باعتبار لباس آخر”.

أقول: ان الشيخ الجيلي بكلامه الصريح قد أقر بحقيقة غائبة تحوم حول فكرة وحدانية ذاك الروح (الإنسان الكامل) وتفرده في فلكه بوجوده المطلق (واحد في الوجود) وهذا من الثوابت في الأدب الصوفي الذي تأيده مدارس الفلسفة الغربية. ومن ثم فإن الإنسان الكامل الصوفي هو ذات الإنسان الأعلى من منظوره الفلسفي لكل من  أفلاطون وسقراط والذي رسم صورته أنيشته “أطوار حياته الطويلة (قرونه) ليدل أنهما شخص واحد وهو روح الله المسيح عيسى ابن مريم الذي تنوع في ملابسه (تعدد الميلاد) بإختلاف الحقب والأجناس.

والإشارة إلى القرون والتي بعث فيها “يظهر في كنائس” بإعتبار عيسى هو رمز الكنيسة النصرانية في لباسه الأول (بني إسرائيل) بوجود مثالي وليس حقيقي وهي أول مقامات الروح الرباني (روح الله) وجملة  “لا يسمى به” بإعتبار آخر أي له ظهور آخر بسليمان وهو خلاف لباسه الآخر (المثالي) لأن عيسى ابن مريم كإطلاق ما هو إلا مقام ومرتبة وليس بعين ذات للذات فمقامه العيسوي هو الذي يهدي إلى الذات كما أشار لذلك النبي الكريم “ولامهدي إلا عيسى” فاختلاف نشأته (الميلادين) قد جعلت من ملامحه مزيجاً منها (القرنين) فجاء الوصف النبوي ليرسم صورة لا يخطئها عين تشير إلى بعثته وميلاده الثاني بطور من أطوار حياته الطويلة والأخيرة بظهوره كمهدي، عَنْ حُذَيْفَةَ أنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم: “الْمَهْدِيُّ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي لَوْنُهُ لَوْنٌ عَرَبيٌّ وَجِسْمُهُ جِسْمٌ إِسْرَائِيلِيٌّ” فالجسم الإسرائيلي هو قرنه الإسرائيلي  طور سابق (بهيئة مثالية) روح تمثلت وتراءت لا لون لها في بني إسرائيل وكانت رمزية الوصف بقوله صلى الله عليه وسلم: “جسمه” أي روحاً (مثال) فلا لون للروح في ميلاده الأول وأما حقيقته (لونه عربي) وهي بشخصي سليمان أبي القاسم موسى في القرن اللاحق لقرن المصطفى، فالمجيئ المتأخر لشخصي هي مهدية عيسى ابن مريم فهو في الأصل عربي ومن أمته صلى الله عليه وسلم وليس من أمة أخرى (بني إسرائيل) فالخلاصة هي أن عودة عيسى ابن مريم بميلادٍ ثانٍ عربياً قرشياً هي حقيقته التي ظهر في طوره الأخير في منتهى أجله طوال مسيرة حياته الطويلة كما أشار لذلك إبن عربي في عنقاء مغرب:”إذا دنا الأجل وإقترب طلع هادياً من حيث غرب”، وقال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} (59) سورة الزخرف. بمعني عيسى ابن مريم بميلاده وحياته ووقائعه في بني إسرائيل ما هو إلا وجود مثالي (الجسم الإسرائيلي) في أدنى بطون الروح الرباني شخصي سليمان أبي القاسم موسى.

قال علي الخواص كما قال الشعراني في درر الغواص: “إن لهذه الأمة خاتمين جامعين لكل رتبة ومقام وارث وولاية بأحدية جمعها وتنوع وحدتها حتى تستغرق كل نعمة ووصف وإمداد واستمداد أحدية كان أو أحمديا بسر تنزله وإحاطته بعلومه المطلقة والمقيدة وما هو خصيص به أصلا وفرعا حكما وعينا سعة وضيقا قيدا وإطلاقا حتى أن كل ولي كان أو يكون إنما يأخذ من هذين الختمين الذي يكون أحدهما خاتم ولاية الخصوص والآخر يختم به الولاية العامة فالأولى بعده إلى قيام الساعة” أهـ. وقال إبن عربي في عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب في فصل (لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام المواقيت): “فان القصد من هذا الكتاب انما هو معرفة الخليفة والختم وتنزل الأمر الحتم فنقــول فرجع عوده على بدئه في ليله وادرك صلاة الصبح مع أهله فتسود ذلك الجسد على أمثاله ممن تقدم أو تأخر من أشكاله”.

 أورد الشارح قول الشيخ محي الدين بن عربي رضي الله عنه عن المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام): “إنه يرتفع بنزوله إلى الأرض جميع مذاهب المجتهدين حتى لا يبقى على وجه الأرض مذهب لمجتهد فلا يكون في زمنه إلا الشرع المعصوم إذ غاية علوم المجتهدين العين لا اليقين وعلوم الأولياء تجل عن ذلك فضلاً عن الأنبياء إذ هي من حق التطبيق، فقلت له: فهل له أن يحكم بشرعه الذي كان عليه قبل رفعه إلى السماء من حيث أنه معدود من شرع محمد صلى الله عليه وسلم الباطن؟ فقال رضي الله عنه: لا يحكم بشرعه الخاص به وإن كان من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بحكم التضمين لأن ذلك الشرع كان لطائفة مخصوصة وقد مضت قبل بعثته الطاهرة فما بقى لتلك حكم بالنسبة إلى هذه الأمة إلا قدر شرعها. فقلت: فإذاً عيسى عليه السلام في ذلك رسول من جهة وتابع من جهة؟ فقال رضي الله عنه: “نعم لذلك يكون له يوم القيامة حشران تابعاَ ومتبوعاَ. إلى قوله: “سينزل خاتماً ظهور ولاية…” فيقول: “ان لهذه الأمة خاتمين جامعين لكل رتبة ومقام وارث ولاية باحدية جمعها، وتنوع وحدتها حتى تستغرق كل نعمة ووصف أمدادا واستمداداً، أحدياً كان أو أحمدياً بسر تنزله واحاطته بعلومه المطلقة والمقيدة، وما هو خصيص به أصلاً وفرعاً، حكماً وعيناً، سعة وضيقا قيداً وإطلاقاً، حتى ان كل ولي كان أو يكون إنما يأخذ من هذين الختمين، الذين يكون احدهما خاتم ولاية الخصوص والآخر يختم به الولاية العامـة فلا ولي بعده إلى قيام الساعة”. المصدر/ محمد فتحا – الدرة الخريدة. ج1

أقول: فالخاتمين الجامعين للأمة يمثلهما كل من النبي صلى الله عليه وسلم من جهة مرتبة مقام نبوته (خاتم الأنبياء) والخاتم الختم هو عيسى ابن مريم ببعثته الأخيرة بلونه العربي فهو خاتم الولاية الكبرى (الأحمدية) التي فتحت فيها نافذة لمقام الحمد وهي حقيقة النبوة وعين باطنها ومحتد أصلها والغاية من بعثة النبي الكريم.

ولذا فالولاية وخاتمها (أحمد) ونسبتها من النبوة وخاتمها (محمد) كنسبة الأنبياء للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وكالشمس للقمر. فما برزت أنوار الأنبياء والهداة إلا من مشكاة الولاية فهي شمس محمد في أحمد بعيسى ابن مريم في عودته بميلاد ثانٍ خاتماً للأولياء من لدن آدم إلى قيام الساعة. وأما قوله: “وارث ولاية بأحدية جمعها وتنوع وحدتها” فالمراد هو أن الخليفة والختم “الخاتمين الجامعين” وإن تنوع مراتبه (عيسى، محمد – أحمد) فهي أطواره المتنوعة “ظهوره في كل قرن” لمقامات مجموعة في ذات واحدة بوصفه الفرد الجامع أي جامع مراتبه وموحد مقامه وأسمائه فهو المقصود في الإطلاق بالخليفة (الإنسان الكامل) في عالم التحقيق وغيره كان نائباً عنه في ظهوره قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (30) سورة البقرة. فهذا القطب هو الروح الأعظم الذي جاء صريحاً في كلام إبن عربي في الفقرة “ورجع عوده على بدئه في ليله وأدرك صلاة الصبح مع أهله فتسود ذلك الجسد على أمثاله ممن تقدم أو تأخر من أشكاله”.

أقول: إبن عربي يبرز حقيقة كبرى في أن ذات الروح الأعظم وهو عينه من يختم خزانة الجود الإلهي بآخر الاسماء وبطون الولاية والخلافة الأرضية كما بدأت به وذلك ما أراده في وصفه والذي يؤيده ويعضده قوله الجيلي “هو واحد في الوجود” وأما في قول إبن عربي: “تنزل الأمر الحتم” فالأمر الذي تنزل يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (3) سورة تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ(4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(1)-(5) سورة القدر. فالخليفة الأول والخاتم الأخير قد نزل روحاً على بدئه أي في المقام العيسوي (هيئته مثالية) كما رُفع بها من قبل في بني إسرائيل. وقد نزل في ليلة القدر. وصلى صلاة الصبح مع أهله وهي صلاة عيسى ابن مريم مع زمرة الأنبياء (أهله) الذين ما كانوا سوى أشكالاً له منهم من هو متأخر ومنهم من هو متقدم فكانوا جميعاً مثاله (أرواحاً) وبحقيقته في محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج. فما قصده إبن عربي أنهم كانوا مظاهره وخلفاء له بإعتباره لا غير وهي ملابسه في أطواره إلى أن بان شكله الحقيقي المتاخر بلونه العربي باسم سليمان أبي القاسم موسى بذاتيته دون خلافة عنه أو إنابة كما في السابق لأن مقام التكليف والإستخلاف لا يكون إلا بعيسى (مقام الروح) أما قوله: “أنه يرتفع بنزوله إلى الأرض جميع مذاهب المجتهدين ولا يحكم بشرعه الخاص به إن كان من شريعة محمد بحكم التضمين” فعيسى في عودته مهدياً لا يحكم بإنجيله (بالتضمين) لأنه في الأصل من أمة محمد وإن جاء في السابق فهو شرعه الخاص أي أنها شريعة سليمان أبي القاسم وهي خاصة لطائفة من بني إسرائيل (طائفة مخصوصة) وقوله: “رسول من جهة وتابع من جهة”. والحشران الاول وهو برسالته لبني إسرائيل (نبياً رسولاً) والثاني مهدياً في عودته بميلادٍ ثانٍ في قرنه المتأخر بشخصي سليمان أبي القاسم موسى. فمصطلح (ذو القرنين)  يبرز هوية عيسى ابن مريم ومتلازماتها ومتضاداتها فهو مجمع الضدين بين الإثبات والنفي والتجريد والتمثيل بولايته العامة وخلافته المطلقة في الوجود بظهوره فهو أول خليفة عن  الحق بولايته وآخر ختم ببطونه فهو الفرد في ذاته والجامع في شريعته التي تنوعت فيها صفاته ومراتبه، فهو برزخ النقيضين والجدار القائم بين العالمين (الغيب والشهادة) فعيسى هو صورة الروح (سليمان)، والقائمة لا تعد ولا تحصى ولا تسعها الصفحات ولا توجزها العبارات لوصفه الخارج عن دائرة كل المضاهات ليبيّن فوارق معناه الدال لإسمه في إطلاقه ولا يُخفى لأحد سواه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: “إن الله لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة بعد نوح، أولهم ذو القرنين واسمه عياش، وداود، وسليمان، ويوسف، فاما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب، وأما داؤود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر، وكذلك كان ملك سليمان، فاما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها إلى غيرها”.

أقول: فعياش ليس اسم لصفة شخص (ذي القرنين) وإنما هو وصف لعين ذاته – أي (الروح الرباني) في إشارة الى شخصي سليمان أبي القاسم موسى صاحب العيش الطويل “أطوار حياته الطويلة” والذي يؤكده الحديث التالي:

عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عزّ وجلّ حجة على عباده فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً حتى قيل: مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سنته، وإن الله عز وجل مكّن لذي القرنين في الأرض، وجعل له من كل شيء سببا، وبلغ المغرب والمشرق، وإن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي فيبلغه شرق الأرض وغربها حتي لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، ويظهر الله عزوجل له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرعب، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما مُلئت جورا وظلماً”. كمال الدين وتمام النعمة ص 394.

أقول: الحديث النبوي قمة الإعجاز والوصف والبيان، فذي القرنين هو عيسى ابن مريم ذات العبد الصالح حجة الله على بني إسرائيل في قرنه الأول، قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ}. ببعثة مثالية في غايتها (روحية) وهي خلاف الصورة المرجوة بذاتيتها وماديتها في شخصي سليمان المسيح العربي بنفوذ وسلطة إلهية والتي لا تتحقق إلا في عودتي المتأخرة في القرن الآخر بالضعف، أو ما يعرف إصطلاحاً بالمسيح الحقيقي الذي ما سألت اليهود النبي الكريم إلا عنه وليست مثاليته التي رُميت بالأباطيل وحيكت عليها المؤامرات وتم رفضه بها وهو الضرب على القرن بوصف النص. فكفاه الله أيديهم ورفعه إليه فغاب عنهم روحاً حتى قيل مات هلك بأي وادٍ سلك ولا يدري أحد من الخلق مكانه طيلة فترة غيابه إلى أن رجع (نزل روحاً) في الأرحام ومن ثم ظهر بميلادٍ ثانٍ من جهة المغرب بصفته وحقيقته بشخصي سليمان أبي القاسم موسى لقوله تعالى: “فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ” (116) سورة هود. فوقائع الآية والنص يشيران لمعلم مهم بل أهم ما في قضايا الأمة باختلاف مذاهبها وطوائفها وذلك في تحديد شخصية هذا القائم الغائب ذي القرنين شخصي سليمان أبي القاسم بعودتي الأخيرة بميلادٍ ثانٍ وصفت وقائعه روايات آل البيت بتفصيل دقيق يكشف حقيقة وفاتي في قرني الأول وقيامي (بعثتي مهدياً) ببرهان دلت عليه النصوص بحجة لا مراء فيها ولا زيغ عليها من خلال إستجلائي وتقديمي بيان كوني المسيح عيسى ابن مريم ذات الروح الرباني ذو القرنين بقرائن أحواله بدلالاتها المتحققة بمجموع من الأسانيد (سلسلة منشورات المسيح المهدي الخاتم) فهي تلخص مسيرة بعثتي في الأمة المحمدية (القرن الآخر) ودعوتي لها من خلالها للجلوس والإحتكام لكتاب الله وسنة المصطفى الكريم على بساط ودي لحوار بناء يخلو من اللغط والتجريح المفرط والعداء. فكان العكس فقد قابلتني الأمة بوجهها الآخر بقناعها العبوس الأشر الذي لم أعرف عن ملامحه سوى التسفيه والتكذيب والتطريد، فقد صدقهم إبليس وعده  بإقتفائهم آثار تلك الأمم التي قد خلت من قبل ( اليهود والنصارى) فجرّت أذيالها ورائهم وحزت حزوهم وإستنت بسنتهم فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم وحالهم في قوله: “فضربوه على قرنه الآخر وفيكم من هو على سنته” فهاهي الأحداث تستنسخ والتاريخ يعيد نفسه فالأمة قد كفرت بعيسى وبما جاء به في بعثته الثانية ( قرنه الآخر) مهدياً. والفقرة تحمل معنى مزدوج يؤكد أن شخصي سليمان أبي القاسم موسى هو ذي القرنين ذات عيسى ابن مريم لا غير لأن المراد في التعريض بالوصف هو أن من هذه الأمة من هو على سنته (أي ملته) طائفة عيسى ابن مريم التي تجيئ معه من قبل (السودان) وهم أنصاره والمؤمنين بدعوته في بعثته التي تم فيها تكذيبه وتشكيك الناس بها (الضرب على القرن) كما كانت الإزدواجية في المعنى في قوله تعالى: “إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” (55) سورة آل عمران. فهؤلاء هم طائفة عيسى التي آمنت به فهم فوق الذي كفروا به (الذين ضربوه على قرنه) والوقائع هي شواهد متجلية في حياتي لتوكد قطعاً  أنني أنا سليمان رجل آل البيت الفاطمي والكهل الصالح المبعوث بميلاد ثاني (الآخر بالضعف) لبطون محمد وفي أمته صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه قوله تعالى: “وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ” (46) سورة آل عمران. فإني قد بُعثت فيكم لا لأنتقص فرضاً عن دينكم ولا طامعاً في دنياكم ولست متربصاً لمُلك آبائكم ولا مقتاتاً على فِيكم فلست مثقلاً على كواهلكم بأحمال فوق طاقتكم وإنما جئت لرفع الأحمال عنكم وكشف الغطاء عن حقيقتكم. أيها الناس أنا أولى الناس بكم فأنا ذخيرة الأنبياء وإمام الأولياء وحامل لواء الذات. قال صلى الله عليه وسلم: “يدخل الناس الجنة بعمر عيسى ابن مريم” فقد جئت لرفع الظلم والجور عنكم فلا مخرج لكم من الشدة والبأس إلأ بإتباعي وطاعتي فلا ناصر لكم إلا تحت لوائي فأنا بشارة الأمة ومن تنزاح به الغمة.

حديث رقم (1)

عن سعد بن عبد الله الأشعري عن بريدة الأسلمي. قال: “قال رسول الله صلى الله عليه: كيف إذا إستيأست أمتي من المهدي فيأتيها مثل قرن الشمس يستبشر به أهل السماء وأهل الأرض؟ فقلت يا رسول الله بعد الموت. قال عليه الصلاة والسلام: والله إن بعد الموت هدى وإيماناً ونوراً. قلت يا رسول الله. أي العمرين أطول؟ قال صلى الله عليه وسلم: الآخر بالضعف” الكوراني – المعجم (ج1) – ح رقم 162 عن بصائر الدرجات ص18.

أقول: فمثل الأمة المستبشر به اليوم وغداً والذي لا يرجى غيره أحد هو قطعاً عيسى ابن مريم الذي كان مثلاً وبشرى بقرنه الأول لبني إسرائيل الذي رفضوه كما هو حال الأمة اليوم. أما قوله: “كقرن الشمس” أي طلوعها من المغرب كحدث ينبئ عن أمر مصاحب بخروجه إعلانه عن نفسه والذي تعلق به الشرط الأول للساعة والمتحقق في وصفه بقوله تعالى:”وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ” (61) سورة الزخرف. والإقتباس في التشبيه بطلوعه مهدياً في الأمة المحمدية (لونه العربي) فهو شمس الولاية (الحقيقة المحمدية) فما برزت للنبوة والهداية من أنوار في السابق إلا كان إنعكاساً لها (جسمه الإسرائيلي فقط) المثالي  الدال إلى الحضرة الإلهية. فكانوا أولأئك ينوبون عن تلك الشمس في غيابها في المغرب إلى أن طلعت هذه المرة بذاتها (لونه العربي) وكشفت عن ساقها فكان الشمس بقرصها في كبد السماء وكحدث دال على الساعة. كما أشار إبن عربي: “فاذا دنا الأجل واقترب، طلع هاديا من حيث غرب، وهذا هو شمس التوجيه ومقام التنزيه، بأقواله يزول الإشراك وتنحل عقد الإشراك) عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس).

وما نخلص إليه من الإجابة على سؤال بريدة أن ما أراده النبي الكريم في أشارته أن عيسى ابن مريم بعد إنقضاء أجله بقرنه الأول لبني إسرائيل نبياً. ورجوعه ومن ثم ظهوره بميلاده الثاني مهدياً. هو ذو القرنين. فلم يسبق لأحد دونه أن عاش حياتين (عياش) بميلادين في قومين.

وأما الفقرة “أي العمرين أطول” وهي إشارة فيها رمز خفي بطنت معانيه والتي تشير لفترة زمنية بعينها جاء تخصيصاً بمفاضلتها صلى الله عليه وسلم بين العمر الأول لعيسى ابن مريم شاباً بقرنه الأول في بني إسرائيل نبياً وهو القصير الذي توفاه الله إليه به وهو بالضبط 33 سنة و3 أشهر وثلاثة أيام كما هو معلوم ولا يخفى على أحد وفي رواية أخرى عن النبي صلى عليه وسلم عمره 34 سنة، قال الحسن البصري: كان عمر عيسى، عليه السلام، يوم رفع، أربعا وثلاثين سنة. وفي الحديث: إن أهل الجنة يدخلونها جردا مردا مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين سنة وفي الحديث الآخر: على ميلاد عيسى، وحسن يوسف وكذا قال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسي، أنه قال: رفع عيسى، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة”. وبين عمره الثاني بقرنه الآخر (القرن الطويل) والذي يملك فيه مشارق الأرض ومغاربها. وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يبيّن ضمنياً وبصورة جلية صفة هذه العودة المتأخرة لهذا الفاطمي الكهل بعمره الذي هو ضعف عمره الأول وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأمر مرتقب حدوثه يرتبط أوانه باستكمالي العدة وهي ناتج ضعف العمر الأول لبني إسرائيل والقرائن يفسرها الحديثين التاليين:

عن الأصبغ بن نباتة قال: “أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكرا تنكت في الأرض أرغبت فيها؟ فقال: لا والله مارغبت فيها ولافي الدنيا يوماً قط ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي، هو المهدي يملاها عدلاً كما ملئت جوراً وظلما تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فقلت: يا أمير المؤمنين وإن هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنه مخلوق وأني لك بالعلم بهذا الأمر يا أصبغ اولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة، قلت: ومايكون بعد ذلك؟ قال: ثم يفعل الله ما يشاء فإن له إرادات وغايات ونهايات” الكليني الكافي ج ص338.

وأخرج الكوراني في المعجم بإسناده عن محمد الفضل بن الفضل عن أبي جعفر الثاني (الجواد) (ع) أنه قال: “ستبقون ستة من دهركم لا تعرفون إمامكم، قلت: وكم الستة جعلت فداك؟ قال: ستة أيام أو ست أشهر أو ست سنين” المعجم ج (4) ح رقم 1243. وأيضاً في إثبات الهداة ج 3 ص 576 ب 32 ف 51 ح 732.

وأقول: فالغيبة في خبر الإمام الجواد (ع) قد جاءت شاملة ومبنية لقوله صلى الله عليه وسلم لبريدة الإسلامي: “الآخر بالضعف” لتعطي 66 سنة وست أشهر وستة أيام. وفي (الباب الحادي والستون والمائة) فيما ذكره نُعيم أنه فتى من قريش ضرب من الرجال وأن عمره ستون سنة، حدثنا نُعيم حدثنا ابن وهب عن إسحاق بن يحيى بن طلحة التميمي عن طاووس قال: قال علي ابن أبي طالب عليه السلام هو فتى من قريش ضرب من الرجال، قال حدثنا نُعيم حدثنا الحكم بن نافع عن جراح عن أرطاة قال: المهدي ابن ستين سنة، قال وحدثنا نعيم حدثنا محمد بن حمير عن الصقر بن رستم.

أما ما ورد بأن المهدي يظهر وهو إبن ستين أو له من العمر ستين سنة، فقد أطلق الرقم ستين ويشمل ما بعد الواحد والستين وحتى التاسع والستين، وهذا ما يتفق مع الرواية التي أوردها الحسن البصري وأخرجها أحمد في المسند عن النبي صلى عليه وسلم: “أن عيسى رفع وهو إبن أربعاً وثلاثين سنة” المسند ج4، ومن ثم فيكون عمره عند ظهوره في بعثته الثانية بقراءة هذا الحديث مع حديث بريدة الإسلامي وقول النبي صل الله عليه وسلم: والآخر بالضعف ثمانية وستين سنة وهذا أجل آخر للغيبة. بيد أن الفيصل في زمان الغيبة وأجلها، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، قَالَ: ثنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ مِنْ قِبَلِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ بَابًا مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ عرضه سبعون سنة فلا يزال ذلك الباب مفتوحاً، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا” رواه أبو داؤود في صحيحه.

ويلاحظ في متني الحديث أن هنالك طلوعين للشمس – (المسيح سليمان) أولها بقوله صلى الله عليه وسلم: “حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ”.

وثانياً: واذا طلعت فالطلوع الأول هو الظهور الأكبر بإنتهاء أجل الغيبة عند السبعين من عمري والطلوع الثاني هو الإرتقاء وعروج روحي إلى بارئها بإنتهاء أجلي على الأرض.

حديث رقم (2)

حدثنا نعيم حدثنا ابن وهب عن إسحاق بن يحيى بن طلحة التميمي عن طاووس قال: “قال علي بن أبي طالب عليه السلام هو فتى من قريش ضرب من الرجال”.

حدثنا الحكم بن نافع عن جراح عن ارطاه قال: “المهدي ابن ستين سنه”  المهدي الموعود المنتظر عند أهل السنة والإمامية الجزء الأول – باب  59  نجم الدين جعفر.

أقول: كون المهدي يظهر إبن ستين سنة دلالة على بعثة عيسى ابن مريم الثانية لقرنه الآخر (العمر الأطول) وهي كهولته التي ذكرتها الآية الكريمة من سورة آل عمران: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} وظهوره بها إماماً وخليفة لله في أرضه وبأمره {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}.

حديث رقم (3)

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملك الأرض أربعة مؤمنان وكافران؛ فالمؤمنان: ذو القرنين وسليمان، والكافران: نمرود وبخت نصر، وسيملكها خامس من أهل بيتي) أخرجه ابن الجوزي في تاريخه.

قال نعيم إبن حماد الكافران نمروز كنعان ونبوخذ نصر والمؤمنان سليمان وذو القرنين فالخامس هو ذو القرنين إبن مريم ذاك الكهل العائد من غيبته التي طالت دهوراً في رحم الغيب بعدما رُفع روحاً في بني إسرائيل إلى أن رجع (نزل روحاً) في رحم إمراة من آل بيت النبي ومن ولدي علي بن أبي طالب (ذرية ولديه الحسن والحسين) وهي والدتي دار السلام بنت محمد رضي الله عنها وأرضاها واسكنها فسيح جناته مع آل بيته الأطهار.

فقبل وفاتها رضي الله عنها قالت لي: “أنت ولدي وأخوي وأبوي”. وبعد فترة رددت نفس القول “أنت ولدي وأخوي وأبوي”. فقلت لها أنتي والدتي لأني ولدت من بطنك و أنا اخوكي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال الأنبياء أخوة لعلات و أنا أبوكي لأن المسيح عيسى ابن مريم ليس له أب. رددت ذلك القول ثلاثة مرات وفي كل مرة أقول لها: “أنتي والدتي لأني ولدت من بطنك و أنا أخوكي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال الأنبياء أخوة لعلات و أنا أبوكي لأن المسيح عيسى ابن مريم ليس له أب “. وكان ذلك في حضور إبنتاها (خادم الدائم ومريم) وهذا كان آخر كلام تقوله لي عند نهاية عيد الفطر المبارك 1435هـ.

أقول: حقاً وصدقاً ما قالته والدتي أذ أنه ليس كلاماً ينبع عن محبة أم لإبنها فقط بل لأنها عرفت حقيقتي. فأنا من ناحية الشرع إبنها الذي حملت به تسعة أشهر، ومن ناحية أنا أخوها لأن الأنبياء أخوة لعلات فمرتبتها مرتبة الأنبياء ومن ناحية أخرى أبوها حقيقةً لأني أنا الروح الرباني ولست بضعة من أحد {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (59) سورة آل عمران.

وعودة إلى موضوع غيبة المهدي فقد حُددت فترة الغيبة من فترة الميلاد (الرجوع) إلى فترة الظهور (ستاً وستاً وستاً) أي ضعف الآخر في القرن الأول لبني إسرائيل 33 سنة و3 أشهر فإنتهاء زمن الغيبة هي الناتج 66 سنة و6 أشهر وستة أيام.

إن الرقم 66 سنة و6 أشهر وستة أيام يحمل في دلالته بُعد آخر يدرك مغزاه أحبار اليهود وتقشعر جلودهم فهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم. فسؤالهم للنبي الكريم صلى الله وسلم عن ذي القرنين في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا} (83) سورة الكهف.

فالسؤال ما كان سوى محاولة ماكرة وخبيثة منهم لم يكن القصد منها التحقق بشأن صحة نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم كما أوحوا بذلك وأشاعوا وإنما كانت في حقيقتها وهدفها الرئيسي إشارة إلى شيئ آخر يحاك في أنفسهم وهي الغاية الأولى من السؤال لا لشيء آخر. وذلك لمعرفة خبر ذلك الكائن الروحي الذي جاب الأرض شرقها وغربها وعاش كل دهورها بروحانية متجسدة في أطوار حياته الطويلة وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم لم تشفِ غليلهم فهي أغلقت عليهم باب السؤال والبحث ولطبيعتهم أصروا على السؤال مباشرة عنه دون تورية ولا رمز في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء. فذو القرنين هو نفسه الروح الرباني الذي ظهر لهم بعيسى ابن مريم وبُعث إليهم ودعاهم إلى عبادة الله وتقواه والإقرار بوحدانيته ليخلصهم من خطاياهم ويزيل أغلال العبودية عن أعتاقهم ليؤسس لهم مملكة الأرض الروحية إلا أنهم نكروه ورفضوه بتلك الصورة المثالية. بل أرادوا التنكيل به فغاب عنهم قروناً. ولذا فسؤالهم عنه يحمل في طياته إلتماساً لمعرفة وجهته وميقات ظهوره الثاني بإسم (سليمان) وحقيقته العربية التي أنكروا تجليها بمحمد صلى الله عليه وسلم فغاب عن عقولهم، وإحتجب بالنبي الكريم فلم تدركة وسائط معرفتهم إلى الآن وفي أوج ذروة علومهم التي عجزت أمام محجتي التي قدمتها ببيان يفسر حقيقة أمري في أن ذات الشخص المنتظر (المسيا) هو عيسى ابن مريم وهو نفسه من سألته من اليهود عن من يكون وهو حجر الزاوية الذي رفضوه ولفظوه عنهم وبرؤوا منه. وهاهو قد عاد مرة ثانية فماذا هم فاعلون؟

الفصل الثاني

اليوم الأخير

بقلم الدكتور: جميل عبد السيد فرح (sudan)

هل اليوم الأخير قريب؟ وما هي العلامات التي تسبقه؟ وتنبؤات السيد المسيح والأنبياء الآخرين عن هذا اليوم الخطير؟ 

اليوم الأخير قد يكون قريباً جداً، كما تدل عليه الأحداث العالمية الحالية التي تسبقه من حروب فظيعة ونزاعات قبلية وعرقية ودينية، والتي يؤججها الشيطان عدو الإنسانية والسلام، الذي يعرف أن أيامه قد اقتربت من نهايتها. وكوارث طبيعية عنيفة كالزلازل المدمرة والتي أصبحت ظاهرة أسبوعية تقريباً، وفيضانات عارمة وأعاصير مدمرة وخلافهم والتي ترمز لغضب الله على الأرض والساكنين فيها في الأيام الأخيرة. وأوبئة فتاكة (كوبائي الإيدز Aids والإيبولا Ebola الخطيرين، ومرض جنون البقر Cow   mad  الذي انتشر في دول أوروبا هذه الأيام، والذي يُدمر خلايا المُخ في البقر والإنسان، ووباء الحمى القلاعية  Foot and Mouth disease  الذي أدى إلى إبادة أكثر من مليون رأس من الماشية في إنجلترا هذه الأيام، وسبب ذعراً شديداً في كل العالم، ووباء إنفلونزا الطيور وعودة أوبئة خطيرة للظهور مرة أخرى أكثر عنفاً كالملاريا والسل.. الخ)، ومجاعات عالمية كبيرة (بسبب انتشار اللاجئين والنازحين والمُشردين في العالم كله نتيجة للحروب الكثيرة التي لا تنتهي، وأيضاً بسبب الجفاف والتصحر الذي عم مناطق كثيرة من العالم، وبسبب الانفجار السكاني والكوارث الطبيعية والفقر)، وفساد أخلاقي عالمي (كالشذوذ الجنسي والاغتصاب والإرهاب والخيانة الزوجية وخيانة الأمانة والكذب والرشوة وانتهاك حقوق المرأة والطفل والإنسان في العيش في أمان وحرية وكرامة علي هذه الأرض وخلافها، وانهيار اقتصادي عالمي، واضطرابات كثيرة تعم العالم كله، وعلامات في السماء كثقب الأوزون الخطير الذي ظهر في القطب الجنوبي من الكرة الأرضية وفوق أستراليا ونيوزلندة وأمريكا الجنوبية، والذي يهدد الناس بالسرطانات الجلدية الخطيرة كما ظهر في أستراليا ونيوزلندة، وبالعمى بالكتراكت (أي المياه البيضاء) لكل مخلوق حي يتعرض لهذه الأشعة، نتيجة لتأثير الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي تمر بدون عائق من هذا الثقب وتؤثر على عدسة العين والجلد. وهذا الثقب يتسع كل يوم كما يقول علماء البيئة، ولقد حذرت تشيلي الناس (أثناء كتابة هذه السطور) من الخروج إلى الشوارع حتى لا يتعرضوا لهذه الأشعة الضارة التي تفني أيضاً كل المخلوقات الحية في كل العالم من نبات وحيوانات وأسماك وطيور وخلافهم، وهذا بسبب أنها ستغير شكل الجينات الوراثية في خلايا هذه المخلوقات كما يقول علماء البيئة، وظاهرة الإحتباس الحراري نتيجة لتصاعد ثاني أكسيد الكربون في الجو، والذي بسببه إرتفعت درجة حرارة الأرض بشكل ملحوظ، مما أدى إلى إندلاع الحرائق الكبيرة في الغابات، وظهور أعاصير مدمرة في الأمريكتين وشرق آسيا، وابتداء ذوبان الجليد في القطب الشمالي والجنوبي والذي سيؤدي إلى إرتفاع مستوي البحار وفيضانات مُدمرة في كل الكرة الأرضية.

وآخر العلامات، البشارة بالإنجيل (وهو مترجم الآن إلى أكثر من ألفين وثلاثمأة لغة ولهجة) بواسطة الأقمار الصناعية وبالإنترنت ووسائل الإعلام الحديثة. كما تنبأ المسيح الحي القدوس في (متى 24: 14) وقال: “سوف يبشر بهذا الإنجيل في العالم أجمع، شهادة لي لدي كل الأمم، وبعد ذلك تأتي النهاية”.  

وهو أيضاً اليوم الذي قال عنه المسيح الحي القدُوس في (متى 24: 32،33): “خذوا من التينة عبرة، إذا لانت أغصانها وأورقت، علمتم أن الصيف قريب. وكذلك متى رأيتم هذه الأشياء صائرة فاعلموا أن ملكوت الله (واليوم الأخير) قريبٌ على الأبواب” (واليوم الأخير يُحتمل أن يكون على عتبة الأبواب الآن)، فلماذا لا تعمل بليون حساب يا صديقي لهذا اليوم الرهيب، يوم الحساب والدينونة؟  

وأود أيضا أن أشير إلى نبوءة النبيّ إشعياء العظيم في العهد القديم (أي التوراة) حوالي 700 سنة ق.م: أنه في الأيام الأخيرة بواسطة السودان سيدخل الكثير من الناس في ملكوت الله، فجاء في (إشعياء 18: 7):» في ذلك الزمان (الأخير) ستأتي نفوس كثيرة للرب القدير، ويحملها الشعب الطويل والأجرد (أي شعب كوش وهو شعب السودان الذي ليس له شعر في جلده، أي أمرد، مثل كل الرؤساء الذين حكموا السودان وأغلبية الشعب السوداني)، الشعب الذي يهابه القريب والبعيد، الأمة القوية الجبارة الخُطى، التي تقطع الأنهار أرضها إلى مقر الرب القدير في ملكوته الجديد»، ولا يخفى عليك كثرة الأنهار التي تقطع السودان (حوالي 13 نهر كبير)، وأن أطول نهر في العالم يقطع السودان وهو نهر النيل العظيم وطوله أكثر من 6500 كلم، والذي يأتي بعده في الطول نهر المسيسبى في أمريكا الشمالية. والدليل على أننا نعيش في الأيام الأخيرة، هو وجود نهضة روحية كبيرة لم يكن لها مثيل من قبل في السودان. ويقال لو باع السودان ماء فقط للدول المحتاجة فهو سيكون من أغنى دول العالم. 

وفي العهد القديم أيضاً تنبأ بالتفصيل الدقيق النبي دانيال العظيم حوالي 500 سنة ق.م عن الممالك التي ستحكم الأرض تباعاً من أيامه إلى نهاية التاريخ، فجاء في سفره إصحاح 2: عن تفسيره لحلم الملك نَبوخذ نصر ملك بابل عن نهاية حكم الناس على العالم ما يلي: مُمثلة في قدمي التمثال المصنوعتين من خليط من الخزف والحديد، (واللذين لا يمكنهما أن يتحدا أو يختلطا) الذي رآه الملك في الحلم والذي يمثل دول كثيرة تحكم الأرض في أواخر الأيام، والتي ستحاول أن تتحالف وتتفق وتتحد ولكنها ستفشل. وعندما تتجمع جميع هذه الدول التي تحكم العالم كله، رغم أن منها دول قوية كالحديد ودول ضعيفة كالخزف الهش، سيأتي فجأة حكماً سماوياً أبدياً، مُمثلة في الحجر كما جاء في النبوة، والذي جاء من السماء وضرب التمثال في قدميه، وليس في رأسه، وانسحق التمثال كله وصار كالرماد وتناثر في الهواء، وأما ذلك الحجر صار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها (والذي يمثل مملكة المسيح الأبدية). وهذا ما نراه حادثاً في هذه الأيام الأخيرة، فقد تحالفت جميع دول العالم في هيئة الأمم المتحدة (ولكن بدون اتفاق) ومنهم دول قوية كالحديد مثل أمريكا وروسيا وإنجلترا وفرنسا والصين وغيرهم، مع دول ضعيفة كالخزف الهش. وحتى الآن يوجد 190 دولة في الأمم المتحدة (وهم لم يتفقوا أو يتحدوا في أي شئ)، والباقي دول قليلة لم تنضم، وعندما تنضم هذه الدول عن قريب سيأتي فجأة حكم المسيح السماوي والروحي الأبدي. ومن المحتمل أن تنضم هذه الدول في انعقاد الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في سبتمبر 2001م، أو في السنين القادمة القليلة، والتي عادة ما يجرى فيها تصويت في آخر سبتمبر من كل سنة لقبول دول أخرى، ومن ضمن هذه الدول، المانيا واليابان وفلسطين وفيتنام والصين الوطنية!. إقرأ دانيال 2.  

ولا يفوتني أن أعلق على ما جاء في الإنجيل في سفر الرؤيا 12 و 13 عن ظهور ثلاثة وحوش شرسين قبل اليوم الأخير، أولهم التنين الأحمر (الشيطان) والذي يظهر مرة أخري قبل النهاية، والذي يرمز إلى الوثنية والنازية والفاشستية والشيوعية والتي تتضهد المسيحيين والديانات الأخري وأصبحت مقولة الدين أفيون الشعوب سائدة في هذه الأيام، ويتبعه الوحش الثاني الذي يأخذ كل سلطات الوحش الأول (الشيطان) وهو النبي الكذاب (أي المسيح الدجال وعدده 666 كما يقول الإنجيل) والذي يضطهد المسيحيين إضطهادا شديداً وهو متعطش لسفك الدماء (كالعادة) وصوته عالي مزعج وكلامه كثير وكله كذب، وأنصاره لهم علامات مميزة ويتحالف معه تماماً في أعماله الوحشية الوحش الثالث (هل هو الإرهاب العالمي؟). وفوق هذا وذاك القرن العشرون أي الألفية الثانية لم تنتهي بعد حسب تقويمات أخرى كالتقويم القبطي واليهودي، فلا تزال بضعة سنين لكي تبدأ الألفية الثالثة وتنتهي الألفية السادسة والأخيرة (أي الـ6 الاف سنة التي منحها الله للإنسان ليحكم الأرض، وهي في نظر الله 6 أيام فقط، لأن ألف سنة كيوم واحد عند الله كما يقول الإنجيل)، وبعدها تبدأ الألفية السابعة (أي السبت الأول، سبت الراحة) وتبدأ مملكة المسيح الأبدية.  المصدر:

http://www.thegrace.com/magazine/issue60/lastday.htm

أقول: إن شخص المسيح سليمان أبي القاسم موسى  هو ذو القرنين فالوصفان لذات واحدة (الروح الرباني) بعودتي مهدياً برسالة الإسلام الخاتمة والناسخة وبلوني العربي الذي يمثل بوقائعة لليهود كما تروج له على أنه ذاك الوحش الذي يظهر بإكتماله عدة غيبته التي تتكون من 666  بعودة أخيرة لذلك العبد الذي كان مثالاً لهم (المسيا) بشخصي وذاتي لوعد إلهي لإقامة ميزان القسط والعدل لتمكين المستضعفين والأصفياء والقصاص من قتلة الأنبياء والوقائع بتمامها جاءت في الإنجيل من رؤيا دانيال الإصحاح (8): “رَفَعتُ عَينَيَّ فَرَأيتُ كَبْشاً واقِفاً قُربَ النَّهرِ. وَكانَ لَهُ قَرنانِ طَوِيلانِ، أحَدُهُما أطوَلُ مِنَ الآخَرِ. فَظَهَرَ الطَّوِيلُ بَعدَ ظُهُورِ القَصِيرِ.4 رَأيتُ الكَبْشَ مُندَفِعاً نَحوَ الغَربِ وَالشَّمالِ وَالجَنُوبِ، وَلَمْ يَستَطِعْ أيُّ حَيَوانٍ الصُّمُودَ أمامَهُ وَاستَمَرَّ يَعمَلُ ما يُرِيدُ وَيَزدادُ فِي القُوَّةِ.5 وَبَينَما كُنتُ أنظُرُ، جاءَ تَيسٌ مِنَ الغَربِ عابِراً فَوقَ سَطْحِ الأرض. لَمْ تَكُنْ قَدَماهُ تَلمِسانِ الأرض، وَكانَ لِهُ قَرنٌ بارِزٌ بَينَ عَينَيهِ.6  ثُمَّ رَكَضَ بِكُلِّ قُوَّتِهِ نَحوَ الكَبْشِ ذِي القَرنَينِ الَّذِي رَأيتُهُ سابِقاً يَقِفُ عِندَ النَّهرِ. 7  وَرَأيتُهُ يَضرِبُ الكَبْشَ بِعُنفٍ شَدِيدٍ. وَحِينَ ضَرَبَ التَّيسُ الكَبْشَ كَسَرَ لَهُ قَرنَيهِ، فَلَمْ يَستَطِعِ الكَبْشُ الصُّمُودَ أمامَهُ. فَطَرَحَ التَّيسُ الكَبْشَ أرْضاً وَداسَ عَلَيهِ. وَلَمْ يَكُنْ هُناكَ مَنْ يُنقِذُ الكَبْشَ”. دانيال إصحاح (8)/3-7).

أقول: إن رؤيا دانيال فيها تقديم وتأخير للأحداث المجملة التي صاحبت بعثة عيسى ابن مريم (الكبش ذو القرنين) في عهده الأول والثاني (عمريه) والتي وصفت وقائعها على تأويل الملك كما ذهب بذلك من وقف على شرح النبوءة والتي تعطي إنطباعاً آخر غير تأويل اليهود. فهي تتفق في أن الكبش ذو القرنين هو شخص المسيح عيسى ابن مريم في عودته مهدياً في آخر الزمان (زمن المنتهى) والذي يملك فيه مشارق الأرض ومغاربها (مندفعاً نحو الشرق والغرب والشمال) والقرينة الدالة على ذلك أن الأحداث قد وقعت في فترة قرنه الطويل (كهولته) والتي ظهر فيها بعد القصير (بني إسرائيل) والتي جاءت وقائعها في جملة “جاء تيس من الغرب عابر فوق الأرض وكان له قرن بارز بين عينيه ثم ركض مكبل قوته نحو الكبش ورأيته (أي التيس) يضرب الكبش بعنف شديد.

أقول: فالتيس ذو القرن النابت بين عينيه هو وصف لقائد اليهود (الدجال) في إشارة إلى ملكهم الذي ضربه على قرنه حتى قيل مات هلك بأي وادٍ سلك كما وصف غيبته الحق عزّ وجلّ بلسان حالهم اليوم: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عيسى ابن مريم رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (157) سورة النساء. أما الحقيقة أنه قد سلك وادياً آمناً قد خفى دربه على سائر اليهود وأحبارهم بل حتى على دانيال نفسه صاحب الرؤيا. والجواب يستنطقه قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عيسى ابن مريم رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ (158) وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (157-158) سورة النساء. فقد خُيل لهم أن التيس ذو القرن (اليهود) قد نال منه فالله تعالى قد أنقذه منهم ولم يمسوه حقيقة. ومن ثم فالظهور الأول للكبش ذو القرنين بوداعته وسماحته (مثالية رسالته) ببني إسرائيل لم تكن لتجدي نفعاً مع مادية عصرهم المتجبر والمتسلط بعقليته المتمردة على قانون السماء كما في قوله: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} فهم لم يكلفوا أنفسهم عناءاً قط لتغطية سوئتهم ولم يقفوا عند هذا الحد وحسب بل جاهرت بمعصيتها بكل إعتزاز وفخر أورثته لأجيالها: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عيسى ابن مريم رَسُولَ اللّهِ) والحقيقة التي أكدتها أسفارهم هي أن ذاك الكبش الذي همت به هو نفسه مخلصها ومنتظرها عيسى ابن مريم ذو القرنين. كما جاء صريحاً في التوراة ونصاً ما يلي: “هكذا قال كورش ملك فارس جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء وهو أوصاني أن أبني له بيتا في أورشليم” عزرا (1)/ (2).

فكورش هو من أجمع عليه أهل التفاسير أنه يشير للمسيح عيسى ابن مريم لا غير بالرغم من تشويه اللفظ والتحريف فالقصد من الإطلاق هو (كوش) أي الكوشي من بلاد كوش (السودان) وهو شخصي سليمان أبي القاسم موسى ولبيان ذلك فقد ورد في (إشعياء 2،1:45): ” هكذا يقول الرب لمسيحه، لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمماً، وأحقاء ملوك أحل، لأفتح أمامه المصراعين، والأبواب لا تغلق: أنا أسير قدامك والهضاب أمهد. أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك بأسمك” فالنص الإنجيلي يتفق بإطلاقه للإسم (كورش) مع ما جاء في التوراتي والوقائع تفسر بعضها البعض وهي قرائن دالة لعيسى ابن مريم لا أحد سواه وقبل بيان تطابقها أورد هذا النص الذي جاء في تفسير الطبري في القيد رقم (794/2):

“بينما عمر بن الخطاب يصلي ويهوديان خلفه وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى. فقال أحدهم لصاحبه أهو. أهو؟ فلما إنفتل عمر. قال: ما خطبكما؟ فقالا إننا نجد في كتابنا قرناً من حديد يعطى ما أعطى حزقيال الذي أحي الموتى بإذن الله” رواه في تاريخه (1/323) ومعنى خوى أنه لا يستطيع الركوع بشكل طبيعي فزعم اليهوديان تقرباً إلى عمر بن الخطاب أن ذلك علامة على رجل يحي الموتى في بني إسرائيل” الطبراني.

أقول: ان إستدلال اليهوديان بعمر بن الخطاب كان لعلامات تشابهت عليهم فيه وبين شخصية مسيح الرب كورش (عيسى ابن مريم) غائبهم والمنتظر عودته بإسم سليمان بملامحه كما هي اليوم في توراتهم. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ} (197) سورة الشعراء. لقد كانت له آية يعلمها اليهود فهم على دراية به (أننا نجد في كتابنا) ومن جملة  الآيات (الصفات الجسدية) التي يجدونها في كتبهم (التوراة) والمشار إليها في معرض حديثهم (خوى) هي ذات الأوصاف التي قد بينتها السُنة النبوية وأكدت عليها بإجماعها في بعثته الثانية بإعتبارها علامة هامة وسبباً جوهرياً وعاملاً رئيسياً وراء إهتمام اليهوديان ومراقبتهما لعمر بن الخطاب في صلاته. فكانت مدار السؤال بل مناسبة الحديث بوجه عام، وهي أن هذا المنتظر ساقاه متباعدتان (أي أزيل الفخذين) بوصف السنة في شخص المهدي إبن مريم ولغة هو الفحج كما جاء في التفسير والذي يعود لحالة الإعوجاج نسبة للإصابة في إحدى الساقين والإشارة إلى موضع الركبة على رجلي اليمنى بالتحديد. وقد تصور لليهوديان من حالة عمر بن الخطاب في صعوبة ركوعه بشكل طبيعي نسبة لإصابة في ركبته اليمنى ظناً منهما أنه رجل بني إسرائيل الذي يحيي الموتى فصاحا “أهو أهو؟” أي انه ذاك الأفحج الأسود ذو السويقتين عيسى ابن مريم شخصي سليمان أبي القاسم موسى؟. فكان (اليهوديان ) أدرى بعيسى ابن مريم من الطبراني ومن شاكلة علماء الأمة والذي صرف  معنى الحديث عن مبتغاه وتغاضى في إبراز وجه الحقيقة في قولهما ليأتي بوجهة نظره الشخصية “إن ذلك علامة على رجل يحيي الموتى في بني إسرائيل). فبإجتهاده المبتور أوصد أبواباً للإستدلال المعرفي لكل باحث عن الحقيقة فما رعاها حق رعايتها على قول الإمام أبي عبد الله عليه السلام فيما رواه عنه أبي بصير أنه قال: “ان الله أوحى إلى عمران اني واهب لك ذكراً سوياً مباركاً يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله وجاعله رسولاً إلى بني إسرائيل فحدّث عمران إمرأته حنة وهي والدة مريم فلما حملت بها كان عند نفسها أن يكون غلام فلما وضعتها قال أني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى. أي لا تكون البنت رسولاً بقول الله عزّ وجلّ. {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ { فلما وهب الله لمريم عيسى كان الذي به عمران ووعده إياه فإذا قلنا في الرجل منا شيئاً فكان في ولده” المصدر: بحار الأنوار ج (52) – 120 ” الكافي ص35.

أقول: قبل الغوص في الشرح لم يأتي دليل قط يثبت بأن أحداً خلاف عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى في بني إسرائيل تحديداً. فالبرغم من ذكره بصيغة نكرة (الرجل) فأظهر معناها وأجلى حقيقتها الإمام أبي عبد الله عليه السلام في قوله “الرجل منا” أي رجل بني إسرائيل الذي كان يحيي الموتى هو منا نحن آل البيت وهي دلالة على ميلاده الثاني فيهم. كما ولد من قبل في آل عمران” فإذا قلنا الرجل منا شيئاً فكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك” أي بعدم إنكار ميلاده دون تقديم أو إعتماد مرجعية في طعنهم وكلام الإمام عبد الله عليه السلام هو كرسالة لعلماء الأمة على  الرد في إنكارهم على ميلادي الثاني وليس هذا مدار إهتمامي بقدر ما كان التنبيه على جرمهم الأكبر الذي إقترفوه لتشويه الدلائل وطمس الحقائق (التأويل الخاطئ) الذي أخفى وراءه عن قصد صورة المسيح شخصي سليمان أبي القاسم موسى فلم يظهروها للناس ولم يتركوهم ليتفرسوا في ملامحه عسى ولعل يتعرف عليه أحد ويهتدي إلى حقيقته… قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(78)} سورة آل عمران. فهم من قال عنهم أمير المؤمنين عليه السلام: “فتعساً لهم ولأتباعهم. أكان الدين ناقصاً فتمموه. أم كان به عوج فقوموه”, وعودة إلى الموضوع الرئيس بخصوص اليهوديان اللذان قدما قاعدة معرفية على طبق من ذهب يمكن للعلماء الرجوع إليهما في حال إلتبس أمر عيسى ابن مريم عليهم والذي يشير إليه بقولهم “قرناً من حديد”. فهي دلالة على عودة عيسى ابن مريم شخصي سليمان أبي القاسم موسى كهل الأمة مهدياً بميلادٍ ثانٍ بقوة وصلابة ليس كسابقاتها (بني إسرائيل) فلا يستطيع أحد قط أن يكسر قرنه الحديدي هذه المرة لأنه ليس بعيسى ابن مريم المثال وإنما هو الكوشي المسيح الحقيقي والعربي سليمان كما رآه دانيال في آخر الزمان: “رأيت كبشاً مندفعاً نحو الشرق والغرب والجنوب ولم يستطيع أي حيوان الوقوف أمامه وإزداد قوة في قوة”. وهذا الوصف تطابقت وقائعه في الفقرة: “هكذا يقول الرب لمسيحه كورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس امماً أمامه وأسحق ملوكاً لأفتح أمامه المصارعين والأبواب وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي”.

وبمناسبة الحدث لقد ذكر الإستاذ (خليل يونس) واقعة جاءت بلسانه وكشهادة أدلي بها كما يلي:

“لقد سألت في وقت سابق والدتك دار السلام عليها السلام عن تفاصيل ولادتك فقلت لها: ما هو الشيئ الغريب الذي لفت إنتباهك ولاحظتيه على إبنك. وهل كان يصرخ في لحظته الأولى من إنجابك له كسائر الأطفال؟ ولقد كان سؤالي لها إلا ليطمئن قلبي وأكون عليه من الشاهدين بقول الرسول الكريم الذي أكد أن كل مولود حين يولد يستهل صارخاً من نحسه الشيطان إياه إلا إبن مريم. فردت عليّ والدتك عليها السلام قائلة: لم أنتبه لأي صراخ ولم ألحظ شيء من هذا القبيل ولكن كانت هناك حالات غريبة تنتابه من حين لآخر في فترة رضاعته فكلما دخلت عليه الحجرة لتلبيه حاجته أو لإرضاعه كنت أتفاجأ بما أراه بعيني. لقد كنت أجد أن جسده بالرغم من ضآلة حجمه ممتداً وقد وسع وملأ كافة السرير والفراغ بصورة يصعب وصفها وليس هذا فحسب فقد تكرر مراراً رؤيتي له بقرنين صغيرين على مقدمة جانبي رأسه بصورة كانت تخيفني وتصيبني بالذعر إلا أني كنت أتمالك نفسي وأتحامل عليها وأضمه إلى حضني لأنه مهما يكن من أمره فهو إبني وصغيري”.

وهنا أذكر ما ذكرته فائزة آدم حمدان أبو إسماعيل الولي بأن جدتها وإسمها خديجة كانت حاضرة لحظة ميلادي، وقد سمعت منها بأن ولادتي كانت غير طبيعية ولم تشاهد النسوة الحضور آنذاك حالة مشابهة لهذه الحالة من قبل وذلك بأن الجنين قد خرج من رحم أمه وهو داخل كيس (المشيمة) فدُهشت النسوة من ذلك. فقلن: نادوا الشايب، المقصود به والدي (عبد القاسم موسى) ولُقب بالشايب نسبة لوجود شيبة في رأسه، ولما رأى ذلك الكيس قال: “شقوا الكيس، فقمن بشقه فإذا بالمولود داخل هذا الكيس… وعند غسله رأئين علامة مكسوة بالشعر بين كتفيّ المولود فسألن عبد القاسم عن هذه العلامة، فلما أقبل ورآها قال: هذا خاتم سليمان، ثم أرسل شخص واسمه (دينج العسرة) لإحضار كبش وتم ذبحه وأثناء ذلك تلبدت السماء بالغيوم في غير موعدها وهطل المطر بدرجة عالية ولم يعد للناس موطئ قدمٍ يابسة ولم تستطع النسوة دفن المشيمة لغزارة الأمطار وأنتظرن حتى  الصباح فقاموا بدفنها.

ثم سألت خالتي حليمة والدة فائزة آدم حمدان عن ميلادي فقالت: كنت حينها أرعى الأبقار في فصل الشتاء من ناحية البحر فعلمنا أن دار السلام قد أنجبت ولد ففرحنا بذلك. وقالت: رأينا في سليمان أشياء غريبة، فلونه متغير بإستمرار، ففي يوم يكون لونه أصفر ويوم يكون لونه أحمر ويوم يتمدد فيصبح طويلاً ويوم يكون يكون صغيراً جداً.

هذا الكلام عندما قيل لي كنت في منزل عبد الكريم الحازمي بالمجلد بتاريخ 5/10/2014م وفي حضور كل من الآتي:

1-    حرم إبراهيم علي، وحرم هي إبنة إبراهيم وليس زوجته.

2-    عائشة علي الحازمي.

3-    داليا عبد الكريم الحازمي.

4-    فاطمة شوقار زوجة علي الحازمي.

5-    حليمة محمد عبد القاسم وهي خالتي.

6-    زهرة حمدان عبد القاسم وهي عمتي.

7-    مها زوجة ياسر عبد الكريم الحازمي.

8-    مريم علي الحازمي.

هؤلاء هم شهودي عندما سمعت تفاصيل عن كيفية ميلادي لأول مرة، إذ أنني لم أسمع بهذا من قبل.

و قال علي الحريكة  حامد أني قد ولدت في شهر ديسمبر (12).

وقول خالتي حليمة يطابق الحديث التالي الذي يصف فيه لون عيسى ابن مريم,

 روى الإمام أحمد وابن جرير في تفسير قوله تعالى:  “وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ “، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة عيسى قال:  “فإنه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض“.

ومن ثم فرجل آل البيت هو عيسى ابن مريم الذي بشر الله آل عمران به وهو نفسه قد بُشِر به علي بن أبي طالب (ع) أي أن يكون مولوداً من ولده كما ولدته مريم في السابق. وأما ولادته في آل محمد ليس إلا أنه في الأصل منهم وعاد إليهم.

حديث رقم (4)

 عن الصدوق قال: “يلبس ثوب إبراهيم الذي أتى به جبرائيل(ع) لما رماه نمرود في النار، فصارت عليه برداً وسلاماً، وهو قميص يوسف (ع)، الذي ألقوه على وجه يعقوب، فارتدَّ بصيراً، ويخرج وهو لابس خاتم سليمان، ومعه تابوت بني إسرائيل، الذي فيه جميع مواريث الأنبياء وآثارهم، ولم يبق كافر على وجه الأرض، ولو أنَّ الكافر التجأ إلى صخرة، أو إلى شجرة، لنادت الصخرة أو الشجرة هذا كافر عندي فأقتلوه، ومن علاماته أنه ليس له ظل على الأرض، فمن مكة نادى مناديه بأن لا يحمل أحد من العسكر طعاماً، ولا ماءً، ومعه حجر موسى (ع) فإذا وصل إلى المنزل نصبه، وأنفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، فيروى ويشبع من شرب منها، فإذا بلغ النجف وسكن فيها إنفجر من تلك الصخرة ماء ولبن، فيكون هو الغذاء عوض الطعام والشراب”.

وفي رواية أخرى: أنه يخرج من تلك الصخرة ماء و طعام وشراب لهم وعلف لدوابهم.

أقول: فقائم آل محمد الذي لا ظل له على الأرض هو روح الله المسيح عيسى ابن مريم بجسده الإسرائيلي (تابوت العهد) لبني إسرائيل وهذا الجسد هو مظهر الإسم الأعظم في مجيئه الثاني خاتماً للولاية الكبرى والخلافة المطلقة للأسماء الإلهية وتجليه في الوجود والذي لم تنقطع حضرته عن الأرض فكانت ظلاً له بإنابة كل الأنبياء والأولياء له وظهورهم به من حيث ظهوره إلى أن ظهر هذه المرة دون ظل. وأما ما قصده الإمام الصادق (ع) في قوله: “مواريث الأنبياء” أي ما تجلى على يديهم من آيات ومعجزات (عصا موسى، خاتم سليمان) ما كانت إلا حجج دالة عليه طيلة فترة غيابه في مغربه. فطلع هذه المرة دون ستر (إنابة أو وكالة) من أحد مهما كان (نبي –  رسول… الخ) وإنما بنفسه وعن نفسه فهو شمس المغرب التي لا ظل لها، خروجه على نهاية الزمان الذي ما حُدد وما عُيّن إلا بميلاد بشارة آل عمران (عيسى ابن مريم) مرة ثانية في آل محمد (موطنه وأهله) بسليمان وهذا المعنى قد ألغزه الشيخ إبن عربي رضي الله عنه في قوله “تشرق الشمس من الغرب ومن المغرب إلى المشرق بنفسها” فأصل صفوة آل عمران هم آل محمد.

جاء في كتاب التوراة (العهد القديم) أشعيا النبي الإصحاح 11 قال: “يخرج قضيب من جذع ياسين وينبت فرع من أصوله تحل عليه روح الفهم وروح الحكمة لا يحكم بحسب سمع أذنيه ولا بحسب نظر عينيه بل بإلهام رباني وإن الأمانة منطقية متينة والشجاعة منطقية حقوقية وفي دولة ياسين القائم يعيش الذئب مع الخروف والنمر مع الجدي والبقر مع الأسد والأسد كالبقر يأكل نبتاً ويضع الفطيم يده في فم الأفعوان ويضع يده في سرب الصل وإن أصل ياسين القائم راية للشعوب يكون محله مجداً والأرض تمتلىء بالمحبة ومخافة الله له، وتظهر له جميع كنوز العالم، سواء كانت في سهل، أم في جبل، أم في برَّ، أم في بحر، وهو الذي تبدو أموره، ويظهر في بيت”. ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﺎﺋﺘﺎﻥ ﻭ ﺧﻤﺴﻮﻥ ﻋﻼﻣﺔ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ. ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻄﺒﺎﻃﺒﺎﺋﻲ ﺍﻟﺤﺴﻨﻲ.

أقـول: القضيب هو عيسى ابن مريم. والرمزية في الوصف (القضيب) تأكيد على عودته بقوة وبأس شديد (قرنا حديد) وخروجه (أي ميلاده الثاني (من جذع) أي من ذرية (يس) وهذا الجذع يرمز لوالدتي دار السلام بنت محمد عليها السلام.

وأما يس فهو إسم النبي الكريم ليؤكد ذلك مصداقاً لقوله “المهدي مني” فعيسى هو قائم آل محمد (قائم آل ياسين) وهو رجل البيت الفاطمي الذي ولد في  المغرب الأقصى (غرب السودان) من ذرية الرسول صلى الله عليه وسلم من ولديه (الحسن والحسين) من بنته فاطمة بإسم سليمان أبي القاسم موسى وهو الذي تكون في زمنه حكمة (تقع الأمنة والسلم على الأرض وتخرج له الأض كنوزها) “قال الرب لمسيحه كورش أعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي” يعيش الذئب مع الخروف والنمر مع الجدي” فما يلاحظ ان ما جاء في الإصحاح  يتطابق وصفه على ما جاءت به الأحايث النبوية وأخبار آل البيت التي تبيّن حال الأمة في زمن المسيح عيسى ابن مريم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَيَكُونُ عيسى ابن مريم عَلَيْهِ السَّلَام فِي أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلًا، وَإِمَامًا مُقْسِطًا, يَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَذْبَحُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَتْرُكُ الصَّدَقَةَ، فَلَا يُسْعَى عَلَى شَاةٍ وَلَا بَعِيرٍ، وَتُرْفَعُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ، وَتُنْزَعُ حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ، حَتَّى يُدْخِلَ الْوَلِيدُ يَدَهُ فِي الْحَيَّةِ فَلَا تَضُرَّهُ، وَتُفِرَّ الْوَلِيدَةُ الْأَسَدَ فَلَا يَضُرُّهَا، وَيَكُونَ الذِّئْبُ فِي الْغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا، وَتُمْلَأُ الأرض مِنَ السِّلْمِ كَمَا يُمْلَأُ الْإِنَاءُ مِنَ الْمَاءِ، وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ وَاحِدَةً فَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللَّهُ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا, وَتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا، وَتَكُونُ الأرض كَفَاثُورِ الْفِضَّةِ”. رواه ابن ماجه وإسناده قوي.

هذه الدلائل تؤكد بصورة قاطعة أن المهدي الفاطمي قد ولد في قرن آل عمران وها هوذا قد ولد في قرن آل محمد وهو المسيح عيسى ابن مريم شخصي سليمان أبي القاسم موسى فأنا فرع من أصل يس بالرغم من ميلادي الأول في بني إسرائيل فبيتي هو آل ياسين (آل محمد) فهم موضع الرسالة والنبوة والرحمة والعهد المشهود في كل صلاة “اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم” فآل محمد هم الأئمة الإثني عشر من ذريته أمناء الله على عباده. أولهم علي إبن أبي طالب وآخرهم المسيح عيسى ابن مريم شخصي سليمان أبي القاسم فأنا بقيتهم وعترتهم فأنا ياسين.

حديث رقم (5)

عن علي بن الحسن بن الرباط عن أبيه. عن المفضل قال: قال الصادق عليه السلام. ان الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل الخلق بأربعة عشر ألف عام. فهي أرواحنا فقيل له: يابن رسول الله ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ويطهر الأرض من كل جور وظلم” المصدر: بحار الأنوار (ج 51 – ص 145).

أقول: وقبل شرح الحديث ومن باب البيان والإستذكار فالأولى هو الإستدلال في ما يراد معناها ومقصده من قاعدة قوله صلى الله وسلم “لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل من آل بيتك” وفي رواية “لا يؤدي عني إلا رجل من آل بيتي” فهذه دعوة صريحة من النبي صلى الله عليه وسلم يبيّن فيها مسار الأمة ونهجها بتفصيل لأهم لبنة من لبنات عقيدتها. بتعيينه (لا يؤدي) من ينوب عن مقامه صلى الله وولايته فيهم من بعده (إلا أنت أو رجل من آل بيتك).

فشأن الأمة لا ينبغِ لأحد أن يرفع رايته ولوائه إلا أن كان منه صلى الله عليه (بيتي مولود فيهم) فالحصر في الخلافة له ولذريته لا غير مهما بقي من الناس “الخلافة في قريش ما بقي إثنان” فهي بالتنصيص والتخصيص بوجه صريح في آل بيته (آل محمد).

وقد روى البخاري في صحيحه: “أنه لما نزلت هذا الآية {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” عن كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ قال: “قيل يا رسول الله، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟، قال قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد” البخاري، وعن ابن عباس، في قوله عز وجل: “سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ” ([1]7)، قال: على آل محمد (صلى الله عليه وآله).

أقول: وبقراءة حديث الصادق عليه اسلام فالأنوار التي خلقها الله قبل الخلق بمئات القرون هم آل محمد خلفاء الله أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بعد غيبته روحاً في بني إسرائيل ليدل على أن آخر خليفة من آل محمد هو في الأصل قرشي وحامل الأمانة وحامي البيت والذي هو من يقتل الدجال ويطهر الأرض من كل جور وظلم فتبيّن من هذا أن خلافة (آل محمد) تختم بعيسى ابن مريم. كما في قوله صلى الله وسلم لن تهلك أمة أنا أولها والمسيح آخرها وفي رواية أخرى “خير هذه الأمة أولها وآخرها أولها فيهم رسول الله وآخرها فيهم المسيح”. إذاً فلا مدخل قط لخلافة المسيح للنبي في أمته بل وفي آل بيته (آل ياسين) إلا بخروجه جزعاً (يتولد فيهم) بميلاد طبيعي وبالرغم من هذا الإنتساب الظاهر فهو أصل هذا الفرع (آل محمد) النور الثاني عشر الذي نزل روحاً وتخلقه في رحم أمه وفي هذا القرن بآخر حلله وبإسم سليمان أبي القاسم موسى كآخر أسماء الخلفاء في مسيرة حياته الطويلة في الأرض والتي دنت نهايتها وتمام أجلها، قال تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتْ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ(58){ سورة النجم. أي بوقوع شرط متحقق من العلامات الكبرى للساعة والذي دل عليه شخصية تعتبر من أبرز معالمها وآياتها. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} بحضوره المتأخر الذي يمثل ذمرة المنذرين الأوائل والمحدثين بها في قرنه السابق (بني إسرائيل) ليدل أن ذي القرنين هو المسيح عيسى ابن مريم قائم آل محمد ورجل الساعة المنتظر.

 القصة الكاملة لخروج المهدي

منقول من موقع الملاحم والفتن

(http://alfetn.com/vb3/showthread.php?t=40103)

قبل أو بعد دخول الألفية الثالثة بقليل سيزداد المهدي في المغرب سيكون يعيش حياة كباقي المسلمين في أرض المسلمين يحاول الإلتزام قدر المستطاع بأوامر الله ويعيش مع الناس ويمشي في الأسواق ويتعلم ويدرس ولا شك أنه يفعل كل ما يفعله الناس يدخل المدارس ويجوع ويشتهي النساء في عزوبته و يدخل الإنترنت و يمارس الرياضة وقد يشاهد مباريات كرة القدم في المقهى وكل ما إلى ذلك سيعيش حياة كحياة أي مسلم آخر يبحث عن قوت عيشه ويعمل هنا ويخرج من هنا و يعرفه البعض ويحتقره البعض لكن الصفة التي فيه وليس في كثير من غيره أنه عابد لله موحد له فطرته سلمية ولم تفسد بمفاتن الدنيا ما زال يفرق يفرق بين الصواب والخطأ والحق والظلم والعدل والجور في زمن أستؤمن فيه الخائن وخون الأمين وظهر في الجهل والظلم و الطغيان وكثرة الزلازل والعاوصف والكوارث التي يسميها البعض بظواهر الإحتباس الحراري… ويسميها البعض غضب الله لكن في الأخير فقد ولد المهدي في تلاقي مجمل هذه الأمور مهما كان مسببها.

شخص المهدي

المهدي ليس بنبي يوحى إليه ولا برسول بعث بمعجزات وبما أنه من عباده الصالحين فأكيد أن له كرامات ويمتاز بالحكمة البالغة و الذكاء والفطنة، هو بشكل عام كأي شخص منا يحاول الإلتزام بأوامر الله ويجاهد نفسه ويحاول أن يكون عبداً لله مخلصا له في عبادته، جعلته معاشرته للناس و في مكان إختاره الله له حيث يكثر الشرك بالله والجهل وإختلاط الدين بالعلمانية والسحر والشعوذة وإندماج اليهودي و النصراني جعلت منه شخصية ذات أبعاد فلسفية وفكرية ودينية عظيمة بحيث أصبح يحلل الوقائع بكافة الجوانب. هو نفسه يعلم أن المهدي قد لا يخرج في زمانه وقد يخرج في أي لحظة لكن في داخله هناك إحساس يدفعه كل يوم أن يقوم بواجب بحكم خبرته وذكائه وغيرته على دينه, ربما يكون هاجر لأفغانستان وتعرفت عليه القاعدة وربما يكون ما زال في بلده وعنده شكوك من مدى صحة عقيدتها أو لا يمكنه ذلك حالياً لكن ما لا شك فيه أنه عندما سيظهر لن يبقى متخفياً كثيراً فعندما تحين ساعته سيدركها لا محالة ولا مجال للهروب من أمر يريده في نفسه و قد علمه من أحدايث رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ألا هو رفع الظلم وإحقاق العدل سواء أكان هو المهدي أو فقط مجدد للدين.

بداية الخروج

المهدي يعرف كل ما نعرفه نحن يعلم أحاديث خروج المهدي الضعيفة والصحيحة والحسنة ويقارنها مع حالته هل تنطبق عليه أو لا, تماما كما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة عند ورقة بن نوفل ليقرأ عليهم نبوءات الناموس بنبوة محمد والذي أخبره أن أهله هم الذين سيخرجونه فتعجب رسول الله وقال أهم مخرجي. فهذا ما يعلم المهدي وقوعه من أخبار السنة النبوية الشريفة. ويعرف أنه لا محالة لو أخبر الناس بنفسه وأن صفات ذلك الرجل الموعود تنطبق عليه لأغتيل وقتل ولما كان هو, فالمفروض ليس أن يعلم الناس أنه هو, فقد يكون مخطئ فيصير مهزلة أمام الناس وقد يصل لدرجة القتل من أعداء المهدي الذي لا يخلو مكان منهم. لذلك فهو سيفعل ما يحكم به الواقع ذلك الواقع الذي تأكده الأحاديث النبوية الشريفة.

بداية خروجه قلنا أنها ستبدئ بعلمه أنه أقرب أن يكون هو الرجل الموعود في زمن الظلم. إنها أمور تحدث له ولا يجد لها تفسير إلا أنه سيكون ذا شأن في المستقبل بحكم حبه لله ولرسوله ولنصرة دين الله ولكرهه للظلم ولعلمه بخفايا أعدائه واسرارهم في محاربته الخفية.

لكنه في الأخير ليس مقتنعا تمام القناعة بأنه هو لذلك فهو لن يذكر هذا الأمر بتاتا ولن يعلم به أحد وسيعيش حياته وكأنه ليس هو, فإن كان هو فسيأتي أمر الله لا محالة وإن لم يكن هو فليس من طاعة الله إشغال النفس بالغيب والتصرف لتحقيق النبوءات لأن النبوءات تتحقق بالتصرفات الواقعية التي جائت بحكم الواقع والمنطق وليس بحكم منطق تحقيق النبوءات بأي شكل.

الأحداث التي نعيشها اليوم ولها علاقة بزمن ظهور المهدي

فهو بإذن الله ورحمته يعرف أن كثيراً من الناس يكرهون ظهور المهدي وفي إعلانه عن نفسه أذى بالغ له ولمن حوله وأيضاً أن جيوش محاربة الإرهاب ما دخلت للدول العربية إلا استعدادا لقطع رقبته أول ما يظهر أو أي شخص يعتقد نفسه أنه المهدي. لذلك استعدت جيوش أعداء الإسلام بالقبض على كل الملتزمين والتحقيق معهم أو وضعهم في أرشيفاتهم حتى يتم استدعائهم وقت الشدة لأنهم يعلمون أن المهدي رجل صالح سيكون يعفي اللحية ويلبس القميص أو يقصر ثوبه ويصلي الصلاة في وقتها ويحافض عليها إنه المهدي وكيف له أن لا يكون كذلك؟

لكن لله حِكم أخرى وهو يغفر لمن يشاء ولا يُسأل عما يفعل.

إن أحداث 11 من سبتمبر و حرب أفغانستان والعراق و مشاكل إيران الفارسية المجوسية مع النووي وحصار غزة ومشاكل سوريا ولبنان لمن الأمور التي تبدوا متداخلة ومختلطة لكنها في حقيقة الأمر منظمة تنظيما جيداً لأن هذا يدخل في علم نظام الفوضى Chaos theory بحيث الناس يحتاجون لوقت للتحليل والتفسير ومع نقص المعلومات وجهلهم بأحداث آخر الزمان تجعلهم ينظرون إليها كفوضى وهي ليست كذلك والمهدي يعلم ذلك علما يقينيا… ويعلم أن كل يوم يزداد الأمر لتحقيق النبوءة لآخر الزمان. آخر الزمان ذلك الذي يعرفه المهدي أنه قادم لا محالة لكن التلفاز والراديو شوشوا على الناس وأعطوهم حقائق غير الحقيقة حتى أصبحوا يرفضون قبول أي حقيقة غير ذلك وهو يدرك مدى صعوبة ذلك عليهم لذلك فتصرفاته تكتنفها الحكمة البالغة والصبر والغموض…

يعلم أيضاً أن أتباع الدجال لا يكلون ولا يملون من التقدم في مخططهم لنشر الفساد في العالم لسيطرة الدجال ويعلم أيضا أنهم يعلمون بخروجه و قد أدركوا ذلك متأخرين فقد ذهب سحر الفراعنة الذين يتنبأ بيوم ولادته وقد ذهب عصر الفرعون الذي يقتل أبناء الناس بلا حق ولا شرع, و هذا من فضل الله ورحمته على عباده المسلمين وإمامهم.

يذكر أن أتباع الدجال يدركون أن المهدي قد قرب وقته وأنه لا وقت لهم إذا سبقهم قبل خروجه وهذا بالفيديو على أن أتباع الدجال عبر الماسونية يدركون أن الوقت ينفذ منهم فكل بشارات ونبوات خروج المهدي للناس قد ظهرت لذلك يجب التمهيد لحكم الدجال في العالم وتعميم الفوضى والسيطرة قبل أن يخرج وإن خرج سنكون له بالمرصاد.

قبل مشاهدة الفيديو هذه الرسوم المتحركة معروفة باسم The Simpsons وقد قيل أنها أعلمت بطرق هوليود المدركين لحقيقتها الماسونية موعد ضرب برجي مركز التجارة العالمي وهي نفسها الآن تنبئ بقنبلة نووية وغالباً ستكون إيران أو سورياً…

http://www.youtube.com/watch?v=7M5Bf6TtW8w

كما نرى فإنهم يعلمون أنه لا وقت لهم مع إيران فما زالت سوريا تنتظرهم لذلك على إيران أن تنتهي وفوراً فلا وقت لمزيد من العد التنازلي والألعاب السياسية.

 

 

نجاح أتباع الدجال في تحقيق مبتغاهم

ينجح أتباع الدجال في إكمال جميع مخططاتهم وتصبح البلاد كلها فوضى في فوضى بحيث تسمح لهم تلك الفوضى بتحقيق مداركهم ومبتغياتهم التي تمهد للإله الأعظم الدجال قاتله الله. لقد أصبحت الصورة مكتملة فالشعوب أدركت فساد الأنظمة عبر وثائق ويكليكس وأدركت أنها كانت ضحية لمخططات لا جهد عليها اليوم لمقاومتها فتلك المخططات أصبحت تحكم حياتها ورفاهيتها ومتعتها… فمن كان منا يحلم بإمتلاك بيت وسيارة وأثاث في سن مبكر دون البنوك الربوية و من منا لم يفتتن بالمغنيين والبرامج والأفلام الموسيقية والإباحية ونحن جالسون في بيوتنا لا نبذل جهدا لإحضارها فهي جاءت إلينا من التلفاز والراديو ومواقع الأنترنت والبلوتوث والوايفاي… إلخ… ما كنا نعتقد أن الفتن ستأتي إلينا ونحن في راحة.

تلك الراحة التي جعلت منا أغبياء لا ندرك حقيقة ما يجري وما يدور من حولنا لأننا إعتمدنا على التكنلوجيا كلياً في حياتنا حتى أصبحنا نعرف كيف نلعب البلايستيشن ولكن لا نعرف كيف نطبخ بيضة.

لقد أصبحنا عالة على أنفسنا بهذه التكنلوجيا, وأصبحنا نبحث فقط عن السلام والراحة ففتن آخر الزمان شديدة وكثيرة لا يكاد شخص يفلت منها وأصبحنا بتلك الفتن عبيد لشهواتنا ولمقدميها لنا.

أصبح هناك حجاج للبيت الحرام وحجاج للسهرات والمغنين أصبح هناك مساجد وأصبح هناك مزارات أسياد ومقاهي و BAR أو مجالس الخمر يذهب الناس إليها في أوقات كأنها مواعيد صلاة.

إن الفتنة لا تكون فتنة إلا على من هم متمسكين بدينهم أما غيرهم فتلك شهوات ومتع يموج معها كما تموج.
فبعد كشف الحقائق وفساد الحكام وجور السلطات وفضح المستور تصبح الدنيا فساد علني عري خمر زنى لواط كلها أمور علنية بالإضافة إلى المقاربات الأمنية و سياسة الرأي والرأي الأخر سيصبح المسلمون في أدنى نقطة إيمان عندهم صابرين يحاربون الفساد بقلوبهم ويا ويلهم لو حاربوه بلسانهم فسيتهمون بالتخلف والرجعية و الإرهاب وسيصبحون شر يجب التخلص والنفور منه أما تغيير الفساد باليد فقد صار ممنوعا منذ زمن.

خروج المهدي الأخير

بعد فتن عظيمة تطال بلاد المسلمين يقتل فيها المسلمون بكثرة سواء بينهم أو من طرف الرايات السود وقتال جبل الذهب وبعد تقاتل الخلفاء على حكم الجزيرة العربية تصبح النبوءات مكتملة لكن لا أحد يستطيع أن يعلن عن نفسه أنه هو المهدي لأن في ذلك الزمان المهدي إرهابي لأنه سيكون مسلم مطبق لأحكام الله في نفسه وفي أفعاله فيا ويل من يعلن عن نفسه لذلك فالمهدي وصفه رسولنا الكريم بصفات حتى تكون البادرة من الناس ليشجعوه على الاعتراف بكونه الرجل الموعود لرفع الظلم عن عباد الله وإحقاق حكمه فسواء أكان المهدي أو لا فهم بحاجة لرجل يذهب عنهم الظلم الذي لحقهم في دينهم أولا ثم دنياهم من جور السلاطين وتطبيقات قانون الغاب وهو الرجل الذي يرون فيه إشعاع الخلاص.

لقد ذهب المهدي ليتم أركان إسلامه للحج وخوفا من شر فتنة المسيح الدجال فقد علم أن أتباع الدجال قد نجحوا في كل مخططاتهم ولم يبقى سوى خروجه ليعلم الناس أنه الرب وعليهم بعبادته ولعلمه بعصمة مكة والمدينة منه إستغل موسم الحج للهرب إليهما وحينها أدركه الناس وراقبوه بحكم إجتماعيته وحبه لفعل الخير والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لقد كشف المهدي لقد عرفه قلة ممن ما زالوا يؤمنون بخروجه في آخر الزمان وأنه سيكون السبب في إذهاب الجور عنهم لكنه يهرب خوفا على نفسه مما لحق بغيره ممن اعتقدوا أنه هو المهدي فيتبعونه وهو يعلم أنهم سيتبعونه كما جاء في الأحاديث لكنه يهرب لحكم الواقع وجور أعداء المهدي القتلة فيهرب ويتبعونه لكن في الأخير يستسلم لقوة المؤمنين بكونه الرجل المطلوب فيمد يده وهو خائف أن لا يكون هو فيصير ما صار لقبله أو خوفاً مما لم يكتبه الله عليه فيضع نفسه في موقف لا يحسد عليه.

لكن في الأخير يؤمن به كثير من الناس ويعرفون من كلامه وطريقة خطابه أنه هو ولا شك ولا ريب فيصعب على القتلة المتخفين الوصول إليه الذين أدركوا وقت خروجه فأعدو العدة لظهروه وإغتياله كما إغتالو كل الصحابة الكرام المبشرين بالجنة, فيرسلون إلى السلاطين أو سلطان ذلك الزمان أن هناك من يهدد عرشه و عرش الدجال ويهدد ما بناه أتباع الدجال عبر سنين فيجب قصه, لكن هنا وجب الإبلاغ أنه ليس بالضرورة أن يكون ذلك السلطان يعرف أنه مهدي آخر الزمان أو قيمته الفعلية ولكنه يعرفه كتهديد كبير فقط.

فهناك الكثير ممن خرجوا للجهاد ولا يفرقهم على مهدي آخر الزمان سوى النبوءة وأرسل إليهم السلاطين والحكام جيوشاً لقتالهم.

فيبعث بالجيش لقتله وقتل كل من يؤمن به ويدافع عنه والكل خائف من الجيش الذي بعثه أكثر من مرة لأكثر من شخص سواء من نفس الطريق أو طريق أخرى لذلك هناك شك هل سيخسف بذلك الجيش أم يجب أن قتاله حتى نرفع الظلم عنا وعن جور السلاطين الذين يحكموننا.

ويجيء الحق فيخسف بالجيش وتثبت النبوءات على الرجل أقنى الأنف أجلى الجبهة الذي قال عنه الرسول أن إسْمُهُ يواطئ إسمي وأنه يجيء في آخر الزمان حيث يكثر الظلم ويخرج جبل الذهب ويخسف بالجيش الذي يبعث لقتله وقتل أتباعه وأنه سيهرب ما بين المدينة ومكة حتى يبايع. والذي سيكون بإذن الله تعالى سبب تدمير مخططات الدجال والذي سيغضبه حتى يخرج من وكره ويعيث فسادا في الأرض.

وهنا أنهي قصة خروج المهدي وما تبقى من معارك و غزوات فذلك أمر واجب على المسلمين وعلى المهدي لكن الغموض هو من هو المهدي كيف يعيش ومن أين يجيئ ولماذا سيفعل ولماذا سيهرب وكل ما يشبه هذه الأسئلة هو ما تناولته في هذا الموضوع. ولكل حادث حديث.

المصدر: موقع الملاحم والفتن: http://alfetn.com/vb3/showthread.php?t=40103

أقول: ان أسباب تفاقم المعاناة في السودان وأرض المسيرية بوجه خاص هو نتاج تكذيبهم دعوتي ومخالفة أمري والصد عن ما جئت به طيلة نيف وثلاثون عاماً من عمر دعوتي إليهم وقد بينت لهم بأن شخصي سليمان أبي القاسم موسى هو المسيح عيسى ابن مريم بكامل هيئتي وروحي بكل تفاصيلي الأولى التي كنت بها في بني إسرائيل. وقد بعثني الحق عزّ وجلّ مهدياً لهذه الأمة بميلادٍ ثانٍ بيّنت وقائعه في كل منشوراتي ولازلت أبيّن لهم أمري. وهذا البيان ليس بجديد وإنما هي تذكرة فمن شاء إتخذ إلى ربه سبيلاً. فما من أحد اليوم إلا وهو يعلم علم اليقين بأنني قد أقمت الحجة على العلماء والفقهاء فهدمت عليهم المنابر…وسقطوا صرعى أمامي بحجة لا ينكرها إلا مكابر إتخذ إلهه هواه فصده الشيطان عن الحق.

فقد أثبت الحقيقة وبينت الطريقة وكشفت المستور وأزلت الحجب فلا زالت الأبواب مفتوحة على مصراعيها والله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.

 فالمسيح عيسى ابن مريم وُلد مرة ثانية وبالسودان تحديداً ويحمل إسم سليمان وهو كائن الآن بأرض كردفان (دار المسيرية الحُمْر).

فإن الهجمة الشرسة التي تتعرض لها دعوتي على يد الناس باستخفافهم واستحقارهم لشخصي هي إرادة سماوية على سنن الذين خلوا من قبل. فلن يجعل الله للظالمين على المؤمنين سبيلاً ولن يجعل لهم ظهيراً يقول تعالى: في محكم التنزيل: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة.

فهم لن ينالوا حظاً من نصرتها ولن يتم الفرج إلا بخروجي إلى دارفور والإستعانة بثلة الأعاجم.

فإن الذل الذي تتجرعه جموع الأعراب وبطون المسيرية كان بظلمهم أنفسهم وإتباعهم ناعق الضلال. فاتبعوا آثار أبقارهم. فانسلخوا من رداء الحق وتخلوا عن راية الدين ونكثوا العهد فضلوا حياة الذل والهوان. فسلط الله عليهم شر البلاء وشظف العيش  مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:”إِذَا يَعْنِي ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعَيْنِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ بَلَاءً، فَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ” . فخرجت جهاداً في سبيل الله لإعلاء كلمته فلم يجيب دعائي إلا فئة معدودة منهم ثم عاودت الكرة عام 1997م. وقد ذكرت لهم بأني أقاتل لأسترد لهم أرضهم التي سُلبت منهم وإنتُهِكت حرمتها في وضح النهار فهي موطن آل البيت ومعقل آل عمران وهي ملك خاص لهم تحت وصاية شخصي المسيح المهدي سليمان أبي القاسم موسى فلم أرد منهم من رزق ولا أريد منهم أن يشكرون فألجموا أفواههم وأغمضوا عيونهم. فبدأت فجوة الخلاف والعداء بيني وبينهم تتسع. فكنت راجياً منهم أن يكونوا ظهراً لي وعوناً لي ولكنهم كانوا عائقاً وحجر عثرة أمامي ليؤكد هذا أن سنة الله ماضيةً في خلقه والرسالة تنتم كما بدأت بوقائع صاحبت النبي صلى الله عليه وسلم في أول دعوته من خلال صالة الإستهجان والاستغراب التي اكتسبت ملامحه عند لقائه بورقة بن نوفل ذاك اليهودي الذي كان أقرب إليه من أهله وتمنى أن يفديه لو كان في عمره بقية. فالحق يُعرف بأهله والرجال تعرف بأقوالها “يا ليتني كنت جزعاً. يا ليتني أكون حياً حينما يخرجك قومك” فانصعق النبي صلى الله عليه وسلم من هول ما سمعه من قوله” أو مخرجي هم!” فالحق مرفوض ولا يتحمل. فبالرغم من ما تجمعهم به من صلة وأنساب فقد هانت عليهم نفسه ولفظوه. فما لاقاه المصطفى من عداوة وأذية من عشيرته هي مشاهد متجلية ومتجسدة في سيرتها على شخصي سليمان أبي االقاسم موسى مصداقاً لقوله تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ *  وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ” سورة الحجر الآية (10-11).

ومن باب وأنذر عشيرتك الأقربين فقد إبتدرت دعوتي بأهلي عسى ولعل أن يكن لهم فضل في هذا الشرف العظيم. ولكنهم أغمضوا عيونهم كي لا يروا مصابيح هدايته الربانية وجعلوا أصابعهم في آذانهم كي لا يسمعوا صوت الحق. فما جئت به يعتبر في إعتقادهم هو الباطل الذي لي له معنى معقول لأنه يخالف ضلالهم وغيهم فلم ترضاه مقلدة العلماء ولا سادات العشائر ولا عامة الفقراء فأوصدوا في وجهي أبوابهم وأطفئوا القناديل وأسدلوا الأستار وتواروا خلف ظلام حجراتهم خوفاً من ذلك الطارق الذي جاء ليخرجهم إلى النور. فهم قد نسوا قوله تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” سورة الروم الآية (47). فقادتني المشيئة إلى ديارٍ أخرى حيث مجمع البحرين “الخرطوم” فجمعني الله بأهل الدعوة وأنصاري إلى الله فصدقني وعداً. فتبيّن لي أنهم إخوتي وأسرتي التي غبت عنهم دهوراً وعصوراً. فكان لقائي لهم هي نقطةُ هامةً بل كانت النقلة الكبرى في تاريخ الدعوة بتجاوزها مرحلة التعتيم إلى الخروج إلى آفاق أوسع. فكانت هي سفينتهم التي سطع نجمها ولاح نورها وهي تتهادى فوق أمواج ومتحدية إتجاه الريح وسط بحر طامس فلم تضل طريقها بالرغم من المخاطر التي كانت تحيط بها من كل صوب فعين الله كانت ترعاها إلى أن لاح الساحل مع أول خيوط أشعة شمس المغرب التي ما طلعت إلا على أهل السفينة  لتدلهم إلى المرفأ وبر الأمان. وخلاصة المقال هي أن المهدي الذي يولد بالمغرب (السودان) وقد ولد هو المسيح عيسى ابن مريم بذاته وروحه بشخصي سليمان أبي القاسم موسى فنشأت نشأة طبيعية كل وقائعها لا تختلف تفاصيلها عن بقية أقراني وعامة الناس. بل كانت حياة دون المستوى العام ذات طابع مجرد من المظاهر الثانوية وعلى قدر ما تقتضيه ضروريات الحياة.

فكل أطوار حياتي لم تخرج قاعدتها الظاهرية عن مسار قانون المجتمع الأسري من ناحية السلوك العام أو التوجه الفكري. وإنما كانت حقيقة نفسي هي باطني المخفي في ذاتي ولم يطلع عليه غيري. فلم يكن لأحد قط أن يتخيل أن شخصي سليمان هو ذات المسيح عيسى ابن مريم نبي بني إسرائيل السابقة وها هو ذا قد ولد ثانيةً وترعرع في بادية المسيرية في أقصى الغرب من أرض كردفان. فكنت أمارس كافة نشاطاتي الشبابية كغيري من الشباب من ارتياد الأندية ودور الملاهي والاستماع للموسيقى وممارسة كرة القدم وغيرها ولكن كنت أدرك أنني لست كبقية الناس. فأنا الحق المبين أنا سليمان الروح الأعظم. الذي يظهره الله ويخرجه “يولد ثانيةً” كيفما شاء وإينما شاء وبمن شاء وما ذلك على الله بعزيز وهو يقول الحق ويهدي السبيل وبمناسبة هذا السياق فأذكر واقعةً حدثت لي في مطلع تسعينات القرن الفائت بمدينة نيالا غرب السودان. ففي ذات يوم التهب أحد أضراسي وسبب لي ألماً حاداً فأصيب الجانب الأيسر من خدي بورم مما أدى إلى تكوّن مادة “كيس دهني” على الجانب الخارجي. فذهبت إلى المستشفى. فتم تقييم الحالة على أنه قبل إجراء عملية لخلع الضرس لابد من علاج لحالة الورم والالتهاب التي كانت عائقاً لإجراء العملية. فأعطاني الطبيب روشتة بإسم الحبوب المسكنة وقصدت إحدى الصيدليات في وسط المدينة وفور وصولي ناولت الصيدلي الروشتة ومعها المال الذي كان ورقة نقدية من الفئات الكبيرة فخرج يبحث عن (فكة) وفي أثناء إنتظاري له حانت مني إلتفاتة إلى جهة الجانب الغربي فرأيت صورة كبيرة على طول الجدار. وكان يظهر فيها رجل ممتطياً صهوة جواد وممسكاً بيده اليمنى بحربة ومتأهباً للانقضاض على الشيطان يريد قتله. فتمعنت في ملامحه فصعقت لهول ما رايته فلقد كانت صورة ذاك الرجل هي طبق الأصل لهيئتي وشكلي وبملامح وجهي بالتمام والكمال. فأسررت تلك الواقعة في نفسي وقلت لو أن أهل العقول نظروا إلى هذه الصورة لآمنوا وأيقنوا بأن سليمان هو عيسى ابن مريم. فرمزية الصورة تعبر عن صراع الخير والشر والذي طرفيه ممثلين بشخصية المسيح عيسى ابن مريم (الرجل الذي يمتطي صهوة الجواد) وبيّن المسيح الدجال (الشيطان). وبعد أن أكملت فترة علاجي التمهيدي رجعت إلى المستشفى فوجدت أن فريق الأطباء قد غادر معامل الفحص وغرف التمريض لتناول وجبة الإفطار. فما كان علي إلا أن توجهت إلى فناء المستشفى الذي تتوسطه شجرة ظليلة (نيم) فكان هناك جمع من الناس تحتها وبها بائعات الشاي وفي أثناء وقوفي جاءت فتاة ووقفت بجانبي وكانت تشبهني إلى حد كبير فأخذت تتحدث باللهجة القبلية “رطانة” وعلى الأرجح كانت من قبيلة الزغاوة فشعرت أن حديثها موجه إلى شخصي وكأنها كانت تقصدني فالتفت إليها وقلت: “إنتي بترطني بتقولي شنو؟. فاندهشت لردي عليها وأجابتني بلغة عربية قائلة: “أنت ما بترطن؟. قلت ليها أنا ما برطن” فأصابها الذهول والحياء لأنها كانت على يقين تام أنني من بني جلدتها فلقد كنت أقرب الناس شبهاً بها وبقومها.

والعبرة من هذه الواقعة أن المهدي يولد في الغرب دون أن يدري به أحد بميلاد لا يميزه شيء عنهم في أوصافه بل يكون هو أشبه الناس بأهل الغرب “دارفور” وإن كان من غير جنسهم فهو روح الله الذي لا ينسب لأحد. والوقائع فصلها حديث الإمام الصادق عليه السلام.

حديث رقم (6)

عن أبي الربيع الشامي قال: “قال لي أبو عبد الله عليه السلام (جعفر الصادق) لا تشتر من السودان أحداً، فإن كان لا بد فمن النوبة، فإنهم من الذين قال الله عز وجل عنهم: “وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ”. أما أنهم سيذكرون ذلك الحظ ويخرج مع القائم (ع) منا عصابة منهم” الكافي –ج-2 صــ51-152.

لامام الصادق عليه السلام) قال ” لا تشتر من السودان أحدا، فإن كان لابد فمن النوبة، فإنهم من الذين قال الله عزوجل: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به)، أما إنهم سيذكرون ذلك الحظ، وسيخرج مع القائم عليه السلام منا عصابة منهم.”  المصادر: الكافي: ج‍ 5 ص‍ 352 ح‍ 2.

 فقائم آل محمد قائد عصابة الأفارقة السود هو المسيح عيسى ابن مريم المهدي الفاطمي الذي يجيئ من قبل المغرب بملته (طائفة أهل المغرب) أهل دارفور.

وهنا نقطة هامة وجديرة بالإنتباه فلا مدخل لسيادة عيسى ابن مريم لهؤلاء السود وولايته عليهم إلا أن يكون مولود فيهم وبنفس هيئتهم وسحنتهم ولسانهم لأن القيادة ترتكز هنا على هؤلاء السود الجعد أصحاب الجلاليب بعامل اشترطت فيه الأبعاد الإثنية والعرقية التي تمثل حافزاً مهماً في سبيل جبر خاطر كل مظلوم وإشفاء غليلهم وغيظهم لحق من حقوقهم قاتلوا لاسترداده فميزان العدل لا يخطئ في القسمة أبداً إن وجد القاسم العادل فكان صراع النفوس يدور حول الخرطوم (كنيسة النفس) فهي مرام كل رام وعين كل إنسان وهذا يفسر قولي لأهل دارفور “تفتحون الخرطوم دون قتال” أي يدخلونها مكبرين ومهللين لأنه لو لم تفتح الخرطوم لا تفتح جزيرة العرب ولا فارس ولا الروم ولا الدجال. فتسقط الإعتبارات بسقوطها وتتوحد يومها كل الجبهات. وتنحل عقدة الإشتراك وترفع الشحناء والتباغض بين أهل السودان وتنزع حُمه كل ذات حمه. ومن ثم تبدأ معركة التحرير والعدالة الكبرى.

ملحوظة

بتاريخ 31\3\1998م أغارت بعض مليشيات حركة التمرد S.P.L.A على أرض المسيرية المتاخمة لبحر الغزال وتم نهب أبقارهم ومواشيهم وتم اقتيادها إلى داخل أراضي الجنوب. فاستنفرت أسرة أولاد ريد (عشيرتي) مقاتليها من الشباب لمواجهة هذا العدوان واللحاق بالمتمردين لإسترداد الأبقار فتوغلوا جنوباً حتى منطقة (وارغانج) التي تضم أكبر كنيسة في المنطقة وعندها وجدوا مجسم حجري “تمثال” لشخصية السيد المسيح. وفور رؤيته إعترت تلك المجموعة الدهشة والذهول لتطابق كل الملامح بتقاسيمها الدقيقة على شخصي فهتف رجل من أولاد عُقلة قائلاً:”هذا التمثال كأنه سليمان ولد أبي القاسم” فأخبرني محمد (الكمدكي) يونس وشهد على ذلك عبد القادر يوسف أبو شرا.

 وقبل إختتام هذا الفصل أقول إن عيسى ابن مريم هو ذو القرنين وذو السويقتين وهو قائم آل محمد فلا يُعرف عيسى ابن مريم إلا بعيسى نفسه ولا يُعرف الحق إلى به فهو الهادي إلى الصراط المستقيم “لا مهدي إلا عيسى ابن مريم”.

 الفصل الثالث

سليمان هو الخليفة

حديث رقم (7):

عن أبي الجارود قال: “قلت لأبي جعفر(ع): جعلت فداك أخبرني عن صاحب هذا الأمر. قال: يمسي من أخوف الناس، ويصبح من أمن الناس، يوحى إليه هذا الأمر ليله ونهاره. قال: قلت: يوحي إليه يا أبا جعفر؟ قال: يا أبا الجارود إنه ليس وحي نبوّة، ولكنه يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران، وأم موسى، وإلى النحل. يا أبا الجارود إن قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران، وأم موسى، وإلى النحل. وقال: إن العلم بكتاب الله (عزّ وجلّ)، وسنّة نبيه لينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع على أحسن نباته، من بقي منكم حتى يراه فليقل حين يراه السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوّة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، السلام عليك يا بقية الله في أرضه”.

أقول: هذا الحديث يعتبر نشرة قائمة بذاتها فهو يحوي في باطنه جوهر هذه الدعوة وسوف أخصص له مساحة شاسعة من هذا الكتاب. للوقوف على أهم النقاط التي يتضمنها فهو يبرز حقيقة شخصي المسيح سليمان أبي القاسم من منظور آخر وبُعد آخر لحقيقتي التي لم يكشف تفاصيلها أحد بهذا الوصف والبيان الوارد بالحديث وقد أشار لتلك الحقيقة الشيخ الأكبر إبن عربي في قوله: “ستظهر في زمنه الحقائق ولينكشف سر هذا الجدار ويكتم القائم حوله أنه سر. طوبى للأرض والسماء بظهور سيد الأولياء وخاتمهم”. عنقاء مغرب.

لتفصيل مادة حديث الإمام أبي جعفر الصادق (عليه السلام) يكون الشرح على مراحل كل مرحلة تتفاوت وتتسم  كل مرحلة بطور من أطواره. وأبدأ باستفسار الراوي بقوله وقول الباقر (ع) “ليس وحي نبوة ولكنه يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران وأم موسى وإلى النحل”.

 وأقول: أولا مرحلة الوحي: قال تعالى: “وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ” الشورى الآية (51). فالخبر الإلهي لا يتجاوز هذه الحجب والوسائط الثلاثة والتي هي مراتب العقول وتنوعها المشار إليها في قوله تعالى: “وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً” سورة الإسراء – الآية 36. فكل رسالة سماوية لها عقل ومرتبة علم يميزها عن الأخرى وتتفاوت فيها المعرفة من نبي إلى آخر ووسيلة الإتصال تتوقف على عقلية المتلقي “شخص المكلف”. لأن المادة الملقاة (الوحي) لها وسائط تتعرف على شفراتها الثلاثة إلى رقائق لها قابلية في قراءة كل كود على حدة والإستجابة معه وهذه الحالة هي التي يمثلها كل فرد من هؤلاء الأفراد )الأنبياء والمرسلين( صاحب القيادة الروحية وواسطة الأرض بالسماء. ولذا فهو كامل عصره وأعلمهم بربه. ويعتبر المثل الذي تقاس عليه مراتب عقول كل أهل زمانه. لأن وسيلة إدراكه للعلوم الإلهية قد تتخطى كل الوسائل التقليدية والمعروفة للجنس البشري ومثال لذلك. فالقرآن ككلام فهو موجود كطاقة نورانية تحيط بها حقول مغناطيسية في الفراغ اللامتناهي في الفضاء وهو باقٍ في السماء الدنيا ببقاء الدنيا ونقطة دائرية قد إنعدمت فيها كل القوانين الفيزيائية الأرضية والمعروفة للناس وإنهارت في حقله الذاتي كل المعايير التي يقاس عليها الأبعاد القياسية فلا يوجد له زمان ولا مكان. وليتجاوز تلك النقطة الحرجة ويصل للعقل الذي يسعه (العقل المحمدي) فلابد أن يكون الناقل تتجاوز سرعته كل النسب الأرضية والحسابات الرقمية، يقول تعالى عن من عنده علم من الكتاب في رده على سليمان (ع) بشأن عرش بلقيس: “قالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ” سورة النمل الآية 40.

ومن ثم فوسيط النقل الذي يحمل هذا النور الذاتي لابد أيضاً أن يكون في مستوى المتلقي الذي يسعه وهذا الناقل هو الروح أمين الوحي وحامله. وهذا معنى قوله تعالى: “نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ” الشعراء الآيات (193-195) وهنا تكمن مسألة التفاضل بين عقول الأنبياء في قوله تعالى: “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عيسى ابن مريم الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ” سورة البقرة 253.

فالتفاوت كان على مراتب الإدراك لكل عقل ووسيلة إستمداده للخير الإلهي، إذا فالمعيار الأول والأخير هو العقل، فمن كلمة الله من وراء حجاب والذي يعتبر في مرتبة النفس (عقل السمع والفكر) فصاحبها لا يدرك باطنه إلا بظاهر حسه  وهي مخصوصة بالقدم الموسوي في قوله تعالى: “إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي” سورة طه  الآية (14). وهذه المرتبة هي دون من كان في مقام عقل البصر (يرسل رسولاً) وذلك في قوله تعالى: “فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا” سورة مريم الاية 17. وهو مقام الروح المثالي العيسوي. وهي أيضا دون مرتبة عقل الفؤاد (وحياً) وهي أعلى مقامات الشهادة وهي خاصة بالنبي الكريم وهي المرتبة التي نزل عليها القرآن. وعنها قال الحق عزّ وجلّ في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم “فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى” سورة النجم الآيات (11-12).

ومن ثم فإن العقل قد عرفه الله بذاته في مراحل لها ثلاثة تجليات تتفاوت فيها المعرفة من طور إلى آخر. بمعنى أن الأمة التي يكون أمامها ونبيها في مرتبة السمع والفكر (عقل النفس) قوم موسى (اليهود) هم أقل الأمم اتصافا بالمبادئ والقيم الفاضلة التي تلحق الفرد بحضرة القرب الإلهي والإيمان المطلق بالغيب. فكانت معارفهم (أي اليهود) فوصالهم الروحي في حدود المصالح النفسية والمادية كما وصفهم الله في كتابه العزيز:”وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” سورة المائدة الآية(64).

فصلتهم الروحية مبتورة لأن معدنهم النفس التي لا ترى إلا بعينها الواحدة فقط ما تريد أن تراه. وهذا سبب خروج الدجال منهم ولذا هم أدنى مرتبة ومكانة من الأمة التي يستمد نبيها معارفه وعلومه بالله من مرتبة عقل البصر (الروح) حيث العلم بالإلهام الرباني والفيض فيه غير متناهي. لأنه مقام التجريد والتنزيه من الإشراك والشهود والعين للوفاء بالعهد. وهو مقام الروح المثالي الذي وصفه الله تعالى في قوله: “فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” سورة آل عمران 52. وهؤلاء على درجة عالية من الرباط الروحي مع الحق وبالرغم من هذا فالروحانيون أقل درجة من الأمة التي وحي نبيها من مرتبة عقل الفؤاد وهو الإخلاص التام والإيمان الكامل الذي وقر في القلب. كما وصفهم قوله تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ” سورة المائدة الآية (3). وهؤلاء هم الأكثر إنفتاحا وتحققاً وقبولاً للآخرين. وهي أعلى مراتب القرب الإلهي التي ضاهت كل مراتب تلك الأمم فكانت زينة الرسالة الخاتمة على نبيها ورسولها أفضل الصلاة والسلام وهي الدرجة الرفيعة التي تنزل فيها أقدس الكلام (القرآن الكريم) في أعلى مقامات العقل البشري (العقل المحمدي) والذي جمع كل الكتب التي تتفاوت فيها عقول البشرية جمعاء. فوحي نبوته هو أخص مراتب التكليف التي إقتضتها أهمية الحدث “رسالة الإسلام”.

فقد طوى النبي الكريم في سيره إلى الله وعروجه عقلي (السمع والبصر) بوقائع فصلها قوله تعالى: “وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى *  مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *  وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى *  إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى * عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ” سورة النجم الآيات (1-17). فجمع في ليلته الإنجيل بحقيقته والتوراة بشريعتها فقاب قوسين أي بين موسى وعيسى فنسخ الإسلام شرائعهم لأن رسول الإسلام هو أعلم أهل الأرض بالله فتجاوز بالإسلام إلى مرتبة إحسان الإحسان ومن ثم عين اليقين. وفي هذا المقام تحقق بذاته وأسرى لباطنه ورأى ربه بعين اليقين” الإسراء والمعراج – عن إبن عباس رضي الله عنه: “إلهي لقد غشي بصري نورك”. فهنا كان ذروة تجلي الصفات وهي الدائرة التي ختمت فيها نبوته وأغلق معراجها بأعظم رسالة وأسماها في الوجود فكانت بعثة عيسى ابن مريم بميلاد ثانٍ بشخصي سليمان أبي القاسم موسى وبوصفي قائم آل محمد ومثانيه الذي طوى في رحلته وعروجه الذاتي كل مراحل وكل سلوك ومقامات السابقين من الأنبياء والأولياء من لدن آدم إلى آخر ولي. فشخصي المسيح هو باطنهم “أسمائهم الإلهية التي ظهروا بها والتي اختصت لكل فرد من بني آدم بأنها دالة لحضرة الإسم الأعظم الدال للذات العلية المقدسة وغيره من الأسماء ليس إلا صفة له لا غير. قال الشيخ الأكبر إبن عربي في الفتوحات المكية في فصل شرح الفص الآدمي: “أن الكون الجامع هو الإنسان المسمى بآدم وغيره ليس له هذه القابلية والإستمداد” انتهي.

أقول: فالشيخ الأكبر يشير إلى حقيقة أخرى وهي أن هذا الوجود المادي بكل ما فيه هو تجلي إلهي من حيث صفاته لا ذاته. فما من فرد إلا وله إسم إلهي خاص به دال عليه من حيث بطونه في ميزان الحقيقة لهذا الخليفة كما في قوله تعالى: “مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ” سورة يوسف الآية(39). إلا الفرد الذاتي (آدم الأرواح) فهو الحقيقة الجامعة لصفاته. والحقيقة الكبرى أن الغاية الأولى والأخيرة من كل الرسالات ما كانت إلا سوى وسيلة للوصول إلى حضرة الذات ومعرفته والتي لا تتحقق إلا بعد أن يتخطي العقل البشري (خلافة الأسماء) ويطوي مراحله ومراتبه الثلاثة. لأن البشرية من لدن آدم إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته كانت تتوارث علومها الربانية بعقل تلو الآخر (رسالة) فعجزت في الوصول إلى تمام المعرفة الكلية بخالقها والتي من أجلها أوجدها. فبرز عقل آخر أكثر ذكاءً وتطوراً (رسالة أخرى) فكان كل عقل يتميز عن سابقه بأن جمع في طوره ونموه تجارب العقلين السابقين. فازدادت  في هذا الأخير المعارف الذاتية بالله والعلوم اللدنية ولكن بالرغم من كل ذلك عجزت أيضاً في إدراكه لأن الأسماء الإلهية المستخلفة على الأرض قد نفدت. فلا خلافة للصفات في أرض التجليات ولا رسالة أخرى ترتجى ولا مبعوث بعد المصطفى. فلا وسيلة ليتجلى العقل الكامل (عقل الذات) إلا بعودة ثانية لهذا الخليفة الذاتي والروح الرباني المسيح عيسى ابن مريم بميلادٍ ثانٍ بشخصي سليمان أبي القاسم موسى كما أشار لذلك قوله تعالى:”وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ” وأحمد هو ظهور عيسى وبطون محمد. وهذا هو تمام التحقق للعقول والتجلي الأكبر الذي تنتظره الصفات والأسماء التي كانت أقصى ما وصلت إليه بإجماعها سدرة المنتهى. دلالة على تمام الغاية من بعثته الشريفة فبالرغم من هذا فالسدرة ليست هي الحقيقة الكلية للذات العلية وإنما كانت منتهى آدم وأسمائه (الخلافة الظاهرية) فدور عيسى ابن مريم أنه طوى المقام المحمدي وتجاوز به إلى ما وراء سدرة المنتهى إلى حقيقة العقل الرابع عقل الذات. لذلك كانت بعثته وميلاده في مرتبة عقل الفؤاد. أي أنه استخلف النبي صلى الله عليه وسلم في نفس دائرة مرتبته التي قبض فيها ولذا لا تجوز عودته بمقامه السابق (الروح المثالي) الذي ظهر به ببني إسرائيل لأن هذا المقام كثير من الأفراد قد تحققوا به ومقام الخليفة لابد أن يكون واحد. وذلك ما أشار إليه قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عيسى ابن مريم أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” سورة المائدة الآيات (116-118). فهذا شهادة من عند الله بخلوصه التام من مقام التنزيه والإشراك فخلع عن نفسه تلك الحلية فخرج من قومه موحداً وعالماً بالله على ما تقتضيه مرتبته. وشاهداً على نفسه بعبوديته الذاتية. ولذا ظهوره الثاني بميلاده بشخصي سليمان دلالة على تخطيه مقام الروح المثالي وتجاوزه لمقام عقل البصر إلى مرتبة عقل الفؤاد وهي التي تخوله لخلافة النبي الكريم في أمته وهذا هو الإفراد التام لعيسى والاستخلاف المطلق في أمته صلى الله عليه وسلم لأن هذه المرتبة لا تسع إلا واحد ولا يسعها إلى مقام واحد ليستأنف ما بدأه النبي في عروجه وكي يترقى به وبمن حوله. وذلك معنى قوله: “لا يؤدي عني إلا أنت أو رجل من آل بيتك” والتي يفسرها الحديث التالي:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَلا إِنَّ عيسى ابن مريم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ وَلا رَسُولٌ، أَلا إِنَّهُ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي بَعْدِي، أَلا إِنَّهُ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، أَلا فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلامَ”، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: “إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَقْرَأَهُ السَّلامَ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآكُلُ مِنْ جَفْنَتِهِ”.. ومن ثم فهذا الروح الرباني المبعوث هو مظهر الإسم الأعظم وهو بطون النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة الأحمدية والحمدانية المطلقة في الوجود. وهذا ما أشار إليه في قوله صلى الله عليه وسلم: “عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: القائم من ولدي إسْمُهُ  إسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب الله عزّ وجلّ من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره والجاحدين لقولي في شأنه والمضلين لأمتي عن طريقته وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.

فالمقام الذي إستخلفه عيسى يكون نسبته من الأنبياء كما كانت نسبتهم من النبي صلى الله عليه وسلم. والوقائع سوف أفصلها لاحقاً. وأما تحققه بالإسم الأعظم يعني أن المهدي قد تفرد في دائرته الذاتية وتجاوز مرتبة النبوة وبرز بحقيقتها وبطونها وهي الولاية الأحمدية. لأنه طوى كل مقامات الأولين والآخرين ومراتب الأنبياء والمرسلين في سيرهم إلى الله بل حتى أنه جمع المقام النبوي الشريف ولذا فانسحب الفضل عليه ومعارفهم الخاصة والعامة بالله وفاضت على من حوله من أنصاره- مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ” فأصحاب خاتم الأولياء (شخصي المسيح سليمان) قد تحققوا ببطونهم الذاتي بكل مراتب الكُمل والأنبياء السابقين. فمنهم من وصل لمرتبة الخُلة ومنهم من تخطى مرتبة النفس ومنهم من تحقق بمقام الروح المثالي العيسوي. كقوله صلى الله عليه وسلم: “يكون في هذه الأمة أربعة على خلق إبراهيم وسبعة على خلق موسى وثلاثة على خلق عيسى وواحد على خلق محمد” فالوسيلة إلى الله بالعقول التي ما أوجدها بكل مراتبها إلا لتعرفه وجعل لكل رتبة منها رسالة خاصة تترقى بها الأمم في مسلكها وعروجها إليه سبحانه. ولذا كانت تجليات الحق لهذه العقول (الخلق) بصفاته كما أشرت لذلك وليس بذاته التي لا يدركها إلا عقل الذات فلا يُعرف الله إلا بذاته وهذا سبب النسخ لكل ديانة لأن شخص الخليفة (الإمام) في ترقي وعروج بمن حوله ومجاوزاً بهم المقامات وطاوياً بهم معارف أمم وشعوب متخطياً بهم المراتب الثلاث ليصل بهم إلى الحقيقة الكلية (المقام المحمود) وهو حوض الكوثر مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم، عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إني خلفت فيكم اثنين إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض “أخرجه البزار“. والورد لحوضه لا يكون إلا بالروح الأعظم الذي يتجلى الحق به فتعرف عليه الأسماء والصفات وتتوحد عليه كل الديانات والرسالات ليؤكد أن أصحاب هذا القائم هم أعلم من طلعت عليهم الشمس، وفي تذكرة القرطبي:2/762: ليدركن المسيح بن مريم رجالاً من أمتي مثلكم أو خيراً منكم. وفي/774: ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواماً إنهم لمثلكم أو خير منكم ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها”

ققد روى الترمذي وأبوداود وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:..فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم. وفي رواية:  قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم.”

 إن أجر العامل منهم بخمسين منكم فهم الأفراد الذاتيين الذين عرفوا الله بذاته لا بصفاته كما أشار لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ , إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَضَى صَلاتَهُ أَقْبلَ إِلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَلا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ، وَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنَ النَّاسِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ، وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ انْعَتْهُمْ لَنَا، صِفْهُمْ لَنَا، فَسُرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُؤَالِ الأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ، وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ، لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَافَوْا فِيهِ، يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا، فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ وَثِيَابَهُمْ نُورًا، يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يَفْزَعُونَ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ”. وكان بروز صاحب حضرة الاسم بنهاية انقطاع كل الأسماء لأنه هو الطور الأخير وخاتم كل الحضرات ومنتهي التجليات. الذي أشار إليه الإمام علي بن أبي طالب في قوله: “فتوقعوا ظهور مكلم موسى من الشجرة على الطور، فيظهر هذا ظاهر مكشوف، ومعاين موصوف معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) – الشيخ علي الكوراني العاملي ج 3  ص 27.

يقول الشيخ أبو العباس التجاني: “الإسم الأعظم: هو الخاص بالذات لا غيره، وهو إسم الإحاطة، ولا يتحقق بجميع ما فيه إلا واحد في الدهر، وهو الفرد الجامع”.

أقول: إن الخلافة لها وجهين (ظاهر بالأسماء) وباطن بالتحقيق وهي المطلقة عن الحق لأنها كانت من مقام الروح: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” سورة البقرة الآية (30). وقال تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ” سورة الحجر الآية (29). وجملة (روحي) هو ذاته الروح الأعظم شخصي سليمان أبي القاسم  موسى.

وأما الأسماء التي كانت لآدم (ذريته) فهم خلفاء ونواب عن هذا الروح الذي استمدت منه كل الأسماء حقيقتها ووجودها ومعارفهم الربانية منه والتي تتفاوت فيها آلية كل عقل في إتصاله به من وراء حجاب (يرسل رسولاً) أو (وحياً). وأما علومه فهي تأتيه من روحه هو نفسه أي ذاته لأن روحه هي روح القدس روح الأسماء والصفات. وهذه الفقرة التي أرادها الإمام أبا جعفر في وصفه عن الإمام الباقر (ع) في وصف المهدي (ع) قال🙁  يوحى إليه هذا الامر ليله ونهاره. قال قلت: يوحى إليه يا أبا جعفر؟ يا أبا جارود إنه ليس وحي نبوة، ولكنه يوحي إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران وإلى أم موسى وإلى النحل.  يا أبا الجارود: إن قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران وأم موسى والنحلالبحار 52/389).وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: (إن العلم بكتاب الله عزوجل وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته”. فعودة عيسى ابن مريم ناسخاً لكل الشرائع وجامعاً لكل المراتب (النفس والبصر والفؤاد) لأنه العقل الكامل والكُلي في ميلاده بإسم سليمان وهو مجلى الصورة الإلهية للذات العلية. كما أشار لذلك النبي الكريم في قوله: “خلق الله آدم على صورته” و “إن الله خلق آدم على صورته”.

فكل علوم البشرية من أولها إلى آخرها هي تجليات ذاته (روحه) التي تنعكس من الحضرة القدسية للحق لكل حال وشأن وتوفي كل إسم حقه ومستحقه دون زيادة أو نقصان من حيث باطنه الحقيقي وظاهره الشرعي. بإمداده وعلومه على حسب مرتبة عقله وقابليته في الترقي والتلقي. فهو صاحب مقام الخلافة وصاحب حضرة الإسم الأعظم الدال لحقيقة الذات. والذي واطأ على جميع الأسماء التي ما كانت سوى صفات له وهذه الحقيقة قد أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه التالي:

عن إبن مسعود، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: “المهدي يواطئ إسْمُهُ إسمي، وإسمُ أبيه إسمَ أبي”.

فالمسيح هو خليفة إسم الله تعالى (الله) والإسم يعلو في مقامه ومرتبته وخصوصيته على إسْمُهُ تعالى (الرحمن) والذي يمثله النبي الكريم الذي بعث برسالة الإسلام من دائرة مقام خلافة الأسماء والتي تجلى بها الله بإسمه الرحمن. فما من مظهر من مظاهر هذا الوجود إلا وكان الرسول هو صاحب حضرته وخليفة الرحمن قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء. وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (156) سورة الأعراف. فكان سيد الأسماء وأعلاها وخاتمها. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ” فالنبي الكريم هو مرآة الرحمن ومجلي رحمته التي وسعت كل الأسماء (الكون) وترحمت فيما بينها كل الخلق. قال تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة, وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران. ومن ثم فالمهدي الذي يواطئ إسْمُهُ اسم النبي هو المسيح عيسى ابن مريم شخصي سليمان أبي القاسم موسى والاسم الذي يواطئ إسم النبي (محمد) هو باطنه الذي أشار إليه في قوله تعالى بلسان عيسى ابن مريم في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عيسى ابن مريم يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي إسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} (6) سورة الصف. فالمعضلة في أن كل أحاديث المواطأة تم تفسيرها شفوياً على ما تخيله علماء السلف والحاضر وذاك تفسير لا يمت للنبي الكريم بشيء ولم يصرح به مع أنه كان من السهل عليه وقد أوتي جوامع الكلم أن يؤجزها بما هو أبلغ وأفصح منها جملة وتفصيلاً دون تكلف منه حاشاه من ذلك في أن يقول ان المهدي إسْمُهُ محمد لكن جملته هي مصداقاً لبعثة عيسى ابن مريم لأن الإشارة فيها رمز خفي ينفي كل التكهنات التي تزعم أن الاسم الظاهر للمهدي هو محمد لأن المهدي بشخصه هو مظهر الاسم الأعظم وإلى بيان التفاصيل بصورة أكثر عمقاً ووضوحاً نورد جملة ابن عربي في كتابه عنقاء مغرب بقوله: “فإذا ظهر الأمر في مجمع البحرين، ولاح السر المكتم لذي عينين، كأنه يشير إلى ظهور النكته الربانية في هذه النشأة الإنسانية. فإنه مجمع البحرين الآن والكون والعين، وقوله:”في عينين” يشير إلى صاحب الصفتين. فمن فَهِم فاز فوزاً عظيماً” عنقاء مغرب(نكتة الشرف في غرف من فوقها غرف).

فالسر المكتم هو سليمان أبي القاسم موسى بمقامه المبهم الذي دارت عليه حقيقة الحقائق واحتجب وراء الغيوب فلم يصل إليه أحد إلا بعد ميلاده الثاني بمجمع البحرين (السودان) في إشارة لمقرن النيلين.

وقول ابن عربي يجلي ويظهر أحداثاً تجسدت وقائعها على شخصي تدور حول هذا الأمر وأفصلها كالآتي:

فبين عامي (1960م-1961م) في إحدى المحافل الأسرية بمدينة المجلد جنوب غرب كردفان. أقيم حفل زفاف وذهبت إليه برفقة عدد من الأخوان وفي أثناء أداء العروس لرقصة بلدية مشابهة (رقصة العروس) نفرت نفسي من منظرها فبكيت لهول ما رأيته فلم أتمالك أعصابي فخرجت مسرعاً وكنت أقول في نفسي: “كيف تسمح نفس هذا الزوج أن يكشف مفاتن زوجته للناس وبصورة مخلة لا يرضاها الدين؟. ولو كنت أباًً لتلك العروس لفسخت عقد قرانها. وكانت الدموع تتساقط على صدري إلى أن رحلت سريري. وبمجرد جلوسي عليه حدث أن الوجود انمحى  في لحظته أمامي تماماً لا سماء ولا أرض ولا أي شيء مما خلق الله حتى لم أكن أدري من أنا وأين أنا وفي تلك الحال تدلى نور الحق عز وجل وتجلى في قوله تعالى:”اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض” رغم أنني في تلك الأيام لم أطلع على تلك الآية لأنني كنت في المرحلة الأولية أي لازالت في جزء تبارك  فبدت من نور الله الأرض جرداء لا معالم لها ثم حدثت حركة أخرى للنور فبدت لي كل المخلوقات ما أعرف منها وما لا أعرف ولكنها كانت في صورة دمى لا حياة فيها ولا حركة  حتى الشجر والحيوانات والطيور والحشرات والطحالب. ثم حدث تجلي للحق لهذه الكائنات. باسم من أسمائه. عرفت فيما بعد أنه اسم الله الأعظم. فسرت في الكائنات الحياة فتحركت الحشائش والأشجار وطارت الطيور وتحركت المياه في البحار بالأمواج وجرت مياه الأنهار وعند ذلك شعرت أنني جالس على سريري وقد جفت مني الدموع وتملكني الخوف والرعب ولم أخبر بهذا المشهد أحداً لهوله. فخشيت أن لا يصدقني الناس.

أقول: فوقائع المشهد هي أن الحق عز وجل قد تجلى باسمه الخاص على خلقة ونفخ فيهم الروح بسره فدبت الحياة فيهم بعدما كانوا دمى بأشكال تصويرية من الطين بكل هيئاتها من أصغر كائن إلى أكبر مخلوق في هذا الكون فأما الجانب الخفي أن الخلق لم تتعرف إلى الحق بتجليه عليهم بذاته. فقد إضطربت وانصعقت لهوله. فوقع تجلي آخر باسمه (الرحمن) والذي هو أعلى أسماء الصفات وأخصها فتراحمت كل الأسماء التي دونه (الخلق) فيما بين وتعرفت بها على بعض وآلفت نفسها وإستقرت به. ولذا فهي عرفت ربها من حيث صفاته لأن تجليه كان بحضرة النبي الكريم خليفة الاسم.

ولذا فما عرف آدم وذراريه الحق إلا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم فكانت سدرة المنتهى هي نهاية العروج الآدمي والعرفان الرباني لكل عقول بني آدم بل هو منتهى الأسماء. لأنها نقطة إلانشاء وتجلي الرحمانية (مقام النبي الكريم) فكان هو سيد هذه الأسماء (المظهر المادي) صاحب حضرة الأكوان وقد أجمل الشيخ عبد الكريم هذه الحقائق بقصيدة تقرب المعنى الذي أشرت إليه تحت عنوان (ما أرسل الرحمن) والتي جاء مطلع أبياتها كالآتي:

ما أرسل الرحمن أو يرسل * من نعمة تصعد أو تـــنزل

في ملكوت الله أو ملكــــــه * في كل ما يختص أو يشمل

إلا وطــــــــه المصـطفــى * عبده نبيه المختار المرسـل

واسطه فيها وأصل لهـــــا * يعلم هذا كــل مــن يــعقـــل

أقول: فما من نبي أو رسول أو ولي ظاهر وباطن إلا وكان المصطفى (عقل الفؤاد) هو الوسيلة والواسطة له إلى الحضرة الإلهية التي خليفتها وصاحب حضرتها الروح الأعظم (العقل الكلي) خليفة الله باطلاق وانفراد. والذي احتجب وراء عقل الفؤاد (حضرة الرسول الكريم) فكان مظهره ونائباً عنه. كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (10) سورة الفتح.

والآية أعلاه يفسرها الحديث القدسي (أي بلسان باطن محمد)  من روايته صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه أنه قال: ” كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف ” وفي كتاب «الأنوار السنية» للسيد نور الدين السمهودي يلفظ “كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت هذا الخلق ليعرفوني فبي عرفوني” وفي «المقاصد الحسنة» للسخاوي بلفظ:”كنت كنزاً لا أعرف فخلقت خلقاً فعرفتهم بي فعرفوني”.

أقول: فالخفاء الظاهر الذي احتجب به الحق عن الخلق في لفظ  فـ(بي) والإشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فلا يصل فيض منه سبحانه أو يعرج إليه شيء منهم إلا وكان هو همزة الوصل بينهم وبين الحق سبحانه لأن العقل المحمدي هو أكمل عقول الخلق معرفة بالله فلا يُعرف محمد إلا بالحق ولا يُعرف الحق إلا محمداً. فكان أولى الناس بخليفة صاحب الاسم الأعظم (خليفة الله) شخصي المسيح عيسى ابن مريم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا إِنَّ عيسى ابن مريم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ وَلا رَسُولٌ، أَلا إِنَّهُ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي بَعْدِي“. فولاية الخصوص وأحقية النبي صلى الله عليه وسلم بأمر عيسى ابن مريم دون العالمين اقتضتها حضرته التي لا يعلوها سوى حضرة الذات فلا يوجد بينهما أي وساطة أو حجاب بل فلا يُدرك هذا الروح الرباني إلا بالنبي الكريم ولا يصل إليه أحد بل أنه لا يعرف حقيقته إلا به لأن عيسى ابن مريم ما ظهر إلا في حضرته (أمته) إذاً فهو لا يتجلى إلا بذات الرسول الخاتم كما أشار بذلك الحديث التالي: وأخرج ابن عساكر من طريق آخر، عن أنس قال: كنت أطوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الكعبة، إذ رأيته صافح شيئا لا نراه، قلنا: يا رسول الله، رأيناك صافحت شيئا ولا نراه! قال: ذاك أخي عيسى ابن مريم، انتظرته حتى قضى طوافه فسلمت عليه.

فمقام شخصي المسيح سليمان أبي القاسم موسى المهدي الخاتم هو مقام الغوثية والقطبانية الكبرى بمصطلح علم التصوف وهو الوصف المجرد لحامل سر الوجود (الاسم الأعظم) والذي أشار إليه الشيخ إبراهيم أنياس الكولخي في أحدى زياراته لدولة من دول جوار السودان وكان عابراً المجال الجوي للسودان. فأشار إلى موضع مقرن النيلين فقال جملته الشهيرة “هنا صاحب الاسم الأعظم”. وكان من بين الحضور الذين شهدوا على هذا الكلام في متن  طائرته أحد أتباعه ويسمى محمد محمد علي وبعد وفاة الشيخ حضر إلى الخرطوم قادماً من السنغال ومعه (26) فرداً من أتباع الشيخ إبراهيم الكولخي ومن ثم بايعوني جملتهم على الإتباع وشهدت لهم بذلك لعلمهم بأن شخصي هو وارث الخلافة (الظاهرية) التي كانت لإبراهيم الكولخي باعتباره آخر الأقطاب والنواب والوكلاء للحضرة النبوية التي لم تنقطع من الوجود قط وتتوارث أقمارها هؤلاء الكُمل من أمته إلى حين ظهور الشمس الذاتية وبطون الولاية الكبرى شخصي المسيح. فكانت ملامح هذا البروز بوقائع أورِدها كالأتي:

ففي عام 1991م ذات يوم قد تجهزت للذهاب للمسجد لأداء صلاة المغرب. فإذا بي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يجمع لي الأولياء من أول الخلق إلى ذلك اليوم وسوّى لي صفوفهم وقال لي: “إم الناس” فتقدمت للصف وأحجمت عن الإحرام بالصلاة لأنني كنت أرى الرسول صلى الله عليه وسلم بعينيّ رأسي جهرة ويقظة. وقد رأيت من باب الأدب أن لا أئم الناس في حضرته صلى الله عليه وسلم فأحس بذلك فيَّ. فرجع القهقهري  واختفى. فأحرمت بالصلاة وصليت إماماً بالأولياء قاطبة.

أقول: هذه الواقعة من حيث ظاهرها تكشف باطن مقام هذا الخليفة الرباني. شمس المغرب فبطلوعها توارى عنها القمر الحضرة النبوية بعد تقديمه وتعريفه بها لجميع الأولياء قاطبة فهو سيد الحضرات ومنتهى جميع الغايات وإمام الأئمة ورحم الأمة خليفة الله الروح الرباني شخصي سليمان أبي القاسم موسى. وقد فصّلتها الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (12) سورة الإسراء. فآية الليل (القمر) والمعنى يشير إلى تمام الغاية من البعثة النبوية (خلافة الأسماء والصفات) وذلك بوفاة آخر وارث محمدي (الشيخ إبراهيم الكولخي عام 1975م والدال على آية النهار (الشمس) شخصي المسيح (خلافة الذات) والتي أشار إليها الشيخ الكولخي (رض) في مطلع قصيدته:

اني وان كنت الأخير  زمانه * لأرجو بشارات الأمين لصحبه

سيأتي زمان لا يزال وأمتي  * وما قال في عيسى سلوا لحزبه

فجملة “الأخير زمانه” أي أنه آخر من تنتهي به الحضرة النبوية بمظهرها المحمدي (الخلافة الظاهرة) ويعتبر الشيخ رضي الله عنه نافلة الأمة. في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء. والليل هو إشارة صريحة ورمزية إلى واقع الأمة بليلهم السرمدي الذي عاشت فيه الأمة بعد وفاة النبي الكريم وارتدادها عن نهجه فعشاها ليل الجهل فأعميت بصائرهم ومرجت عهودهم. فتداركتها الرحمة الربانية بنافلة منه (آية الليل) وهو القمر الذي أنار لهم ليلهم وجعلها بيضاء فهو الرحمة المهداة التي لم تنقطع حضرته عن الوجود قط حتى بعد مماته وهذه النافلة يمثلها وينوب عنها آخر نجم  (الكولخي) وهو منتهى خلافة الأسماء والصفات وهو الشق الظاهر لباطن الخلافة الربانية في الأرض وهي مثاني بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي أوتيها وفُضّل بها على كل الخلق {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (87) سورة الحجر. أي فما من مقام وحال من الأمم السابقة إلا وكان مثالاً متحققاً في أمته بوجوهه الظاهرة والباطنة الحقية والخلقية منها كما في الحديث المشهور: قال – صلى الله عليه وسلم: لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله،اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟”أخرجه البخاري.

دلالة على أن الأمة المحمدية هي الأنموذج الكلي لتجليات كل القرون وهي مرآة كل الحضارت التي سبقتها {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (143) سورة البقرة. وعلى قاعدة قوله “يكون في هذه الأمة أربعة على خلق إبراهيم وثلاثة على خلق عيسى وواحد على خلق محمد” ولذا فالشيخ الكولخي هو واحد من الأربعة الذين هم على خلق إبراهيم وهذا المقام يرثه من هو أعلى منه في الترتيب والذي يكون لمن هو في مرتبة “على خلق عيسى” أي مقام الروح المثالي لواحد من هؤلاء الثلاثة إلا ان هناك واحد هو الأصل “صاحب المقام” والمقصود به شخصي سليمان أبي القاسم موسى الذي يرث المقام النبوي الشريف وحده (أي المقام المحمود) وهو خاص لشخص واحد وهذا الوريث هو عيسى ابن مريم “قال صلى الله عليه وسلم: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ” رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد في “مسنده” بإسناد صحيح، كما قاله الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”، وفي رواية أبي داود وأحمد – واللفظ لأحمد  وهو معنى قوله: “واحد على خلق محمد” وهي بطون المهدي البيتي “المهدي رجل من ولدي خلقه خلقي”شخصي سليمان حقيقة محمد بظاهر عيسى ببطونهما (أحمد) وهي المثاني لبعثته صلى الله عليه فعيسى هو مثاني محمد ومن ثم فخلافة الشيخ إبراهيم (الأسماء والصفات) تقابل خلافة داؤود في قرن بني إسرائيل وهذه المعاني والحقائق قد أشار إليها الكولخي في قوله: “فحملت الأمانة ونوديت يا داؤود إنا جعلناك خليفة في الأرض” مخطوط كتاب السر الأكبر- الكولخي. الأمانة هي خلافته الظاهرة (الصفات) وهي نفسها التي كانت لداؤود والتي يقابلها الشق الباطن بخلافة إبنه سليمان. كما في قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (78) سورة الأنبياء. وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (79) سورة الأنبياء. وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (15) سورة النمل.

فالحكم الذي أوتياه هو الخلافة الأرضية الظاهرة لداؤود والباطنة لسليمان في الحرث (في الدنيا) وكانت لداؤود جزئية (صفاتية) وأما لسليمان فقد كانت الخلافة المطلقة لأنها كانت خلافة الاسم الأعظم الدال للذات العلية والذي لا يعلو عليه اسم قط في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (35) سورة ص. فلا مدخل لأبيه داؤود والذي يمثل مقامه (الشيخ الكولخي) في الخلافة المطلقة والتي هي لسليمان (مقام الروح) لأنها مرتبة الولاية عن الحق تعالى كما أشار لذلك سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (30) سورة البقرة. وقوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} (29) سورة الحجر. فما كان يرجوه الشيخ الكولخي (رض) لم يكن ينبغي لأنه صفة الذات (نافلة) وليس فرضاً (روحاً) لأن البشارة التي كان يمني نفسه بها هي بشارة أمين الوحي جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء. فالمقام المحمود “واحد على خلق محمد” ميراث الروح وليس الصفة (النافلة) وإنما هو بالفرض (أي النبي بذاته) وهو معنى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (85) سورة القصص. والميعاد المردود إليه هو بذاته وروحه (الفرض) دلالة على التحقق ببطونه (المقام المحمود). ومجمل هذه الوقائع من كلام الشيخ الكولخي بما كان يبديه في نفسه من أمله في الميراث الروحي (الخلافة القطبانية الكبرى) هي ذات الوقائع التي سبقه إليها داؤود في قوله تعالى:{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ{. سورة ص-21-26.

فداؤود له الخلافة الأرضية (وجعلناك خليفة في الأرض) التي تمثلها أسماء الصفات (99) اسماً (النعاج التسعة وتسعون) وهي الحضرات الإلهية بأسمائة الحسنى والدالة لاسمه الواحد (النعجة الواحدة) والذي هو لسليمان ابنه فما كان يرجوه الكولخي أن يكون هو صاحب البشارة “المقام المحمود” النعجة الواحدة بعد أن حاذ على التسعة وتسعين نعجة والعبرة المضروية عليهما في النزاع كانت بالمثال القرآني “خصمان بغي بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق”. فالحكم بالحق هو لسليمان صاحب الاسم الأعظم وهي مطلق الخلافة والغوثية لأن الخلافة المطلقة عن الحق هي للذات (للروح الرباني شخصي سليمان) فما كانت لـ(داؤود) الذي هو خليفة عن خليفة الله قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)} سورة النمل. فكل منهما يختلف مقتضيات حكمه (علمه) بمرتبته وحقيقته وحقيقة محتدة. قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (79) سورة الأنبياء. بمعنى أن حكم داؤود هو صفاتي وعلمه ظاهري وتعرفه كل ذرات الوجود “جعلناك خليفة في الأرض” فلذا كان يسمع تسبيح الجبال وكل المخلوقات ولكنه كان لا يفهم ما تقوله ولا يفقه منها شيئاً وإنما كان يسمعها وتتفاعل معه على وقع مزماره لأنه صفة والصفة تعرف الصفة لأنها ظاهر الوجود (مظهر الذات وليس حقيقته) وكان هذا هو الفرق بين حكم داؤود وبين حكم سليمان الذي كان يعلم منطقها ويعي لغتها “عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ” فمنطق الطير هو لغة الوحي في إشارة إلى أمين الوحي جبريل عليه السلام وهي خاصة لمقام الروح (الخليفة) وهو المقام الذي يرث فيه سليمان أبيه داؤود. فهي الخلافة الكبرى والقطبانية لأن مقام الخليفة الرباني شخصي سليمان الذي يفهم لغة الوحي وهو الوحيد الذي يستنبط المعنى الحقيقي للغة الوحي (لغة الطير) أي القرآن الكريم في هذا الزمان. قال تعالى:”ففهمناها سليمان”. لأن الوارث هو سليمان “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ” فقد ورثت خلافتي من داؤود (إبراهيم الكولخي) في نفس عام وفاته دون فاصل زمني من العام 1976 وكانت مظاهر هذا التخليف بأحداث أوردها كالأتي:

في نوفمبر عام 1979م أيام إحتفال العالم الإسلامي بالقرن الخامس عشر الهجري مع أخي عيسى آدم حمدان في مسكنه في منطقة شمبات الأراضي- بالخرطوم بحري وفي حوالي الساعة التاسعة والنصف مساءاً سقط عليّ نور من السماء شمل جزء من السرير الذي كنت أحمله في تلك اللحظة مع عيسى لندخله في الغرفة فاندهشت لذلك النور النازل من السماء كما إندهش عيسى أيضاً. لأنه شاهد النور وهو نازل من السماء ولم يكن نوراً لطائرة في الجو فعلمنا أن هذا أمر غير عادي.

وفي تلك الليلة خاطبني الحق عز وجل بقوله تعالى: “إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً” فعلمت يقينا أني مهدي هذه الأمة. ومنذ لحظة الخطاب وإلى مدة أسبوع تلى ذلك كنت أعرف لغة الطير والحيوانات والجماد وكل المخلوقات وأفهم لغتها حتى صدى صافرات السيات ووقع أقدام الناس حتى انزعجت لذلك فطلبت من الله أن يزيل ذلك مني فزال ذلك الحال تدريجياً. ومن ثم فهناك نقطة هامة وجوهرية تبيّن حقيقة سيري وتتعلق بمسألة حكم ذاك الوارث الذاتي (الخليفة الرباني) الذي تكون مادة علمه (أي أحكامه وسلطته) في ملكه. استمداداً روحياً ومباشراً من الحضرة القدسية والتي هي حضرة القرآن بكلام الله الذي كوّن الأكوان وشيّد الأركان وتخضع الخلق لسلطانه وما من موجود إلا وهو آخذ بناصيته فهو الكلمة (الروح) التي تجسدت وتمثلت في كل ذرة من هذا الوجود الذي هو نسخة ظاهرية من تلك الكلمة إنما المسيح عيسى ابن مريم روح الله وكلمته فكانت هذه حقيقة هذا الخليفة الذي هو عالماً بلغته (لغة القرآن) من حيث بطونه السبع وظهوره السبعة والظاهرة منه هو الشرع المحمدي، عن الحسن بن جنادة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:“… ثم يجيئ عيسى ابن مريم من قبل المغرب مصدقاً بمحمد وعلى ملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة”. أي مشروع الأمة. في دينها ونهجها بما قضى به النبي الكريم وهذه الحقائق قد تجلت في مسيرة حياتي ففي العام الذي خلفت فيه الشيخ الكولخي حفظت القرآن الكريم بأكمله من حيث الظاهر. وهنا تجلى المعنى الحقيقي في وراثة سليمان لمُلك داؤود (إبراهيم الكولخي) وذلك ما بين شهري ابريل ومايو في فترة زمنية لم تتجاوز الخمسين يوماً. وبعد أمد غير بعيد جاءني النبي الكريم وعلمني القرآن منجماً (أي بلغة الروح) ففهمته بوجوهه الباطنة السبع (أي روحاً) كما نزل على قلب محمد روحاً طرياً ومخضراً. وهو معنى قوله تعالى: “فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ” وهو منطق الطير أيها الناس الذي لا يفهمه إلا من كان طيراً (روحاً). وقبل ختام هذا الفصل أشير إلى الجملة من حديث الإمام أبي جعفر (ع) في قوله: “فمن بقى منكم حتى يراه فليقل حين يراه السلام عليكم يا أهل بيت النبوة” هذه الفقرة يجب التنبيه إلى أهميتها فهي شهادة حق وبراءة كبرى من مزاعم الفرق الشيعية التي تشابهت عليها وقائع القيام بعد الموت بميلادٍ ثانٍ لشخص المنتظر الفاطمي المسيح عيسى ابن مريم. والتي تُعرف (برجعة الإمام الغائب) والتي صرفت وقائعها إلى غائب السرداب المزعوم (محمد بن الحسن العسكري) ببشريته الخالدة التي تقوم عليها عقيدة المذهب بكل سذاجة وتناقض فاضح قام على مشروع متكامل ومستنسخ من وقائع رجل البيت الفاطمي بميلاده الثاني المسيح عيسى ابن مريم. بكل أبعاده وتفاصيله الدقيقة التي تعوّل عليها المدارس الشيعية لبناء هيكل مزعوم من رفات الحسن العسكري بتبديل صورته بصورة عيسى ابن مريم وإفراغ معالمها وشخصيته. بأهوائهم  وآرائهم التي تتعارض مع جوهرها كل تفاسير الوحي القرآني وما جاءت به السُنة. لأنه لا يمكن اعتماد الفكرة كمورث نادى به أئمة آل البيت عليهم السلام. ولا يمكن قط تقديم تفسير يطمئن القلب ويعلل اختفاءه عبر الصور ويجرم المرء التصريح باسمه لأن وصية الإمام أبي جعفر (ع) تجدد بصورة قاطعة وصف قائم آل محمد الذي تعاقبت في حياته الطويلة كل أجيال الأمة دون حصر أو عصر (من بقى منكم) من تبقى من هذه الأمة دلالة على وجوده الحتمي الذي أشارت إليه الروايات البيتية والتي أكدت على بقاءه في كل زمان والوصية التي توارثت بها روايات الأئمة، كانت هي ذات الوصية التي جاءت بلسان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. في قوله: “من لقي منكم المسيح فليقرئه مني السلام” وجملة الإمام أبي جعفر (ع) تتطابق في معناها الذي جاء فيه “من بقى منكم حتى يراه فليقل له حين يراه السلام عليكم” نفس الجملة التي جاءت بالحديث التالي: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاًَ”. فالقائم الذي تتعاقب عليه الأجيال والذي تحدده رؤيتهم له حساً وعياناً. هو ذاته الروح الرباني المولود في آل البيت في طوره الأخير باسم سليمان أبي القاسم موسى بحقيقته التي تدركها الأبصار وليس خيالاً (مثاليته ببني إسرائيل) والمقصود خيال السرداب.

وبنهاية هذا الفصل الذي كان مثابة شرح تمهيدي للمرحلة الأخيرة لهذا المنشور في بيان هوية ذو القرنين الذي دل عليه وصف شخصي المسيح المهدي المحمدي سليمان أبي القاسم موسى بحقيقة تفضي إلى الكشف على قرائنه والتي بينتها الآيات القرآنية في قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض} (94) سورة الكهف. الإشارة إلى هؤلاء الموصوفين (ياجوج ومأجوج) بدلائل مثبتة من خلال نصوص متجلية بكل أحداثها عليهم لتؤكد أن شخصي هو  القرينة الدالة عليهم لا غير. بوصفي ذي  القرنين. وقبل الغوص في التفاصيل أورد الفصل القادم لتقريب المعنى وإيجاد نقطة توافق لقضية تعتبر من جوهر هذه النشرة ولب القشرة.

الفصل الرابع

المهدي بين العصر ووحي القرآن

من كتاب (أهم رجل ينتظره المسلمين بجميع مذاهبهم)

المهدي المنتظر (1)

كيف لرجل وحيد يظهر في عصر المعلومات ودولة المؤسسات والمجتمع المدني أن ينجح، ليس في تغيير أحوال مجتمعه، بل في تغيير أوضاع المسلمين وأوضاع العالم

إذا استندنا إلى معطيات العلوم الإنسانية فمثل هذه المهمة مستحيلة وغير متصورة، خصوصاً في هذا العصر الذي يتسم بالتعددية الشديدة وتنوع وسائل التأثير والانفجار السكاني الهائل وانحسار دور الأفراد في مقابل تنامي دور الشركات والمؤسسات والمنظمات. ويزداد الأمر صعوبة إذا نظرنا إلى الصورة المبسطة والمختزلة التي تشيع في الثقافة السائدة حول شخصية رجل مثل المهدي المنتظر.

يبدو وكأن الأمر يحتاج إلى عالم بسيط ومحدود وساذج لينجح شخص وحيد في تغييره، خصوصاً وأن هذا الشخص – المهدي – بموجب الأحاديث لن يكون معه معجزات مادية أو حسية.

لقد ظل نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وفي مجتمع بسيط ومحدود ومتواضع، ورغم ذلك لم يؤمن معه إلا القليل.

عيسى عليه السلام أتى بالعديد من المعجزات، ومع ذلك لم يؤمن به قومه ( اليهود )

الأحوال مشابهة أو مقاربة بالنسبة لإبراهيم وهود وصالح ومعظم الرسل والأنبياء عليهم السلام.

الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يدعو قومه ثلاثة عشر عاماً، واضطر بعدها إلى الهجرة إلى المدينة، ولم تُفتح مكة إلا في أواخر حياته.

إذا انتقلنا من الرسل والأنبياء إلى أفاضل الصحابة فسنجد أن قسماً منهم رفض سلطة علي كرم الله وجهه رغم كل ما يتمتع به من مزايا على صعيد القربى والفضل والسمات الشخصية، وفي النهاية التحق غالبية الناس بالمنتصر.

الحسين رضي الله عنه قٌتل في مجزرة مروعة وظل معظم الناس مع الحاكم الغالب.

وإذا كان هذا هو حال الرسل والأنبياء وبعض رموز آل البيت، فما الذي سيجعل الناس في عصر المعلومات ودولة المؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني يصطفون على النحو الهائل والسريع والفوري الذي تشير إليه الأحاديث خلف رجل لا يعرف الناس سوى بعض المعلومات عن إسْمُهُ ونسبه وملامحه الشكلية ؟!

لولا احترام حقائق الوحي لانفجرت بالضحك والقهقهة وأنا أتصور إمكانات رجل يريد أن يغير أوضاع عالم معقد ومتشابك وموّار مثل عالمنا.

لكن ماذا إن كانت هذه الصعوبات والاستحالة الظاهرية هي ما يعطي للمهدي قيمته وسر تميزه والإخبار عنه ؟!

ماذا لو اختبرنا الموضوع عقلياً ومنطقياً ووجدنا أنه بقدر استحالته الظاهرية فإنه يمكن فهمه والتثبت منه وتصوره وتقديم الدلائل على بعض أدوات التغيير الفاعلة التي ستتيح للمهدي بالفعل أن يغير الأوضاع بصورة حاسمة وسريعة ؟!

ماذا لو استطعنا رسم صورة يشعر معها القارئ المهتم والجاد بأنه على بعد أيام أو أسابيع أو أشهر من ظهور المهدي المنتظر ؟!

ماذا لو نجحنا في تخطي الاستحالات الظاهرية وقفزنا إلى صورة منطقية ومدعمة بالشواهد والاستدلالات وأدوات التغيير الكبرى التي لا ينقصها سوى اكتساب المصداقية لتفعل فعلها في هذا العصر؟!
هذه هي المهام التي سنلتزم بإنجازها وإثباتها والتدليل عليها.

سنبحث أولاً في الوسيلة التي يمكن من خلالها لرجل وحيد في عالم لم يعد يحتمل الأدوار الفردية أن يغير أوضاع المسلمين وأوضاع العالم.

إذا حددنا الوسيلة فسنبحث في أدوات التغيير التي لا بد أن تكون في مستوى الحدث وفي مستوى العصر وقادرة على تحقيق التغيير العام والسريع الذي تشير إليه الأحاديث.

بعد أن نحدد الأدوات سيكون علينا أن نقدم نماذج لهذه الأدوات على نحو يشعر معه القارئ الجاد والموضوعي بأنه لا ينقص الأمر سوى تحقق علامات ظهور المهدي الحسية لتتحقق المصداقية وتبدأ رحلة التغيير.

حين طرحنا تأويل نبوءة المسيح الدجال ثم تأويل نبوءة قرن الشيطان اعتبرها البعض مجرد شطحات وهلوسات فى موقع دكتور محسن العواجى والساحات قبل اربع سنوات ولا استطيع اعادتها هنا الاباذن مسبق من ادارة الموقع وخشيتى من تاثيرها سلبا على الموقع (موجه لموقع اخر اثنا طرحي له سابقاً)

البعض رأى أن أحاديث المسيح الدجال وما يشابهها هي أحاديث مختلقة وموضوعة، وبذلك فالأمر لا يحتاج إلى دراستها أو النقاش بشأنها.

البعض شعر بقوة وعمق الطرح لكنه ظل يشعر بالحاجة إلى دليل حاسم يؤكد صحة ما تم طرحه ويعطي معنى وفائدة لهذا الطرح.

البعض شعر بأننا نتطاول على حضارة عملاقة ومفيدة مثل الحضارة الغربية وكأننا بذلك ندعم الطروحات التي تعمق تخلفنا وأوضاعنا المتردية.

البعض شعر بأننا نتطاول على دعوة تصحيحية فريدة مثل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله فننصر بذلك حملات تشويه هذه الدعوة لمصلحة الطرح الشيعي أو الطرح الصوفي أو الطرح الليبرالي.

الآن، ماذا إن كان الهدف مختلفاً تماماً عن هذه الاستنتاجات ؟

ماذا إن كان الهدف من طرح تأويل نبوءة المسيح الدجال وتأويل نبوءة قرن الشيطان هو التمهيد للوصول إلى الحلقة المفقودة والجزء الناقص من الصورة، وهي نبوءة المهدي المنتظر التي يفترض بحسب ما ورد في الأحاديث النبوية أن تشكل النهاية لفتنة قرن الشيطان وبداية النهاية بالنسبة لفتنة المسيح الدجال ؟!

بإمكاننا أن ندلل من خلال تأويل كل من نبوءة المسيح الدجال ونبوءة قرن الشيطان على منطقية وموضوعية نبوءة المهدي المنتظر وكوننا على أبواب تحققها.وبطريقة عكسية يمكننا من خلال حسن تصوير شخصية المهدي المنتظر ومهامه أن ندلل على منطقية تأويل كل من نبوءة المسيح الدجال ونبوءة قرن الشيطان.

إذا تحقق هذا فإن الباحث الجاد والموضوعي قد لا يحتاج إلا إلى ظهور الدليل الحاسم الذي يؤكد مصداقية الطرح. وهذا الدليل الحاسم لن يكون غير تحقق العلامات المادية التي تؤكد وجود المهدي.

فلنفترض أن تلك العلامات قد تحققت. فما هي القضايا التي يثبتها ظهور المهدي؟.

على رأس تلك القضايا تحقق فتنة المسيح الدجال وفتنة قرن الشيطان. ذلك أن الأحاديث تشير إلى أن المهدي سيعايش فتنة الدجال، وسيبقى للدجال وجود في فلسطين إلى حين عودة عيسى عليه السلام في زمن المهدي. والأحاديث تشير أيضاً إلى أن أواخر الجماعات التي تجسد فتنة قرن الشيطان ستعايش فتنة المسيح الدجال. أي أن المهدي المنتظر سيظهر في أواخر الفتنتين، وهو ما ينبئ عن جانب من الدور الذي سيقوم به في تغيير الأوضاع.

وهكذا، فإذا كان المهدي سيظهر خلال الفترة القادمة – والله وحده يعلم متى سيكون ظهوره على وجه الدقة والتحديد – فإن هذا الظهور سيكون بمثابة دلالة أكيدة وقاطعة على أن فتنة المسيح الدجال هي فتنة الغرب الحديث أو الحضارة الغربية، وفتنة قرن الشيطان هي فتنة جماعات التكفير والعنف الارهابيين، وذلك طالما أن الفتنتين ستسبقانه وأنه سيعايشهما.

لقد تعرضت نبوءة المهدي المنتظر للكثير من صور سوء الفهم وسوء الاستغلال.والواقع أنه يوجد الكثير من الأسباب الواقعية والثقافية، ولكن أهمها – في تقديرنا – هي سوء فهم المؤهلات التي يمكن أن يحملها رجل يؤدي مهمة تاريخية كبرى.

المسألة على الصعيد السني وعلى الصعيد الشيعي تكاد تدور حول رجل بمواصفات شكلية وعائلية تطابق ما ورد في الأحاديث الثابتة عند كل فريق، وعندها من السهل الظن بأن ذلك الرجل هو المهدي المنتظر.

إنه لا يكاد يتم التنبه إلى أن أهم ما في شخصية المهدي المنتظر هي المؤهلات التي تجعله قادراً على أن يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً. فما هي المؤهلات التي يمكن من خلالها لرجل أن ينجح في تغيير الأوضاع على مستوى العالم ؟. بالتأكيد إنها ليست المؤهلات العسكرية.

 

 

الحلقة (2)

انتهينا في الجزء السابق إلى أنه لا يمكن فهم سر تميز شخصية المهدي المنتظر والدور التاريخي الذي سيؤديه في ضوء المؤهلات العسكرية. إذ ما الذي يمكن أن يؤديه رجل يخرج ضمن وضع إسلامي متهالك دنيوياً وفي وقت يملك فيه الآخرون القنابل الذرية والهيدروجينية والصواريخ العابرة للقارات ؟!.

وحتى لو أغفلنا هذا التساؤل المنطقي فإن التساؤل لابد أن يثور حول الأوضاع الداخلية للمسلمين، إذ كيف يمكن بمؤهلات عسكرية جمع المسلمين وتوحيد كلمتهم ومواقفهم وتغيير أوضاع السلطات القائمة ؟!.

هل سيتم ذلك عن طريق الحروب ؟!.

وإذا كان ذلك سيحدث فما طبيعة الهداية التي هي أبرز ما يفترض أن يميز شخصية المهدي بينما يفترض بحسب المؤهلات العسكرية أن أهم ما لدى المهدي هو خوض الحروب المتصلة داخلياً وخارجياً ؟.

بحسب المؤهلات العسكرية هل ستمتلئ الدنيا قسطاً وعدلاً أم ستمتلئ حروباً ودماء ؟!.

البعض ممن لا يتحدثون عن المؤهلات العسكرية يتحدثون عن مؤهلات القيادة. والواقع أن هذه المؤهلات وإن كانت شرطاً في أي قائد إلا أنها لا تفسر الطابع الاستثنائي لشخصية المهدي المنتظر.. ثم إن القائد الفذ من وجهة نظر أتباع المدرسة السلفية سيكون قائداً سيئاً من وجهة نظر الشيعة ومن وجهة نظر الأشاعرة ومن وجهة نظر المتصوفة ومن وجهة نظر الزيدية والإباضية….. الخ. وسيكون قائداً أسوأ من وجهة نظر العلمانيين والليبراليين وغير المسلمين الذين يفترض بحسب ما ورد في الأحاديث أن يمتد تأثير المهدي إليهم بكل قوة.

إن أردنا أن ندرك سر تميز شخصية المهدي المنتظر فإن علينا أولاً أن نحدد أهم ما يفتقده المسلمون مما يمكن لرجل وحيد أن يقدمه. فما الذي يفتقده المسلمون ؟.

إنهم يفتقدون أولاً إلى وحدة الفكر، ويفتقدون ثانياً إلى الدخول في العصر.

إنهم شيعة وسنة، ثم شيعة إمامية وإسماعيليون وعلويون وزيدية، وسلفيون ومتصوفة وأشاعرة وإباضيون… الخ.

كل هؤلاء يعودون إلى التاريخ ويستحضرون التراث البشري الموافق لانتماءاتهم ويضفون عليه مسحة من القداسة. كل فريق من هؤلاء أيضاً يظن أنه على الحق وأن المهدي المنتظر سيظهر ليؤيد ويتبنى ما هم عليه. وهنا أهم قضية لا يرضاها الفرقاء. فلو كان المهدي سيظهر ليتبنى طرح أية فرقة لاستحقوا وصف المهديين المنتظرين ولما كان هنالك أي معنى أو مبرر لخلع هذا الوصف على رجل مقلد، أو لكانت مهمته أقل وأهون من أن ترد في نبوءة وأقل وأهون من أن تغير الأوضاع على مستوى العالم. إذ طالما أن المهدي سيظهر ليؤيد ويتبنى طرح إحدى الفرق الإسلامية، فما الجديد الذي يحمله ليوصف بأنه مهدي وما الجديد الذي سيقدمه ليغير الأوضاع ؟.

طالما أن ما سيقدمه المهدي هو ذاته ما تتبناه وتشيعه وتتبعه إحدى الفرق القائمة فأيهما أحق بوصف الهداية: هذا الرجل المقلد، أم تلك الفرقة المبدعة التي سيكون المهدي مجرد متبع لفكرها وناطق باسم ما أبدعته ؟! وإذا كان المهدي سيؤدي دوراً تاريخياً تتغير معه أوضاع العالم، فكيف يمكن أن يؤدي ذلك الدور باستخدام فكر كان شائعاً ومتبوعاً من قبل إحدى الفرق دون أن تتمكن هذه الفرقة من إحداث تحول تاريخي إيجابي ؟  بل كيف يمكن – بموجب هذه الفرضية – أن تمتلئ الدنيا بالظلم والجور رغم وجود هذا الفكر الإنقاذي الذي سيكون المهدي مجرد متبع له ؟!

وهكذا، فإن من الظنون الخاطئة لدى كل الفرق أن المهدي سيؤيد ويتبنى ما تسير عليه إحدى الفرق. هذا الظن يلغي تميز المهدي ولا يرشد إلى الوسيلة التي سيتمكن من خلالها من أداء الدور التاريخي الذي تشير إليه الأحاديث.

وإذا عدنا إلى أهم ما يفتقده المسلمون، وهما وحدة الفكر والدخول إلى العصر، وأدركنا أن تميز المهدي ودوره التاريخي لا يفسرهما ولا يتناسب معهما تبنيه لفكر إحدى الفرق، فإن بإمكاننا التعرف على الوسيلة التي يمكن من خلالها لرجل أن ينجح في تغيير الأوضاع على مستوى العالم. هذه الوسيلة لن تكون ولا يمكن أن تكون غير وسيلة الفكر.

مهمة الإصلاح الكبرى – في تقديري – تتمثل في ظهور فكر يتجاوز ويتخطى الانقسامات المذهبية الإسلامية. وهذه مهمة لا يمكن إنجازها إلا عبر إعادة تفسير الوحي بصورة تسمح بالتخلص من الانقسامات المذهبية والدخول في العصر إلى أبعد مدى.

هذه هي الوسيلة التي يمكن لرجل مثل المهدي من خلالها أن ينجح في تغيير أوضاع المسلمين، بل وينجح في تغيير أوضاع غيرهم.

وإذا صح ذلك فإن الفكر الذي أعتقد أن المهدي سيتبناه ويؤيده ويشيعه لابد أن يتسم بسمتين:
الأولى هي: تجاوز وتخطي فكر ومقولات كل الفرق الإسلامية والنجاح في الخروج من انقساماتها وانتزاع حججها وتنسيب وتحجيم مقولاتها، وذلك عبر تقديم تفسير موحد ومتماسك للوحي يسمح بتوحيد الفكر والتفرقة الصارمة بين الوحي وبين التراث الذي تنهل منه كل الفرق وتبني عليه وترى الدنيا من خلاله وتنقله إلى غير زمانه وغير مكانه.

السمة الثانية هي: سمة العصرية أو الانطلاق من معطيات وأوضاع العصر. وهذه سمة لا مناص منها بالنسبة لأي فكر يراد له أداء دور تاريخي واستنهاض همم المسلمين وتمكينهم من التأثير الإيجابي والحي في مجتمعاتهم وفي العالم من حولهم. ولا شك أن هذه السمة هي أبرز السمات التي يفتقدها الفكر الإسلامي السائد.

فلنفترض أن بالإمكان تقديم فكر يتسم بهاتين السمتين ( تجاوز فكر ومقولات كل الفرق، والالتحام بالعصر)

فما هي أبرز الصعوبات التي يمكن أن تقف في وجه بروز وشيوع وانتشار مثل هذا الفكر ؟!

إنهما الثقافتان المتناقضتان والمكتسحتان للساحة والمتغلغلتان في العقول والقلوب وهما: الثقافة السلفية في للحظة الراهنة، والثقافة الغربية في آخر أطوارها وأحدث حللها.

سنرى كيف وبأية وسيلة سيتمكن المهدي من تجاوز هاتين العقبتين. ولنتذكر أن المهدي بموجب الأحاديث سيظهر في أواخر فتنة المسيح الدجال وأواخر فتنة قرن الشيطان، وسيعايشهما !!

 الحلقة (3)

توقفنا عند الإشارة إلى الثقافة السلفية ( ثقافة الانقطاع عن العصر ) والثقافة الغربية ( ثقافة الانقطاع عن الوحي ) كأبرز عقبتين يمكن أن تقفا في وجه بروز وشيوع وانتشار فكر يجمع بين الوحي والعصر.!

الثقافة الغربية تأسر العالم وتحكم نظرة معظم الناس إلى الكون والإنسان والحياة وتملأ أذهانهم بثقافة منقطعة عن الدين. فكيف يمكن لأية رؤية تجديدية إسلامية أن تزاحم هذه الثقافة وتواجه تغلغلها في العقول والقلوب وتجذر الرؤى والمقاييس والمعايير المستمدة منها ؟!

الثقافة السلفية تكتسح الساحة الإسلامية وتشد العقل المسلم إلى الماضي وتعزله عن العصر.
فكيف يمكن للمهدي المنتظر الذي سيظهر من ذات البلد الذي يتبنى هذه الثقافة إشاعة فكر مخالف لها ومناقض لمصالح البعض التي تستند إلى الثقافة السلفية وتستثمرها إلى أبعد مدى ؟!.

إن الهدف من نبوءة قرن الشيطان ليس محاكمة الماضي، بل التمهيد والإعداد للمستقبل.!

أثناء تأويل نبوءة قرن الشيطان كنت أتقيد بالنصوص وأنطلق من أنها اشتملت على الوصف الرمزي ( قرن الشيطان ( والمكان ( نجد، عند أصول أذناب الإبل، حيث ربيعة ومضر ( والزمان ) آخر الزمان، بالتزامن مع فتنة المسيح الدجال ( وسمات الأشخاص ) قوم مميزون صلاة وصياماً وقراءة للقرآن واستشهاداً بكلام خير البرية، ولكنهم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ويقتلون أهل الإسلام)!

لا يمكنني أن أقتنع بأي تأويل يهدر أي جانب من هذه الجوانب، فهي في النهاية أحاديث نبوية لا يصح إهدار أي جزء منها. وهنا سؤال يمكن أن يطرح حول سبب هذه الإقليمية في نبوءة قرن الشيطان ؟!

إن أعمق الرؤى وأكثرها تحقيقاً لمصلحة الناس يمكن أن تظل مجرد حبر على ورق مالم تجد الوسيلة لتمكينها أو دفع الناس باتجاهها، وأسخف الرؤى وأكثرها إضراراً بالناس يمكن أن تصل إليهم وتستحوذ على تفكيرهم وتحكم سلوكهم بمجرد أن تجد الوسيلة لتمكينها أو دفع الناس باتجاهها. والتاريخ مليء بالشواهد التي تؤكد وجود هذه المفارقة وكثرة حدوثها !

لن ينفع مجرد الكلام التحليلي في نزع أسر الثقافة الغربية واكتساحها للعالم، ولن ينفع أيضاً الكلام التحليلي في إبصار سلبيات الثقافة السلفية والتحرر من أسرها ونزع المشروعي للفائات التى تستفيد منها وتستثمرها وتستغلها !

لقد احتاجت حياة البشر إلى الكثير من التراكمات الفكرية والمحاولات العديدة والمتكررة والإبداعات المتتالية لإحداث قدر بسيط من التحول في قناعات الناس !

وبما أن ظهور المهدي سيؤدي إلى حدوث نقلة مستقبلية سريعة وحاسمة في حياة المسلمين، بل وفي أوضاع العالم، فإنه لا يمكن تصور حدوث هذه النقلة لمجرد أن رجلاً ظهر وأنبأت النصوص عن أوصافه

إن أقل المفتين علماً وأصغر المتنفذين والوزراء يمكن أن يحدثوا في حياة أية أمة مقلدة مثل أمتنا ما لا يستطيع عشرات المفكرين أن يحدثوه !

النقلة السريعة والحاسمة لدى أي أمة مقلدة تحتاج إلى سبب استثنائي غير معهود، وهنا يأتي دور الوسائل الاستثنائية التي ستميز شخصية المهدي المنتظر وتمكنه من أداء دوره التاريخي !

لن تحدث نقلة سريعة وحاسمة في تاريخ المسلمين وتاريخ العالم إلا إذا وجد عامل استثنائي يعيد تشكيل رؤية الناس للحضارة الغربية ومواقفهم منها وتقييمهم لها، ولن تحدث نقلة سريعة وحاسمة لدى أمة مقلدة مثل الأمة المسلمة مالم يوجد عامل استثنائي يعيد تشكيل رؤية الناس لثقافتهم وأوضاعهم السائدة !

وإذا صح ما طرحناه من أن المسيح الدجال هو الغرب الحديث وأن فتنة قرن الشيطان هي جماعات التكفير والعنف الارهاب الحالى، فإن مهمة المهدي المنتظر ستحتاج إلى هاتين النبوءتين إلى أقصى مدى، فهما ستوفران سلاحين مؤثرين ونافذين وحيويين للدفع باتجاه التحرر العام والسريع من هيمنة وسطوة وتغلغل أكثر ثقافتين تزاحمان أي فكر جديد يمكن أن يظهر !

وهنا يمكننا ان نسال لماذا؟

هنا توجد ثقافة قوامها التقليد والانقطاع الشديد عن العصر والنفور من التجديد المتعلق بالحياة الدنيوية.
هنا توجد ثقافة تقوم بشطب وإلغاء أي صوت إصلاحي حتى وإن كان شهيراً ومتبوعاً وشديد الاعتدال ولا ينازع في شرعية احد!

في ظل هذه الثقافة الغارقة في التقليد والمتسربلة بالدين كيف يمكن لأي فرد حتى وإن كان المهدي أن يقلب هذه القناعات والأوضاع الراسخة عبر نقلة سريعة وحاسمة ؟!

هنا تبدو فائدة وحكمة ورود نبوءة قرن الشيطان، فهي ستوفر الدافع والحافز الفوري والعام لتغيير مواقف الناس من الثقافة والأوضاع السائدة بمجرد أن يحظى هذا التأويل بتأييد شخصية يؤيدها الوحي مثل شخصية المهدي !

إن مجرد ظهور المهدي المنتظر سيكون بمثابة دلالة أكيدة وقاطعة على صحة تأويل فتنة المسيح الدجال بكونها فتنة الغرب الحديث وصحة تأويل فتنة قرن الشيطان بكونها جماعات التكفير والعنف. لماذا ؟

لأن الأحاديث – كما سبق أن أشرنا – تؤكد أن المهدي سيواجه المسيح الدجال ويسهم في القضاء على فتنته، والأحاديث تؤكد أيضاً أن أواخر فتنة قرن الشيطان تتزامن مع فتنة المسيح الدجال. أي أن المهدي سيعاصر أواخر الفتنتين. فهل يوجد مهمة أعظم من القضاء على هاتين الفتنتين وإعادة تشكيل وعي وقناعات الناس تجاه عصرهم وتجاه تاريخهم ؟! وألا يعطينا ذلك مؤشراً على بعض أسرار التحول الذي سيحدثه المهدي بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً ؟!

الحلقة (4)

إذا كان المهدي سينجح في تحجيم الثقافة الغربية ونزع مشروعية ثقافة التكفير والعنف فإن العالم سيخطو بالفعل خطوة كبرى باتجاه القسط والعدل بعد أن أسهمت التطورات التي لحقت بهاتين الثقافتين في ملء الدنيا ظلماً وجوراً.

هذا هو بعض ما يقود إليه الفهم الذي طرحناه حول نبوءة المسيح الدجال ونبوءة قرن الشيطان، فما الذي تقود إليه معطيات الثقافة السائدة ؟

لا تقود إلى فهم مهام المهدي ولا تفيد في معرفة سر وصفه بالهداية وسر تحول أوضاع العالم عند ظهوره. لن يجد المرء في الثقافة السائدة إضاءات شافية حول هذه القضايا.

المهدي بموجب الأحاديث سيظهر في أواخر فتنة الدجال وسيتم القضاء على هذه الفتنة بعودة عيسى عليه السلام أثناء وجود المهدي، وطالما أن المسيح الدجال لن يقضى على فتنته إلا بعد عودة عيسى عليه السلام، فكيف يمكن بموجب الفهم اللغوي للنبوءات تفسير اختفاء معجزات الدجال وتأثيره وهيمنته على العالم خلال فترة وجود المهدي ؟!

لماذا ستتعطل قدرته على أن يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ويمر بالخرائب فتتبعه كنوزها؟

أين ستذهب فتنة الحمار الذي بين أذنيه أربعين ذراعاً ؟

أين ستذهب تحولات السنن الكونية وبعض سنن الخلق والمخلوقات ؟!

إن مرحلة وجود المهدي ستكون مرحلة قسط وعدل وانتشار واسع للإسلام !

والمفارقة أن هذه التطورات ستحدث في ظل وجود المسيح الدجال الذي لن يقضى على فتنته نهائياً إلا بعودة عيسى عليه السلام. فما هو سر هذا التحول والانكماش والانطفاء لمعجزات الدجال وفتنته؟!

لن يفيد الفهم اللغوي للنبوءات في فهم أسرار هذا التحول، أما الفهم التأويلي الذي طرحناه فهو يحمل الإجابة التي تقضي على الأسرار !

هذا الانطفاء السريع والفوري لفتنة الدجال في زمن المهدي يثبت أن الأمر يرتبط بالتغيير المعرفي الذي سيحدث، فإذا كان المهدي سيأتي بالوحي كله إلى قلب العصر – عبر إعادة تفسيره – ويؤدي مجرد ظهوره إلى تحول نصوص نبوءة المسيح الدجال من نصوص كان يراها البعض خرافية وغير معقولة وكانت تثير الصعوبات والتشكيك منذ القرون الهجرية الأولى إلى نصوص يرى الناس تجسيداتها أمامهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فإن المصداقية ستتبدل وتقييم الواقع سيتغير !

إذا كان مجرد ظهور المهدي سيؤدي إلى تحول نصوص نبوءة قرن الشيطان من نصوص مهملة وغير واضحة وغير مفهومة إلى نصوص تنبئ عن أسوأ ما في الواقع الإسلامي وتنتزع الناس من التاريخ وتنتزع الدين من الفرق المستظلة به والمستثمرة له، فإن القناعات ستتبدل والمواقف ستتغير !

إذا نجح المهدي في تقديم تجديدات مماثلة على الصعيد السياسي وأيقن الناس بأن نصوص الوحي تحمل ركائز وأدوات الإصلاح السياسي بصورة أكثر وضوحاً وحسماً مما يقدمه أعلام الفكر السياسي الغربي، فإن وعي الناس بالدنيا سيتبدل وعلاقتهم بها ستتغير !

إذا حدث ذات التجديد على صعيد القضايا الاقتصادية والاجتماعية فإن فتنة الدجال ستنطفئ وستتبدل المواقف الفكرية والوجدانية تجاه الحاضر والماضي وسيكون الناس على موعد مع انطلاقة ثقافية جديدة قوامها التغيير المعرفي الذي سيأتي مع المهدي !

هذا التحول الفوري والواسع من معايشة أعظم وأوسع الفتن إلى إلقاء ” الإسلام بجرانه في الأرض، كما ورد في الأحاديث ” مصدره تغير الرؤية، وإلا فإن المسيح الدجال موجود في الحالتين، ولكنه في الحالة الأولى كان هو الذي يشكل مصدر رؤية الناس، بينما في الحالة الثانية أصبح المسيح الدجال والعصر بكامله في قبضة الوحي وتحت مظلته الحية !

وما لم نتصور قضية المهدي في إطار هذا التغيير الثقافي الواسع فإننا لن ننجح في فهم سر وصفه بالهداية وأسرار التحولات الكبرى في عهده، بل ستظل قضيته غرائبية متواضعة المضمون ومطية للمغامرين والأدعياء وحلماً لا يناسب إلا وعي البسطاء !

إذا كان هناك من لا يزال يظن بأن المسيح الدجال سيكون رجلاً يجترح المعجزات وتتبدل في عهده بعض السنن الكونية وبعض سنن الخلق والمخلوقات ورغم ذلك فإن الناس لن يعرفوه، فإنه لن يفهم سر انطواء صفحة هذا الرجل طوال فترة وجود المهدي !

أين سيذهب هذا الرجل – الدجال – وما الذي سيحل بقدراته وجنته وناره وادعائه للألوهية وشبهاته وفتنته للمسلمين ؟!

هل سيمكن الله المهدي من تعطيل تلك القدرات وإعادة السنن الكونية وبعض سنن الخلق والمخلوقات إلى طبيعتها وانتظامها ؟!

الثابت أنه لا معجزات في نبوءة المهدي المنتظر. وحتى لو تجاوزنا القدرات والسنن فإننا لن نفهم أين ستذهب مصداقية ادعاء الألوهية واكتساح شبهات الدجال للعالم ونجاحه الهائل في فتنة النساء وانسياق الناس خلفه وتدافعهم نحو جنته وناره ؟!

الدجال ذاته، ما الذي سيحل به وماذا ستكون عليه أحواله منذ ظهور المهدي إلى حين عودة عيسى عليه السلام ؟!

إذا ربطنا الأمر بالفكر فإن الصورة ستتضح وتتجلى. فالدجال فتنته في الفكر، والمخترعات والمكتشفات لن تختفي ولكنه بدلاً من وضعها في مسار الإلحاد والصدام مع الدين وتشكيك الناس في عقائدهم سيظهر فكر يقلب المسار بمجرد أن ينجح المهدي في الإتيان بالوحي إلى قلب العصر، بدل أن تحوز فكرة الطبيعة على المصداقية وتشيع وتهيمن على الإنتاج العلمي وعلى النظرة إلى الكون والإنسان والحياة ستنتزع حقيقة الإيمان بالخالق هذه المكانة. بدل النظرة المادية والاستخفاف بما يتجاوز هذه الدنيا ستنتقل الحجج والبراهين الدامغة إلى المعرفة المستمدة من الوحي، بدل أن يكون الانحلال أحد معايير التطور والتباهي سيصبح الاحتشام معياراً للرقي والنضج الإنساني !

إذا دخل الوحي إلى العصر فإن النظرة الغربية ستدخل إلى التاريخ وتصبح من الماضي. وهذا هو سر الانطفاء الفوري لفتنة الدجال رغم استمرار وجوده في عهد المهدي. بل وهذا هو معنى تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بغزو الدجال وفتحه !!.

الأمر يتعلق بمصدر الرؤية الحاكمة لنظرة الإنسان إلى الكون والإنسان والحياة، وحين يتغير مصدر الرؤية فإن قناعات الناس ودوافعهم ومنطلقاتهم وسلوكياتهم ومواقفهم ستتغير !.

 الحلقة(5)

على المستوى السياسي تشير الأحاديث إلى أن أوضاع المسلمين ستنتقل من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض إلى الملك الجبري، ثم تعود فجأة من هذا المنحدر السحيق إلى وضع الخلافة الراشدة !
هذه القفزة الهائلة من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة لا يمكن أن تحدث إلا من خلال تغيير ثقافي استثنائي وغير معهود. ذلك أن الحكم الجبري لا يحدث ويشيع ويترسخ على مستوى الأمة مصادفة، بل لأن ثقافة الناس وأحوالهم وأوضاعهم تنتجه وترسخه وتعمقه !

إن النظام السياسي في النهاية ما هو إلا انعكاس لمجمل ثقافة الناس ومستوى وعيهم وقناعاتهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. ومن ثم فإنه لا يمكن القفز من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة إلا عبر تغيير ثقافي حاسم وواسع واستثنائي يؤدي إلى حدوث هذه الطفرة. وبموجب النصوص فإنه لا يوجد طفرة استثنائية في حياة المسلمين قبل عودة عيسى عليه السلام سوى من خلال ظهور المهدي المنتظر !

لقد احتاج الإصلاح السياسي في أوروبا إلى الكثير من التغييرات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وإلى العديد من الثورات والحروب والدماء. وبعد قرون من التطورات المتنوعة والتدريجية والتراكمية تحقق الإصلاح السياسي !

لنحاول التعرف على توقيت كل من الحكم العضوض والحكم الجبري المشار إليهما في الأحاديث. ذلك أننا حين ننظر إلى التاريخ فإن الفارق بين الحكمين قد لا يبدو واضحاً وجلياً وملموساً، فالأنظمة السياسية التي تعاقبت على المسلمين منذ عهد بني أمية هي أنظمة الحكم العائلية وأنظمة حكم العصابات السياسية ( المجموعات الانقلابية التي لا يجمعها الرابط العائلي بصورة أساسية ) وأنظمة حكم الطوائف ( الحكم المبني على اعتبارات مذهبية أو عرقية أو مناطقية… الخ )

هذه الأنظمة تحققت قديماً وحديثاً على نحو لا يمكن الاستدلال من خلاله على الفارق بين كل من الحكم العضوض والحكم الجبري !

إذا نقلنا النظرة من شكل أنظمة الحكم إلى التطورات الواقعية التي لحقت بها فإنه يمكننا اكتشاف دلالة الوصفين اللذين وردا في الأحاديث النبوية !

لقد كانت الدولة الإسلامية في الماضي دولة واحدة تمتد من الصين إلى الأندلس أو بضع دويلات تمتد على هذه المساحة، كما أن شؤون الحياة في الماضي كانت أقل اعتماداً على الدولة وكان الناس أقل اضطراراً للاحتكاك بها !

كان النشاط الأساسي لمعظم الناس يتركز حول الزراعة والرعي. وهذه النشاطات توفر درجة كبيرة من الاستقلالية عن أهل الحكم. وحتى التجارة والحرف والتعليم والتأليف كانت تتمتع بدرجات متفاوتة من الاستقلالية والتحرر من سلطة وهيمنة أهل الحكم. وبحكم كل هذه العوامل فقد كان الناس أقل اضطراراً للخضوع لأهل الحكم والاحتكاك بهم. وفي تقديرنا فإن وصف الحكم العضوض ينبع من وجود هذه الأوضاع الواقعية، سواء اتخذ الحكم شكلاً عائلياً أو طائفياً أو اتخذ شكل عصابة سياسية،أما في العصر الحديث فقد تجزأت الدولة الإسلامية التاريخية إلى أكثر من خمسين دولة، تجـزأ العالم العربي إلى أكثر من عشرين دولة. وبما أن الحكم العائلي لم يتغير، بل أصبح أكثر رحمة وأقل بؤساً بعد استشراء حكم العصابات السياسية، فقد أصبح لدينا مجموعة ضخمة من الحكام والمتنفذين !

في العصر الحديث أصبحت السلطة تصل إلى كل نشاط وتتدخل فيه وتوافق عليه أو تمنعه. أصبحت أكبر رب عمل، وساعد شيوع التوجهـات الاشتراكية في الدول العربية الفقيرة ووجود الثروة لدى الدول الغنية على استتباع الناس في أرزاقهم وتحويل معظمهم إلى أجراء لدى السلطة !

السلطة تتدخل في حياة الإنسان منذ تحرير شهادة ميلاده وهويته الشخصية إلى شهاداته الدراسية إلى وثائق سفره ووثيقة زواجه وميلاد أبنائه ووثائق ممتلكاته وتصريحات أعماله الحرة وتعاقداته وعلاقاته مع الخارج، وانتهاء بشهادة وفاته والتصريح بدفنه،وسائل النقل والاتصال الحديثة سهلت وصول السلطة إلى الناس ورقابتها عليهم والتفنن في لجمهم وقمعهم. وسائل الإعلام الحديثة سهلت فرص تمجيد الحاكم وبث دعايته وتعزيز وسائل تحكمه في ثقافة ووعي الناس.

باختصار كان الوضع القديم يجعل الناس أقل احتكاكاً بحكام العائلات والعصابات والطوائف السياسية وأقل خضوعاً لهم واعتماداً عليهم، كما أن متطلبات بناء الدولة في العصر الماضي كانت تسمح لأولئك الحكام بإنجاز الكثير من المهام التي يتطلبها ذلك البناء،وهذه هي صورة الحكم العضوض، أي الظالم المتشبث بالحكم !

أما الأوضاع والتطورات الحديثة فقد وضعت المجتمعات في قبضة العائلات والعصابات السياسية، كما أن متطلبات بناء الدول تعقدت وتشعبت واختلفت إلى حدود لم يعد هؤلاء الحكام قادرين على الوفـاء بجزء يسير منها، بل لقد أصبح وجودهم من أبرز العوائق التي تحول دون حسن بناء الدول الحديثة، وهذه هي صورة الحكم الجبري. أي القهري الاستعبادي الذي تحقق منذ شيوع تطورات العصر الحديث التي لا زال اكثر العالم الاسلامي يعيش في ظلها !

الآن، كيف يمكن أن ينتقل الناس من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة بقفزة واحدة كما تنبئ الأحاديث ؟!

هذا أمر لا يمكن أن يحدث إلا إذا حدثت نقلة واسعة وحاسمة وعميقة في ثقافتهم !

وفي ضوء ما أشرنا إليه من أنه لا يمكن لرجل أن يغير أوضاع المسلمين إلا إذا أتى بفكر يتجاوز مقولات كل الفرق الإسلامية وينقل الوحي إلى العصر، فإن هذه السمات تسري وتصدق على الشأن السياسي. فما هي القضايا التي يمكن أن يمسها التجديد ويكون لها انعكاساً عميقاً على الثقافة السياسية.

نعتقد أن هذه القضايا هي: حد الردة، قيمة الحرية، حكم الآخر، مفهوم الشورى، الحقوق السياسية للمرأة، المقابل العصري للخلافة الراشدة، مشروعية الحكم والسياسية وحكم الطوائف !

لن تحدث قفزة حاسمة تنقل الناس من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة بمضمون عصري إلا إذا أعيد فهم وتكييف حد الردة بصورة تسمح بانطلاق حرية التفكير والتعبير السياسي إلى أبعد مدى، ولن تحدث قفزة سياسية حاسمة إلا إذا نزعت مشروعية حكم العائلات والعصابات والطوائف السياسية وأعيد تعريف الشورى لتكون حقاً وواجباً ملزماً لكل أفراد المجتمع.

لن تحدث قفزة حاسمة تنقل الناس من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة إلا إذا أعيد فهم قيم الخلافة الراشدة في ضوء معطيات وأوضاع العصر، ولن يكون لهذه التجديدات أية مصداقية ما لم تستند بصورة كلية وقاطعة إلى نصوص الوحي، ولن تحظى هذه التجديدات بالقبول الواسع والسريع إلا إذا تم تقديمها عبر شخصية لا جدال في تأييد الوحي لها مثل شخصية المهدي.

وإذا صح ذلك فإن لنا أن نتوقع من المهدي أن يتبنى تجديدات عميقة وحاسمة على صعيد قضايا حد الردة وقيمة الحرية والتعامل مع الآخر ومفهوم الشورى والحقوق السياسية للمرأة والمقابل العصري للخلافة الراشدة، ولنا أن نتوقع منه أن ينفي المشروعية الدينية عن الحكم العائلي وحكم العصابات السياسية وحكم الطوائف.

إذا صدرت هذه التجديدات عن شخصية يزكيها الوحي مثل شخصية المهدي فإن تغييراً حاسماً وسريعاً يمكن أن يحدث في وعي وثقافة الناس، وستساعد ثورة الاتصالات والمعلومات في الإسراع بالتغيير وعولمته. وهنا يمكن للمسلمين بالفعل أن ينتقلوا مباشرة من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة كما تشير الأحاديث

المصدر:  منتديات بن منبح:

http://www.bnimnbh.com/vb/showthread.php?t=1870

.

أقـول: ان نبرة الإستغراب والإستدراك التي طغت على التعابير والكلمات التي صاغها الكاتب تكاد تكون عارية من الحقيقة التي حاول خياله تصورها لأنها نتاج العجز التام والشلل الكلي الذي أصاب الأمم والشعوب من جراء تلك الصورة الخيالية التي أغشت بصائرهم وحجبت عنهم حقيقتهم وأبدلتها بواقع معدوم ليس له وجود. ولذا لا يمكن معها تقديم أي تفسير لتصحيح مسارهم إلا اذا تم محو أضرارها وإزالة آثارها حتى ترجع البشرية المغلوب عليها والمكلوم أمرها إلى اصدافها وصفائها الأول. وهنا تبرز حقيقة المهدي الذي سيقدم طرحاً أممياً يسع كل فرد ويمكنه من روية ذاته وحقيقته السامية التي غابت في أوحال المادة ومستنقعات الظلم والجور. فلذا ستتسع على المهدي دائرة التساؤل عن حقيقته كفرد واحد بشخصية فريدة سوف يعاد تقييمها ودراستها مع تصحيح الإعتبارات في السر الذي من أجله سماه النبي صلى الله عليه وسلم بـ(المهدي) دون الخلق “لا مهدي إلا عيسى ابن مريم” فهي دلالة فردانية بسر الذي يغير عالم اليوم بكل أبعاده وثقافاته وأعراقه بشتى قومياته التي لا تعد ولا تحصى. في أن يهديه إلى أمر خفي يرتبط إرتباطاً وثيقاً به وبحقيقته التي ضلت عنها الأمم والشعوب. فهو يحمل سرهم وهو الوحيد الذي يفسر لهم كيفية تجاوزهم للمحن وهو من يخرجهم من نار الفتن. لأن المهدي الذي بمقدوره ذلك هو عيسى ابن مريم شخص سليمان أبي القاسم موسى. الذي يطفئ بريق تلك الصورة الخيالية (الدجال) ويزيل كل ألوانها المائية المبتكرة (يذوب كما يذوب الملح في الماء) لأحدث صورة له وحضوره بها بأزهى ألوانها المركبة في أعظم إستيديوهات الخداع البصري (أمريكا) ولذا فظهور المهدي وإحتواءه للعصر الحاضر في قمة ذروته وبمؤسساته العلمية والمدنية وعوالمها الإفتراضية وبكل لغاته الرقمية. إلا أن هذا  العصر يجسد (حضارة الدجال) وهي آية له وعلامة عليه. في قوله صلى الله عليه وسلم:” لم يسلط على قتل الدجال إلا عيسى ابن مريم” فخروج الدجال في زمن عيسى دلالة عن إنقطاع الأمة بوحي السماء ونهاية الخلافة الإنسانية على الأرض بنهاية آخر رسالة وإستنفاد كل أطوار البشرية (العقول الثلاثة) طيلة مسيرة الأمم والشعوب وعجزهم في الوصول إلى المعرفة الكلية بالخالق عزّ وجلّ فكان الفراغ الروحي الذي عاشته الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بإنقطاع إستمدادها السماوي لإعراضها عن إتباعه في أمره ونهيه في مسألة غاية في الخطورة وتحدد مسار أمته إلى قيام الساعة فإرتبطت دعوته في جوهرها الهدائي بأهل بيته وخلافتهم عنه في الأمة بنصوص مثبتة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله، و سنتي، و لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض”. للحاكم النيسابوري-  المستدرك – كتاب العلم – رقم الحديث: (319).

فأهل بيته هم الراسخون في العلم وأكمل العقول معرفة بالله تماماً. وهذا بدوره يقودهم إلى معرفة الدجال بكل مداخله ومخارجه لأنهم الوارثون المحمديون، روى الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ – كَثِيرُهُ – مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ ” رواه مسلم برقم 5222.

عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ” أَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ، مَعَهُ نَهْرَانِ أَحَدُهُمَا نَارٌ تَأَجَّجُ فِي عَيْنِ مَنْ يَرَاهُ، وَالآخَرُ مَاءٌ أَبْيَضُ”

فجاء خلف من بعدهم (جهال الأمة) التي إلتبس عليها أمر الدجال بتجلياته التي عُمِيت عنها بصائرهم فعضوا بنواجزهم على تأويل المقبورين ممن بليت عظامهم وطويت أزمانهم. فجعلوا أقوالهم هي عين النهج الرباني فكان هذا هو سبباً أساسياً ودافعاً قوياً ليخرج الدجال بخفته في أعراضهم ويهتك أستارهم لأنه ما ظهر إلا في غفلة من الدين وغياب عقل الأمة الكامل (شخص الأمام) بتحجيم دوره عن واجهة الصراع وإقصاءه من المشهد السياسي وهذا الحال هو الذي تخوّف منه النبي صلى الله وسلم وأشار إليه بالرمز وباللحن وصرف معنى آيات الدجال عن ظاهرها إلى التأويل وذلك في قوله “معه” أي الدجال “نهران وأنا أعلم بهما منه” ” معه جنة ونار، فناره جنه وجنته نار”.

وهنا دلالة على أن في أمره خدعة فكانت الرمزية في عكس المعاني إلا للتنبيه من مغبة الوقوع في حباله التي يخيّل للناس أنها تسعى ولكن هيهات فقد برز الدجال بمظهره الحضاري وفكره الأممي (الثقافة الغربية) بماديتها الصارخة وباطنها الملحد فإصطفت حولها الشعوب منبهرة بها فتبعتها القيادات العربية والإسلامية بعد أن تم إفراغهم عن القيم الدينية والمواريث النبوية فتخلوا عن رداء الإسلام وأبدلوه نخت سطوة الدجال بالآلة الباطشة التي حمى بها مجده ومملكته بوكالته الزائفة لميراث المسيح لبني إسرائيل وتصدره مثالية رسالته (الإنجيل) بل والمراهنة عليها وإنتحال شخصيته وتقديمه لمواجهة حقيقته التي تناسها بحضور بارز وقوي لعيسى ابن مريم في أوج عصر الدجال بميلادٍ ثانٍ يبرز حقيقته بشخصي سليمان أبي القاسم موسى كما في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } وعلى قاعدة قوله صلى الله عليه وسلم “لم يسلط على قتل الدجال إلا عيسى” فهو العلم الذاتي الذي إحتوى علوم عصره وحدّ من الهيمنة في أكبر مضمار للسباق العلمي للحضارة الغربية في ذروة إزدهارها وآخر أطوارها والتي نبأ عنها النبي الكريم. وقد تحققت بعلامتها. فإن الواقع والتاريخ يشهد بفساد بني إسرائيل الثاني والأخير في الأرض تحت غطاء وحماية الدجال الأمريكي وعلى مرأى ومسمع من القادة العرب وصمت  دولي لعبت فيه الكتلة الأوربية (الناتو) دوراً كبيراً.

ودفعت بكل ثقلها للحد من المد الإسلامي بحجج بررت بها مجازره في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال ومالي وجنوب لبنان في أبشع الحروب التي مزقت الأمة وطمست هويتها الدينية والقومية، واشاعت الفرقة بين أبناء الوطن الواحد وتدعم كل طرف منهما على حدا بما يلزم من الإمداد العسكري واللوجستي إلى أن تتصدر خط المواجهة الأول الذي يمكنها من إقامة مملكتهم الشيطانية الكبرى على جماجم كل المسلمين الذين لم يعوا ولم يدركوا أنهم لا يستطيعون مجابهتهم الراهنة والوقوف أمام ترسانتهم النووية وآلاتهم الحربية المدمرة إلا بالرجوع إلى الدين والبحث عن المخرج مما هم فيه والذي وصى النبي الكريم الأمة بإتباعه والإستمساك به لأنه الفرد الوحيد الذي يطفئ بريقهم وفتنتهم إلى الأبد بسر تركيبته الإستثنائية لمنشأه الفريد في قوله تعالى {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عيسى ابن مريم رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ { فهو كائن مفرغ داخله من أعراض هذا العالم (أمراضه وأسقامه) وهي علائق المادة وشوائبها كما أن الله قد نزهه عنها  في قوله تعالى{وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} فالذرية هو عيسى ابن مريم نواة هذا الوجود ونطفته الطاهرة والمخصبة بإنشطارها الذاتي دون إندماج أو إلتحام أي من الإلكترون العنصر الأنثوي (XX) والذي يمثل مريم بصفة خاصة والمرأة بصفة عامة بالنيترون (العنصر الذكوري (XY) الذي يمثله والدي عبد القاسم بوجه خاص والرجل بوجه العموم. فهو النور الذاتي الذي يضيئ دون طاقة مستحدثة في قوله تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (35) سورة النــور. أي خالصة من كل الإضافات ونسب المادة (الطين) الذي لو لم يظهر عليه ويتجلي به بآدميته (ميلاده الطبيعي) والذي أكسبه صفة هذه المادة والتي وصفها الحق في قوله “وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ” لولا أنها حجبت بريقه داخله فهو “نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ” لأنه الأصل روح الله الذي لا ينسب إلا لله وهذا يكفي أنه هو من يهدم كل الجدر ومغاليق الحديد(تكنلوجيا العصر) بعينها الواحدة التي أعمت البصائر من رؤية نور الحق وضربت على آذان الخلق وحالت دون سماعهم صوت هدايته وأسرتهم في كهفها المظلم (الدنيا) إلى أن أشرقت عليهم شمس الحق (ميلاد المسيح إبن مريم شخصي سليمان) من فجوتها (أي جهة المغرب) وهي منطقة الديلاءمال من العام 1948م. وهنا ملاحظة يجب الوقوف عليها في أن ذات تاريخ ميلادي هو نفس العام الي شهد قيام وتأسيس دولة إسرائيل 15/5/1948م الذي بدأت فيه الجماعات اليهودية في الهجرة إلى الأراضي المقدسة وتوافدها من شتى بقاع المعمورة. والحدث كان بالمستوى الذي ذكره القرآن وتنبأ به في قوله {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأرض فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} (104) سورة الإسراء. {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} (8) سورة الإسراء. فوعد الآخرة المشروطة عودته ومجيئه بعودتهم بفسادها وجورها وظلمها هو مبعوث رباني بخلافته الملطقة عن الحق تعالى في قوله “وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا” أي عدنا بمظهرنا الحقيقي والذي يراد به (روحنا) وهو الخليفة الرباني المسيح عيسى ابن مريم لمواجهة فسادهم وعلوهم في الأرض بقيادة مسيحهم (الدجال الأمريكي) والأحاديث النبوية قد أنبأت بفصول تلك المواجهة والتي خصصت لها الأسانيد واجهة عريضة تبرز مراحلها وأهم ما يميز بين معسكريها وهما اليهودي (فسطاط الكفر) الذي لا إيمان فيه وبين الإسلامي (فسطاط الإيمان الذي لا كفر فيه لأن قيادته ربانية (شخصية يزكيها الوحي السماوي) دلالة على عدم وجود خيار ثالث (معكسر ثالث) وهذا يرسم بالضبط ملامح تلك الشخصية التي لا تتطابق في وصفها إلا بعيسى ابن مريم الذي يؤكده قول النبي صلى الله  عليه وسلم “لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ ـ يَعْنِي: عِيسَى ـ وَإِنَّهُ نَازِلٌ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَيَمْكُثُ فِي الأرض أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ”(أخرجه أبو داوود برقم: 3766 قال الألباني: صحيح.

 وهناك أيضا ً من أزاح الغبار عن تلك الصورة وبين تفاصيلها الحية التي ترتبط إرتباطاً وثيقاً بآخر شرط إلهي تم خرقه من قبل اليهود والذي دعا إلى حتمية التدخل الإلهي المباشر وفق الحقائق التالية والتي أشار إليها الحلاج بإسلوب يتميز بذوقه العالي في مستعرض صفحات كتاب الإنسان الكامل في الإسلام للكاتب عبد الرحمن بدوي قال: “البعث المجيد لهيكل بدنه يتوقف على حبة خردل. بضعة من بدنه المحروق  قرباناً لله. فأفضى هذا الطريق بالرموز النشورية  لحجة الوداع للنبي الكريم. إلى تمام غاياتها وهذا التشخيص للكعبة في شخص الإنسان الكامل يقودنا إلى ملاحظة مهمة إن موضوعات الملحمة الكبرى (هجوم النصارى والروم) على الإسلام يبدأ بنقض الهدنة ونتنهي بالإستيلاء على القسطنطينية لتفضي أيضاً لرسم صورة جانبية لهذا القائم، هذا الزعيم الذي ينتصف للظلم وسيملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً. ولمعرفة هويته جرى ما جرى بالنسبة للأضحية التي طُلبت من إبراهيم تقديمها.

قد رأى الإسلام (إبن حنبل) فيها أولاً أن المقصود هو إسحاق ثم نزعه عرق العنصرية فرأى فيها إسماعيل. أما فيما يتصل بالقائم فقد أجمع أهل السنة أولاً أن يروا فيها أنه عيسى الذي سيعود ظافراً لا محتملاً للعذاب والالآم أو زعيماً لا يقهر تهبط عليه روح عيسى ولتهتدي بهدايته أن لم يكن هو عيسى نفسه وفقاً للحديث المشهور الذي رواه الحسن البصري والشافعي وهو حديث يسمح بهذين التفسيرين ونعني به “لا مهدي إلا عيسى” المصدر: الإنسان الكامل في الإسلام لـ(عبد الرحمن بدوي ص 124-125).

أقول:  (الملحمة الكبرى) يعني هجوم النصارى والروم على الإسلام يبدأ بنقض الهدنة وتنتهي بالإستيلاء على القسطنطينية، وهي أن الهجمة التي تتعرض لها الأمة الإسلامية من بني الأصفر (اليهود والنصارى) هو صراع عقائدي وروحي يمثل جوهرهما يقوم على مبدأ الإستحواذ والإستيلاء على القسطنطينية والتي يراد بها بضعة من بدن مقدّس (حبة خردل) وهي المنطقة الطاهرة والذكية والتي تعتبر الوجود الإلهي في الأرض (الحجر الأسود) والتي تمثلها الكعبة (بدن المسيح) برمزيتها إليه وإحتواها على سر الوجود والذي يشير إلى المبعوث العربي بميلاده  الثاني من ذرية إسماعيل ونسبه لآل البيت النبوي الشريف الذي يمثل جهة نسب أبيه. وأما نسب أمه (أي أخواله) فهو ينسب إلى إسحاق (بني إسرائيل) والمقصود بها مريم لأن سبب هجومهما (اليهود والنصارى) على الإسلام ليس بالأمر الجديد وإنما هو صراع عبر كل العصور بين الخير الشر والذي يجسده نزاعهما حول تلك الحبة (شخص المسيح) لأن أخواله (بني الأصفر) ذرية إسحاق تدعي أحقيتهم به وملكيتهم عيله من عمهم (أخ إسحاق) وهو إسماعيل الذي ينسب إليه عيسى ابن مريم بعودته، لأن المرء تبع لأبيه وليس لأمه دلالة على أنه الفتى العربي القرشي من ولد النبي الهاشمي الذي حُكم عليه قطعاً بأنه من أمته (المهدي من ولدي) وهذه دلالة كافية أن الإسلام هو أولى الملل به دون غيره (اليهودية والنصرانية) في قوله صلى الله عليه وسلم: “أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، ليس بيني وبينه نبي” فعلاقة المسيح (القربان) بالأمة المحمدية (الإسلام) أي ذرية إسماعيل بنسبه الرحمي في آل البيت هو  أقوى  و أقرب نسباً ورحماً من غيرهم من الأمم وهذه حقيقة أثبتها الله سبحانه وتعالى بصورة مباشرة تحدى بها يهود مكة بجدالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} سورة آل عمران.

أقول: فقوله تعالى” إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ” أي خلق عيسى ومنشأه الروح مستقل في ذاته ومنفصل عن خلق آدم بعنصره الترابي، كما أشار إليها قوله تعالى {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} (29) سورة الحجر. فالنفخة الإلهية هي ذات عيسى ابن مريم (روح الله) المنفوخ في آدم. واما جملة (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) (مَثَلَ)  ونسبة لسمو طبيعته الإلهية (روح الله) فهو الصورة الإلهية المثلى التي يقاس عليها كل آدمي. لأنه الأنموذج الأكمل والأتم للخلق أجمعين فخلافة الحق ما كانت إلا له (أي الروح) {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض} (30) سورة البقرة وقال تعالى:”فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ” فالخليفة هو عيسى في عالم التحقيق وليس آدم الذي ما كان إلا خليفة عن أسماء الحق (خلافة الظاهر). وأما قوله: “فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ” (أي اليهود والنصارى) فعيسى هو قائم آل البيت من ذرية (أبناءنا) أي الحسن والحسين ولدي (نساءنا) وهي فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم (أنفسنا) إلى بعلها علي كرم الله وجهه. ومن ثم فالصورة المرسومة التي تشير إلى هذا القائم دلت عليها الضحية التي قدمها إبراهيم عليه السلام في جوف الكعبة في قوله تعالى {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) } سورة الصافات. فقوله (فلما أسلما) تمام التحقيق والإسلام الكامل لله وتجريد الذات لدعوة إبراهيم في قوله {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة. فلا ولاية لذريته (بني إسرائيل) (أبناء إسحاق) بعيسى ابن مريم ويراد بهم (اليهود والنصارى) لا ينال عهدي الظالمين وإنما لإسماعيل الذي يجسد الأمة الإسلامية بصدقه وإسلامه  (لما أسلما) وهو الإخلاص لله (مرتبة الإحسان واليقين) التي فداه الله بهذه البضعة المقدسة (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) وهذا الذبيح هو ذاته الكبش ذو القرنين شخص المسيح عيسى ابن مريم الذي إحترق إحتراقاً ذاتياً (ميلاده الثاني) قرباناً لإسماعيل الصدّيق الأكبر الذي فداه الله بروحه (أي عيسى) وهو الغاية من حجة  الوداع للنبي الكريم وهي الصورة التي أرادها الحلاج وهي الدوافع ذاتها التي تبرز هوية هذا الذبيح العربي والمسلم والذي يجسده ميلاده الثاني بإسم سليمان أبي القاسم موسى. فهو آخر العهود التي تم إختراقها والمهادنة عليها من قبل اليهود والمتمثلة بالأحداث الجارية الآن على صعيد المنطقة العربية من قتل وإستباحة دماء الشعوب العربية والإسلامية وتقديمها كقرابين لدم مسيحهم الدجال يتغذى عليها فتم تقويض الحكم الإسلامي لبناء عرش إبليس على الهياكل العظيمة للشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة العربية وكلها فداءاً لهذا الهيكل السليماني المزعوم الذي كان سبباً في بروز جوهر هذا الصراع الذي يمثله المسيح الحقيقي (سليمان أبي القاسم موسى) وهو الحجر الأسود (عهد الله في الأرض الذي لن يناله الظالمين) أخواله بني إسرائيل وهم (اليهود والنصارى) لأنهم رفضوه ونكروه، فعاد ثانية {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}فهو شاهد عليهم  فلذا عاد بحقيقته (أنه عيسى الذي سيعود ظافراً لا محتملاً للعذاب).

ورد في أثر عزيز عن مخطوطة نادرة من القرن الثالث الهجري بدار الكتب الإسلامية بكتاب خانة الترك بإسطنبول وسبقت  الإشارة إليه في بيان (غزو العراق للكويت) مما رواه أبو هريرة وكان يكتمه من قبل، وإليكم النص كما أورده صاحب كتاب (المهدي المنتظر على الأبواب)

“حرب آخر الزمن حرب كونية، المرة الثالثة بعد إثنين كبريين يموت فيهما خلائق كثيرة الأولى أشعلها رجل كنيته السيد الكبير وتنادى الدنيا بإسم (هتلر)…، وهذا مما رواه أبو هريرة وإبن عباس وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وفي رواية خاف أن يتحدث بها أبو هريرة، ولما أحس الموت خاف أن يكتم علماً فقال لمن حوله: “في نبأ علمته عما هو كائن في حروب آخر الزمان فقالوا: أخبرنا ولا بأس جزاك الله خيراً فقال: في عقود الهجرة بعد الألف وثلاثمائة وأعقدوا عقوداً يري ملكُ الروم أن حرب الدنيا كلها يجب أن تكون، فأراد له حرباً. ولم يذهب طويل زمن، عقد وعقد فسلط رجل من بلاد إسمها (جرمن) له إسم الهر، أراد أن يملك الدنيا ويحارب الكل في بلاد ثلج وخير فأمسى في غضب الله بعد سنوات نار، أرداه قتيلاً سر الروش أو الروس(1) وفي عقود الهجرة بعد الألف وثلاثمائة، عُدّ خمساً أو ستاً يحكم مصر رجل يكنى (ناصر) يدعوه العرب (شجاع العرب)، وأذله الله في حرب وحرب وما كان منصوراً، ويريد الله لمصر نصراً له حقاً في أحب شهوره، وهو له، فأرضى مصر رب البيت والعرب بإسم سادا، أبوه أنور منه لكنه صالح لصوص المسجد الأقصى بالبلد الحزين، وفي عراق الشام رجل متجبر…. و…. وسفياني في إحدى عينيه كسل قليل واسمه من الصدام وهو صدام لمن عارضه الدنيا جمعت له في كوت صغير دخلها وهو مدهون ولا خير في السفياني إلا بالإسلام وهو خير وشر والويل لخائن المهدي الأمين. وفي عقود من الهجرة الألف وأربعمائة واعقد اثنين أو ثلاثاً يخرج المهدي الأمين ويحارب كل الكون يجمعون له الضالون والمغضوب عليهم والذين مردوا على النفاق في بلاد الإسراء والمعراج عند جبل مجدون وتخرج له ملكة الدنيا والمكر زانية اسمها أمريكا تراود العالم يومئذ في الضلال والكفر ويهود الدنيا يومئذ في أعلى عليين يملكون كل القدس والمدينة المقدسة وكل البلاد تأتي من البحر والجو إلا بلاد الثلج الرهيب وبلاد الحر الرهيب ويرى المهدي أن كل الدنيا عليه بالمكر السيئ ويرى الله أشد مكراً ويرى أن كل كون الله له إليه المرجع والمصير وكل الدنيا شجرة له أن يملكها فرعاً وجذراً… فيرميهم الله بأكرب رميٍ ويحرق عليهم الأرض والبحر والسماء وتمطر السماء مطر السوء ويلعن أهل الأرض كل كفار الأرض ويأذن الله بزوال الكفر”.

تفصيل البيان

هذا من الآثار العجيبة والتي حدّث بها الصحابي الجليل أبو هريرة وقد في (قبل البيان) أنني  سأورد بعض الآثار العجيبة معزوة إلى مصادرها منسوبة إلى قائليها جاعلاً عهدتها على قائليها. ولولا أنني أقبلها لما أوردتها. وأذكر بأن ابا هريرة رضي الله عنه كان من أحفظ الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا له بذلك كما في حديث البخاري المعروف في كتاب العلم، وقال أبو هريرة:”حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين أما أحدهما فقد بثثته وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم”، وقد ذكر إبن حجر في (فتح الباري) أن أبا هريرة كان يعلم أسماء الأمراء والسلاطين وأسماء آباءهم، وقد كتم أبو هريرة ذلك العلم ثم حدّث به قبل موته تأثماً أن يكون كتم علماً، فلعل هذا الأثر المذكور كان مما حدّث به رضي الله عنه. ولعل (نوستراداموس) كان يأخذ علمه من مثل هذه الآثار المدونة في المخطوطات الكثيرة والمحفوظة في بلاد العالم.

ففي هذا النص الذي أوردته تجد ذكر الحرب العالمية الأولى والثانية والثالثة القادمة، ومواقيتها واسماء رجال مشهورين مثل: هتلر وناصر وأنور السادات، وصدام حسين، ولاشك أن كلاً منهم كان له أثر وبصمة على مجريات الأحداث العالمية. وتجد فيه أيضاً تحديد أزمان تقريبية للحروب والملاحم والأحداث زمن الحرب العالمية الأولى: (عقود الهجرة بعد الألف وثلاثمائة وأعقدوا عقوداً) يعني بعد سنة (1300) من الهجرة عقوداً وهكذا تكون مبهمة، والعقد الواحد عشر سنوات. وفعلاً وقعت الحرب 1914م  أي حوالي 1332هـ فكان العدد المبهم المذكور من العقود هو ثلاثة عقود وسنتين تقريباً.

والحرب العالمية الثانية زمنها (ولم يذهب زمن طويل، عقد وعقد فسلط رجل من بلاد إسمها (جرمن) له إسم الهر أراد أن يملك الدنيا ويحارب الكل، وفعلاً لم يمض إلا عشرون سنة عقدين (عقد وعقد) حتى نشبت الحرب التي اشعلها (السيد الكبير)  (هتلر) وتنادى الناس بإسم هتلر في (جرمن) (germany) سبحان الله، ثم الحرب العالمية الثالثة الكونية وزمنها. (وفي عقود الهجرة الألف وأربعمائة وأعقد إثنين أو ثلاثاً). ويصف البعض أن الحربين الأولى والثانية حربان(كبريات) أما الثالثة التي على الأبواب فهي حرب (كونية) بمعنى أنه يتورط فيها الكون فهي أفظع واشر وأعظم من كل الحروب السابقة. ويبيّن النص أن الدول الوحيدة التي قد لا تتورط في هذه الحروب هي بلاد الثلج الرهيب وهي الدول الإسكندنافية وكذلك بلاد الحر الرهيب وهي دول جنوب القارة الإفريقية  الشديدة الحر.

ثم يمضي النص في سرد التسلسل الزمني فيذكر ظهورالمهدي بعد الحرب الكونية المنتظرة قريباً، وكيف أنهم سيحشدون جيوش الروم الضالين والمغضوب عليهم والذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر سنورده في موضعه بإذن الله في بيان خاص به أنهم يجمعون لنا ملوك الروم خفية فيأتوننا في ثمانين راية تحت كل راية إثنا عشر ألف جندي، للمنازلة في الملحمة الكبرى.

وقد يبدو هذا العدد حوالي (960,000 ألف جندي) قليلاً، فعلى الرغم من ذلك إلا أنهم يستغرقون وقتاً في حشده وتجميعه من كل دول أوروبا الرومية ولكن العجب يزول إذا علمت أن الحرب الكونية ستقضي على معظم المقاتلين بل ستفني أكثر الناس فلا يتمكنون من حشد أكثر من هذا  العدد فيأتون للمسلمين بقيادة العاهرة (أمريكا) فيجدون المهدي قد ظهر فيقاتلهم في (الملحمة الكبرى) فينصره الله عليهم ويرميهم بأكرب رمي واشد رمي ويحرق عليهم الأرض والبحر والسماء والله أشد بأساً وأشد تنكيلا، وذكر النص (ناصر) شجاع العرب الذي حكم مصر سنة 1952م (حوالي 1370هـ) والنص يقول: “بعد الألف وثلاثمائة من عقود الهجرة عُذّ خمساً أو ستاً (1360هـ) ولا أدري لعل في النص كلمة مفقودة أو مطموسة وهي (او سبعاً) حتى يأتلف الكلام مع الواقع وإلا فكل الأزمان المذكورة في الأثر متطابقة مع الواقع الفعلي.

وذكر النص أنه كان خاسراً في حرب وحرب (1956 و 1967م) وما كان منصوراً إلا انه أرضى العرب على حساب الغرب فأحبه الأولون ونقم عليه الآخرون.

كما ذكر النص العجيب الرئيس الراحل (الاسمر السادا) بن (أنور) بإشارة لطيفة أنه أسمر من سادا (السادات) أبوه أنور منه فهو محمد أنور السادات الذي حقق الله به وأراد له نصراً يعز به مصر والعرب في أحب الشهور إلى الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. وتم النصر إلا أن الأسمر السادا صالح لصوص المسجد الأقصى وهم اليهود في البلد الحزين.

وذكر النص كذلك حاكم العراق المتجبر (صدام حسين) ووصفه بأنه (السفياني) وأنه يغزو الكويت، وسنفرد له بياناً خاصاً به، ولم يذكر هذا النص إلا من ذكرتهم، وقد وقعت على نص توراتي في سفر اشعياء الحقيقي به تفاصيل أكبر أورده بلا تعليق ففي نسخة الفاتيكان يقول النص: ” وجاءوا إلى سيناي وحاربوا الملك المصري الذي كان خاسراً في مواجهتهم وكل الخيانة كان خدعة نصر لإسرائيل… وجاء ملك اسمر اللون رأسه حاسر من الشعر، له أسود ونمور فإنتصر على إسرائيل وكلمهم أن يكونوا أصدقاء، وسلام عم كل المصريين ولكن ملكهم اسمر اللون أضحى شهيداً”

“وحكم ملك مصر إسْمُهُ حام حول أمسى – لكنه خاس باليهود وكلمهم بالجاد والحسنى وحاذر من حرب واشر على حرب. وأرضى شرقاً وغرباً، وحراسه كانوا الذين إغتالوه، وكانوا سراراً وتجاراً”.

وملك رجل بأسه حديد، كلم يهود وشرقاً وغرباً بكلام جاد، وحشر لهم جنده وحارب قلب إسرائيل من سيناء. واسر الكاذب فمه كراهة وحسره في إسرائيل وشر كبير في كل أورشليم”.

 

الفصل الخامس

سر العلاقة بين الإمام  المهدي عليه السلام وبين الحجر الأسود في مخيلة الشعوب

بقلم: مصطفى الهادي.

السر الكامن وراء علاقة المهدي بالحجر الأسود. 

“هو سرٌ خطير تدركه كل الأمم فمنهم من هو مكابر ومنهم من هو معاند أو منكر. فماذا تعرف عنه الأمم ولماذا الحجر الأسود صديق الأنبياء والشاهد لهم في كل مراحل دعواتهم ؟ 

فهذا الحجر هو الذي وصفه الكتاب المقدس: “ها أنا أوسس ( فيها) حجرا، حجر امتحان حجر زاوية كريما أساسا مؤسسا من آمن لا يهرب “. “وهو الذي نطق به لسان سطيح الكاهن فكان يقسم به فيقول: “حلفتُ بالبيت والحرم والحجر الأصم” وهذا الحجر هو الذي أشار إليه شهراجاثلبيت (Aggathalbaeth) الذي ذكره أبيفانيوس والذي كان يُنبئ في ملامحه عن وجود معبد في الشمال فيه الحجر الكوني الذي لا نظير له في الأرض.

ثم لماذا هذا الحجر بالذات والذي قد لا يملأ الحضن هل هو حجر العهد الذي يُذكّر الإنسان بالعهد الذي قطعهُ مع ربه، أم هو حجر الميثاق كما يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) فكتب تعالى كتاب العهد ثم ألقمه هذا الحجر. أو هو يمين الله في الأرض. أم انهُ المراقب الذي يشهد يوم القيامة حيث يأتي وله لسان وعينان ويتكلم بلسان ذلق عربي فصيح يشهد لمن استلمهُ أو أومأ إليه من بعيد.

هذا الحجر يمين الله في الأرض مستودع العهد وخزانة الميثاق. لو حذفنا منه حرفا واحداً لأصبح (حج) فتتم بذلك كلمة مبرورة مقبولة وإذا أرجعناها إلى أصلها كانت (حجر) فهو كناية عن الحجر الأسود الذي لا يتم الحج إلا باستلامه أليس هو نفسه حجر الزاوية في شريعة موسى (عليه السلام).الذي وصفه الله تعالى بأنه حجراً كريما أساسا مؤسسا من آمن لا يهرب. فقال: “ولا يثبُت ميثاقكم مع الهاوية”. أهي إشارة إلى ميثاق العهد الذي ألقمه الله جوف هذا الحجر المبارك.

أليس هو نفسه حجر زاوية الأرض الذي ذكره تعالى لأيوب فقال “أين كنت حين أسست الأرض… على أي شيء قرت قواعدها ؟ أو من وضع حجر زاويتها ” ؟ 

ألم يشهد يعقوب لذلك الحجر بأنهُ عمود بيت الرب فقال: “ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء. وبكّر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر… وأقامه عمودا ودعا ذلك المكان بيت إيل… وهذا الحجر أقمتهُ عمودا يكون بيت الله.” 

أليس هذا الحجر هو نفسه يشهد ليشوع: “وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله وأخذ حجرا كبيرا ونصبهُ هناك ثم قال يشوع لجميع الشعب: إن هذا الحجر يكون شاهدا علينا لأنه قد سمع كل كلام الرب الذي كلمنا به فيكون شاهدا عليكم لئلا تجحدوا إلهكم “ أليس هذا الحجر هو الذي ألهم داود ترنيمته الخالدة فكانت أساس مزاميره وبها أشار إلى نبوة الحبيب فقال مرنما: “الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيبٌ في أعيننا”.

ولربما هذا هو عينه الحجر الذي شهد له (يسوع ) المسيح في متى فقال: وقال: “الحجر الذي رفضهُ البناؤون هو قد صار رأس الزاوية”.

وهذا الحجر هو نفسه في إنجيل متّى حجر الزاوية الذي رفضه البناؤون.

وهو الحجر الذي ذكره لوقا. فقال عنه بأنه حجر الزاوية الذي رفضه البناؤون.

وكذلك هذا الحجر في أعمال الرسل الذي قال عنه بأنه الحجر المرفوض من البنائين.

وكثير كثير من هذه الأقاويل التي رمى بها المشككون هذا الحجر وكأن هناك سراً خطيراً يكمن في هذا الحجر لابد من تغطيته والتعمية عليه.

فهل هناك فعلاً سر يحيط بهذا الحجر حاول المنحرفون وأعداء الإسلام إخفاءه عنا لتضيع حقيقة شيٍ ما؟. 
الذي اجزم به ـ وعلى ضوء الدليل والبرهان ـ بأن هذا الحجر الأسود رمز السر الإلهي، شاءت الحكمة الإلهية أن تمنع الرسول (صلى الله عليه) عن البوح بأسراره للناس في ذلك الوقت، كما اقتضت الحكمة الإلهية ألا تكشف للناس أسرار الروح عندما سألوا النبي (صلى الله عليه وسلم) عنها، فأمر الله نبيه بأن لا يخبرهم أي شيء فقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء. 

وكذلك شاءت الحكمة الإلهية أن لا يكشف الله تعالى أسماء المنافقين وهو القادر على ذلك فقال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} (101) سورة التوبة.

وهكذا كان الحجر الأسود الذي لا يتم الحج إلا به وبإستلامه فقد تركه الله تعالى وأمر نبيه بأن لا يُحدث منه ذكراً فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يُجيب على الأسئلة التي تدور حول هذا الحجر إلا بما يرد به السائل كقوله: “إنه حجر من الجنة”، او “أنه حجر الميثاق”… الخ فترك هذه المسألة للزمان وأن هناك من يأتي ليُجيب على الكثير من الغموض المحيط ببعض ما تركه النبي (صلى الله عليه وسلم) ولربما تركه لمن يتحقق لديه من العلم القدر الكافي لفهم تلك الرموز ولربما لم يتحقق بعد ذلك ولم تتوفر شروطه لأن ذلك لم يتوقف عند حدود زمان معين لأن أهداف القرآن أعظم من أن يحدها زمان. 

إن الإسلام ليس دين مظاهر خارجية و مادية فحسب. وذلك لأن كل جانب من جوانبه المتعددة مشتمل على رموز لا تُحصى وأسرار لا تندرج تحت العد، لأنها صادرة عن الذي لا يتناها، وما يصدر من المعنويات عن الذي لا يتناها، لا يتناها. فلا حدود لعلمه ولاحدود لقدرته.

ولكنه ومن نافلة القول: أن الحجر الأسود لما كان وسيطا في تطهيرنا من آثامنا وخطايانا واحتمالها عنا فقد أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) تقبيله إشارة إلى عرفان الجميل. إما كيف؟ لا نعلم فقد ترك النبي ذلك ولم يردنا منه إلا تلك الاشارات القليلة مثل قوله: “كان ابيضا مثل الثلج فسودته خطايا البشر”، “وإنه يشهد لمن أستلمهُ”، “وأنه يمين الله في الأرض..الخ” 

فالحجر الأسود كاد ـ في كثير من المواقف ـ أن يكون سبباً في تبلبل عقول بعض المسلمين ابتداءً من الخليفة الثاني الذي كان أول من شكك في كون الحجر الأسود ينفع ويضر، وإنه إنما يفعل ذلك لأنهُ رأى الرسول يستلمهُ ويُقبلهُ، وكان علي ابن ابي طالب (ع) وارث علم الرسول خلفه فقال له: نعم يا عمر أن هذا الحجر ينفع ويضر. ولما كان عقل عمر لا يرقى إلى مستوى الإجابات الغيبية فقد أجابه الإمام علي بما يُناسبهُ، فأسكت عمر، وأعلم علي بذلك المسلمين بأن هذا الحجر ينفع ويضر.  أما كيف ينفع و كيف يضر ؟ 

وهذا ما سكت عنه الإمام كما سكت عنه الرسول (صلى الله عليه وسلم) أيضا الذي طالما رفع شعاره الخالد: “نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نُكلم الناس على قدر عقولهم”. 

بعد أن استعرضنا فيما تقدم من البحث الكثير من النصوص التي تؤكد عالمية فكرة الإمام المهدي عليه السلام وأنه لا توجد أي عقلية او مخيلة أوفكرة تخلو من قضية الامام المهدي ثم ذكرنا طرفا من أسرار الحجر الأسود. نأتي هنا لنبحث في (السر الأكبر) قضية جدا خطيرة حول علاقة الإمام المهدي بالحجر الأسود (حجر الجرال المقدس) ولكن المذهل في هذا البحث أننا سوف نعالج مسالة غريبة تتكتم عليها الديانات وخصوصاً النصرانية التي تحاول إماتتها بكل ما أوتيت من قوة. فقد أشارت المسيحية إلى رمز الحجر الأسود في الإسلام وشهد النصارى أن هذه المسألة من مختصات المسلمين وحدهم. وأسندوا القدح المعلى في ميدان الرمز إلى الإٍسلام وحده. وشهدوا لهذا الحجر كل الصفات التي تنزهه عن العبادة الباطلة الأخرى. وشهدوا للإسلام الذي يحضن الحجر الأسود في أقدس بقعة لديه شهدوا له بالقيادة والإرشاد. 

الجرال أو الحجر الأسود. شيءٌ مادي يرمز في المخيلة الغربية إلى سرٍ خطير مقدس. وهذا الشيء المادي هو حجر نفيس نزل من السماء إلى الأرض بواسطة الملائكة.يحمل في طياته سرا لا يستطيع الوصول إليه إلا شخص واحد، لو وصل إليه لأمتلك مفاتيح العالم وتسلم زمام القيادة في الكون كله وخضعت له كل ذراته.

ففي أواخر القرن الثاني عشر ظهرت بغتة في أوربا ثلاث أقاصيص تعالج موضوعا واحدا وهو القيام بحملة مكثفة للبحث والتنقيب عن (الجرال المقدس) وكشف أسراره الغريبة التي تترك تأثيرها على قلوب الملايين من الناس فتشدهم إليه ملبيين طائعين. 

هذه الأقاصيص تحدثنا بأن ذلك الجرال مودع بطريقة غامضة في قصر خفي بين جبال شاهقة، يحرسهُ خمسة من الفرسان توافرت فيهم الفضيلة. 

وقد اتفق مؤلفو هذه الأقاصيص الثلاث على أنهم ليسوا سوى مسؤولين أمناء لرواية مأثورة ظلت تتداولها الشعوب فترة طويله من الزمن حتى هذا الحين الذي قرروا فيه إظهارها للعلن. وهذه الأقاصيص الشعبية الثلاث راجعة في أصلها إلى جذور سماوية. 

في رأي هؤلاء أن قضية الجرال ـ الحجر الأسود ـ ظلت لغزا يكتنفه شيء من الغموض يتفاوت كثرة وقلة ولم تتضح قط تمام الاتضاح.

ولكن الافتراضات كثيرة التي تدور حول فائدة هذا الحجر الجرال، فعند البعض أن هذا الجرال رمزٌ للغوث الإلهي على الأرض. وعند آخرين نهجٌ لعبادة معينة، وعند البعض الآخر هو حجر العهد، أو حجر زاوية الأرض… الخ. 

ويذكر لنا أحد هؤلاء المؤلفين تأويلا جديداً مؤسساً على معارف اقتبسها من مؤلفات المغفور له الأستاذ(رينيه جينون) أو الشيخ عبد الواحد يحيى الذي أسلم وحسُن إسلامه وكتب عن الإسلام صفحات خالدة مفعمة بالجلال. 

ومن المنابع التي انتهل منها المؤلف هذه التأويلات أيضا كتب الشيخ محي الدين بن عربي وابن مسرة والجيلي. 

وفي الأقصوصة الثالثة التي كتبها المؤلف الألماني (فولفرام فون ايشانباك) كان المؤلف أكثر وضوحا فقد كانت أكثر اشتمالا على العناصر الإسلامية، وكشف فيها على أن مؤلفي الأقصوصتين اللذان سبقاه قد أخفيا قصدا مسألة البحث في سر هذا (الحجر المقدس). عندما علما أنهُ يُشير إلى الحجر الأسود في العقيدة الإسلامية. وقد حذا فولفرام حذوهما حيث اتهم علنا أحد سالفيه بأنه أتلف (مخطوطة سر الحجر الأسود)، أو شوهها على اقل تقدير حيث اختفت من بين ثنايا المخطوطة الفاتيكانية القديمة معالم الشخصية الإسلامية العربية التي سوف تستلم عهد القيادة من جوف هذا الحجر. 

أما الأستاذ (بيير نونسواي) فإنهُ يرى أن الجرال ـ الحجر الأسود ـ رمز للوجود الإلهي على الأرض وأن البحث عن سر ذلك الجرال طريقٌ دينيةٌ خالصة عميقة للوصول إلى كنه الحياة الكونية برمتها مما دون الله وأن الظفر بذلك السر هو الشهود الإلهي المؤدي إلى التصرف بكل ذرات الكون المادي، أن العالم المسيحي بكامله يجهل أو يتجاهل ـ بغرور وحقد ـ المكان الذي أخفي فيه الجرال الحامل للسر الإلهي ـ من وجهة نظر الديانة المسيحية ـ وكل ما يعرفونه هو أن هذا الحجر الغريب العجيب أخفي في الغرب في جهة أخرى من العالم. 

ففي رأي الأستاذ بيير ـ من الناحية الفلسفية ـ أن فكرة الجرال تمثل بعثٌ غربي للتيار الكوني الفطري الذي أختفى أصله في غياهب الزمن، وعز مناله على الذاكرة البشرية. وأنهُ يتعلق بالسر الجوهري لكل وحي حقيقي، أي أن في هذا الحجر سراً لو كُشف فإنه سوف يُساهم في معرفة سر الإله والمساهمة في العرفان السماوي وكل هذا سوف يتحقق على يد مستلم كتاب العهد من جوف الحجر. 

ولكن ماهو أصل هذه الأقصوصة التي تتحدث عن سر الحجر الأسود وعلاقته بالسماء ؟ 

يحدثنا فولفرام: أن هذه الأقصوصة قد أكتشفها عالم مسيحي في أحد المخطوطات العربية في (توليدو) باسبانيا، وأن مؤلفها عالم كبير يُدعى (فليجتانيس) كان يعرف أسرار الكواكب والأفلاك ومساراتها، وكان قد قرأ في النجوم اسم الجرال وهو (الحجر الأسود) وعرف كذلك أن فريقا من الملائكة قد أنزلوه إلى الأرض يحفون به كأنه عروس. ثم عادوا من حيث أتوا ومنذ تاريخ نزوله وإلى يوم نهاية الكون تقرر أن يقوم على حراسته خمسة من الفرسان وهم رجال طهرت قلوبهم حتى دنوا من الملائكة. ومن هذا الأساس يكون الإسلام هو الذي يُقدم إلى الناس فكرة وجود الجرال (الحجر الأسود) على الأرض فقط لا غيره.

وأخيرا توصلوا إلى معرفة السر وراء العلاقة بين الجرال وذلك الفارس الذي سيحكم الكون بعد فك رموز كتاب جاهموريه التالفة باستخدام اعقد الأجهزة في ذلك فقالوا: أن لهذا الجرال علاقة بأعظم شخصية أسلامية أو سلطة روحية دفعت (جاهمورية) والد بارزيفال ـ وهو المنحدر من أرومة مصطفاة ـ إلى أن يُخصص نفسه لخدمة أعظم سلطة روحية معروفة في زمانه وأن هذه السلطة كانت إسلامية. 

وقد حاول الغرب المسيحي بمفكريه أن يبتعد عن الهدف الأساسي لخدمة جاهموريه لهذه السلطة الروحية ويحرفوها عن مسارها الحقيقي حسدا منهم فقالوا: بأن هذه السلطة الروحية هي سلطة خليفة بغداد المعاصر لجاهموريه.!!

ولكن فولفرام الذي فك بنفسه اسرار تلك الحروف يذهب إلى أن هذه السلطة الروحية العظيمة ما هي إلا ( قطب الوقت) ـ صاحب الزمان ـ المسيطر بسلطانه على أكثر الأرض بما فيها مناطق غير إسلامية. وقد اعتمد في ذلك على آراء فليجتانيس الذي كان خبيراً بمسارات النجوم وكذلك على آراء محي الدين بن عربي بعد أن قارن بينهما حيث أن رينيه اعتمد في ذلك على أسرار علماء الأندلس بمقارنة ما جاء في مخطوطات الأديرة القديمة بلغاتها الأصلية. 

ولهذا اندفع جاهموريه المسيحي في خدمة قطب الوقت وأن يعلن استعداده أن يقاتل في سبيله في الشرق والغرب. ولربما يكون جاهموريه المسيحي يُشير إلى شخصية السيد المسيح عليه السلام الذي سيُقاتل بين يدي قطب الوقت او صاحب الزمان، الذي ارتبط إسْمُهُ ارتباطاً وثيقاً بالحجر الجرال الأسود الذي يحمل أسرار تلك اللحظة التي يقف فيها أمامهُ صاحب العصر والزمان (عج) منتظراً مختاريه أن يجتمعوا إليه كقزع الخريف حيث تختطفهم يد القدرة من فراشهم ليلا ومن محاريبهم نهاراً لمثُلوا بين يديه الكريمتين وحجر العهد على يمينه والتابوت بين يديه فتتم البيعة حيث يكون الحجر الأسود شاهداً عليها ثم يُشاهد الناس المهدي وهو مستقبل الحجر الأسود ودموعه تنحدر انحدار الجمان على خديه. 

ولربما يعني الاستاذ بيير بأن الحجر الأسود أحدث انقساماً في عالمنا هذا جعله نصفين نصف (مفروغ) ونصف (مستأنف) وهذا العالم هو العالم الافتراضي الذي يُقدم إجابات في خلفية الذاكرة قهقرائية المعنى تعود في جذورها إلى (بعدا خامسا) لا تصل إليه إلا شخصية المعصوم عليه السلام الذي هو بالضرورة مكان سكن المهدي”.

وأقــول: هذه هي أم الحقائق والسبب الأول والرئيس لصراع الحضارات هو حجر الجرال المقدس (بضعة من بدن المسيح) وهو جوهر الكعبة والكنز الأسود الذي تقتتل من أجله كل الأمم والشعوب لامتلاكه، عن الصحابي الجليل ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ – ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ – فَقَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ”. والخلفاء الثلاثة هي رموز لليهودية والنصرانية والإسلام المتمثل بواقع الأمة اليوم ومناهضتهم لشخصي وإنكارهم لأمري وهي الأخرة التي حذت حذوهم (اليهود والنصارى) فرفضوا ذاك الحجر (كنز الكعبة) الذي لا يصير إلى أي واحد منهم إلا لأهله ” .

عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ أَبَا قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يُبَايَعُ رَجُلٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَلَنْ يَسْتَحِلَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلا أَهْلُهُ، فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلا تَسْأَلْ عَنْ هَلَكَةِ الْعَرَبِ” وهو ذات المسيح ذو السويقتين سليمان الذي يستخرج كنزه والوقائع في جملتها فصّلتها الآيات التالية من قوله تعالى في سورة الكهف :{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83){ سورة الكهف. فكنز الجدار (الحجر الأسود) هو حق خاص والغلامين هو وصف لذات واحدة لها حضور سابق ولاحق (ذو القرنين) والقرينة الدالة عليه غلام بني إسرائيل اليتيم (الذي لا أب له ولا جدود) والإستعارة في قوله تعالى: “قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا” 19 – 20 سورة مريم. والثنائية في الوصف في عودته الثانية بميلادٍ ثانِ باسم سليمان فهو نفسه غلام آل البيت ويتيم الله ووحيد الذات الذي بلغ أشده “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ” وهي حقيقته التي وصفها الحلاج في قوله: “قائداً ظافراً” ليدل أنه رجل البيت الفاطمي ذو السويقتين الأسود الأفحج الأصيلع المجدع الأنف عبد الله قائم آل محمد الذي يخرج آخر الزمان بالمغرب الأقصى ويبايعه طائفة أهل المغرب (السود الجعد أصحاب الجلاليب ثلة أعاجم السودان) الذين بشرهم النبي الكريم  في الحديث التالي:

عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب عليهم ثياب الصوف فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد قال فقالت لي نفسي ائتهم فقم بينهم وبينه لا يغتالونه قال ثم قلت لعله نجي معهم فأتيتهم فقمت بينهم وبينه قال فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدجال فيفتحه الله”.

 والنبأ النبوي بوقائعه يعيّن شخصية قائد هذه الطائفة التي تتطابق في خبر آخر بنفس ما جاء في الحديث:

عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ أَبَا قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يُبَايَعُ رَجُلٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَلَنْ يَسْتَحِلَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلا أَهْلُهُ، فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلا تَسْأَلْ عَنْ هَلَكَةِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَأْتِي الْحَبَشُ، فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا، وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَهُ ” كتاب » أخبار مكة للفاكهي ( ذِكْرُ الْحَبَشِيِّ الَّذِي يَهْدِمُ الْكَعْبَةَ).

والحديث التالي يحصر نطاق الوصف بهذا الحبشي (ذو السويقتين) الفاطمي في قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة” أحمد –المسند- ج3. وهذه دلائل كافية تعرف كل القرائن الدالة على المسيح عيسى ابن مريم شخصي سليمان أبي القاسم موسى رجل البيت الفاطمي وهو الحجر الأسود (العبد الأسود الغلام اليتيم) الذي رفضته الأمم ونبذته الشعوب. فهو غريب المدينة وغريب الغرباء الذي صار راس الزاوية والمثل الأعلى وهو الإنسان الكامل (كنز الله)  الذي استخرجه ودل عليه وأظهره للناس وبيّن علاماته وازال عنه آثار أيدي الناس الأثمة “. التأويل الخاطئ للنصوص التي تشير إليه والتي تم صرفها إلى غيره في ببيانه في (69) منشوراً بعدما حُجبت حقيقتة وراء أستار سوداء وطمسوا ملامحه إلى أن سطع نوره لمن أخذ الله ميثاقه بالولاية فهم أهله وخاصته ومُلّاكه الذين وصفهم  علي بن أبي طالب قال:”ويحاً للطالقان فإن لله فيه كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة ولكن بها رجال عرفوا الله حق معرفته وهم أنصار المهدي آخر الزمان” أخرجه أبو غنم الكوفي في كتاب الفتن”. هم كنوز سليمان والأحجار التي رفضها الناس ونكروها أصبحت هي الأساس كما في قوله تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (55) سورة آل عمران. لأنهم عمال السفينة (أنصار الدعوة والمؤمنين بها) فضاهت أجورهم أجر العمل من أصحاب النبي الكريم.

عن عتبة بن غزوان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليـه أجر خمسين منكم قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم” والقرآن قد بيّن مسار سفينتهم وأجمل وقعهم في قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} (79) سورة الكهف. فالفعل الذي استهجنه عقل النفس (الظاهري) بما قام به ذاك العبد الصالح المسيح عيسى ابن مريم شخصي سليمان الخليفة الذاتي وعقل الأمة الكامل بفعله الذي لا يرقى إليه عقل موسى والذي لم يجد تفسيراً عقلانياً واحداً يلتمس فيه سبباً مقبولاً يمكن أن يراه بعينه ويتحسس نتائجه من حيث مرتبته (عقل النفس) والمثال القرآني يجسد موسى بعقل الأمة الإسلامية اليوم التي لا ترى إلا بعينيّ رأسها ولاتسمع إلا بأذنيّ رأسها فانقطعت عن الوصال الروحي وفقدت لغة الوحي وانحجبت عن الحقيقة التي يراها ذاك العبد الأسود الخليفة الرباني شخصي سليمان أبي القاسم موسى فرفضته الأمة فوقعت فريسة في فك الشيطان وغوايته (الدجال) فأما فعله المنكر في ظاهره فهو لحماية السفينة والعمال الذين يعملون عليها (الدعوة وأنصارها والمؤمنين بها) لأن هناك أطماع خارجية وعيون كانت تترصد وتترقب مسيرة السفينة (الدعوة الربانية) وعندما حان موعد وصولها إلى مرفأها (بروز الأمر والفتح الرباني عليها) فخرقها لعلمه أن هناك من أراد أن يثب عليها ويتبنى طرحها ويظهر بمظهر طاقمها بل فمنهم من يمني نفسه بقيادتها ويشارك هؤلاء المساكين فيها والعبرة من المثال المضروب هو الواقع المشاهد في كل أطوار الثورات العربية التي كانت وقودها دماء الشعوب المغلوب على أمرها ونضال شباب وهبوا أرواحهم ثمناً لرفع الظلم والجور عنهم. فكانت كل سفن الثورات تصل لقمة سائقه إلى أفواه هؤلاء الطغاة الظالمين بوصف الآية المعجز: “وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا” (79) سورة الكهف. وهذا الملك الظالم هو ذاته الدجال بمظهره الإصلاحي الزائف الذي هدم كل القيم الدينية للأمة الإسلامية تحت شعارات براقة وخادعة وصفها الإمام علي عليه السلام في حديثه التالي:

عن الإمام علي عليه السلام قال في إحدى خطبه: “إيها الناس وإنما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله يتولى فيها رجال رجالاً، ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف ولو أن الباطل من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجللان معا فهنالك يستولى الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى ” نهج البلاغة –لابن ميثم البحراني –ج 3.

فشخصي المسيح سليمان الحجر الأسود الذي رفضه البناؤون وشاهد العهد والميثاق وإلى ذلك أشار الإمام جعفر الصادق عليه السلام في الخبر التالي:

عن محمد بن سنان عن أبي سعيد القماط عن بكير بن أعين قال: “سألت أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام: لأي علة وضع الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره؟ قال: إن الله تعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى  آدم فوضعت في ذلك الركن بعلة الميثاق، وذلك أنه لما أُخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليكم الميثاق في ذلك المكان، وفي ذلك المكان ترآى له، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم عليه السلام، فأول من يبايعه ذلك الطير. وهو والله جبرائيل عليه السلام. وإلى ذلك المكان يسند القائم عليه السلام ظهره وهو الحجة والدليل على القائم، وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذه الله عز وجل على العباد.” الكافي – الكليني- ج4 – ص184- كمال الدين –ج2-ص671.

أقول: هذا السر العجيب هو الحجر الأسود وهو سليمان ذو القرنين من الحبشة  والعبد الأسود وهو الغلامين اليتيمين في أرض المسيرية في ميلاده  الثاني والأول بل منذ بداية الوجود إلى قيام الساعة.

 الفصل السادس

مطلع الشمس (ياجوج وماجوج)

هذا الفصل هو تكملة للفصول السابقة وامتداداً لبقية الشرح والتفصيل والذي بينت فيه هوية شخصية هذه النشرة (المسيح ذو القرنين). والذي يفضي إلى حقيقة آخرى دل عليها وصفه وارتبطت باسمه وهي حقيقة (ياجوج وماجوج). لأنه ما وقع الإستدلال عليهم إلا به. وقد حفلت النصوص الشريفة والآيات وقائعهم، وقد أُفردت لهم مساحة من سورة الكهف. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرً (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)  حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن ُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا{ الكهف آية 89-94.

أقـول: إن الآية صريحة في أن خروج هؤلاء القوم دل عليه وعُيّن بحدث زمني أًشترط بطلوع الشمس من المغرب. ومن السذاجة حمل المعنى على تعيين جهة ما ذات بُعد جغرافي (بقعة في الأرض) تخرج منها الشمس الظاهرية بهيئتها المجردة كما غربت فيها. وذلك على ما تخيله المتخيلة من المفسرين الأوائل الذين أخطأؤا بصرف المعنى الظاهر ولكن للحقيقة معنى آخراً وعميقاً في دلالته. وكانت  الإشارة لهؤلاء القوم أنهم مفسدون في الأرض وفي حقبة زمنية متأخرة (زمن طلوع الشمس) أي عند انقطاع الأمم والشعوب عن أي مظهر روحي وخٌلق سماوي.

فإن طلوع الشمس من المغرب (عيسى إبن مريم) والذي كان أمراً حتمياً وحكماً إلهياً لمواجهة (الدجال) ولذا كان الحضور للعقل الكامل بمظهره الحقيقي. لأنه الظهور الكامل والأتم لشمس المغرب الذاتية التي يجسدها هذا الروح الرباني شخصي المسيح سليمان.

والوقائع قد فصّلها النبي الكريم بحديثه المشهور:”إذ يُوحي الله إلى عيسى أن حَرِّز عبادي إلى الطور فإني أخرجت عباداً لي لا يدان أحداً بقتالهم” رواه أحمد في المسند. هذا النص يبرز قمة الحقائق ويكشف البعد الهدائي والدور الإرسالي لبعثة عيسى ابن مريم بميلادٍ ثان في الأمة المحمدية باسمه وحقيقته، فجملة (عبادي) هي الثلة الأخيرة من الأمة التي تستكمل دين الإسلام أي الفرقة الناجية (طائفة عيسى ابن مريم) التي شهد لها النبي بتمام إسلامها وإخلاصها في قوله: “خير الأمة أولها وآخرها أولها فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخرها فيهم عيسى ابن مريم” الحاكم المستدرك – ج4. وهذا النص بمعناه هو استنساخ لحديثه الذي جاء نصه “لن تهلك أمة أنا أولها والمسيح آخرها وبين ذلك ثبج أعوج لست منهم وليسوا منك”. فهم الصفوة التي عصمها الله منهم ومن فسادهم أي- (يأجوج وماجوج)- الذي لم يدع مَنْهَلاً ولا موطئاً في الأرض إلا وحاذ عليه وبسط شروره (حضارتهم الإلحادية الفاحشة) فكانت هذه الطائفة هي التي أحرزها الله من النار في قوله صلى الله عليه وسلم: “طائفتان أحرزهما الله من النار طائفة تغزو بكم الهند، وطائفة تقاتل مع عيسى ابن مريم” فهي تمثل الأمة وتجسد مسيرة البشرية جمعاء بكل أطوارها (رسالاتها وحضاراتها) والعقل المحمدي بوجهٍ خاص (المهدي)، فكان دور عيسى ابن مريم أن يحرّزها لطورها الأخير (يتجاوز بها العقل المحمدي) (عقل الفؤاد) إلى عقل الذات، وهذا هو بالضبط سر تقديم الروح (عيسى إبن مريم) للمهدي في الصلاة وقوله: “إنها ما أقيمت إلا لك تكرمة لهذا الدين” أي أن الصلاة ما أقيمت إلا لك أيها الإنسان والغاية منها وجوهرها أن تتعرف على ذاتك ونفسك. مصداقاً لقوله: “من عرف نفسه فقد عرف ربه” للإمام علي عليه السلام. ووسيلة التعريف هي الصلاة والذي يدل على الحق هو الروح بذاته لا بغيره (روح الله المسيح عيسى ابن مريم شخصي سليمان). وهو معنى قوله عز وجل على لسانه صلى الله عليه وسلم بالحديث القدسي: “كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فبي يعرفون”. المصدر:الكتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المؤلف: شهاب الدين محمود ابن عبدالله الحسيني الألوسي. أي بروحي (عيسى ابن مريم) تعرفوني لأنه خليفتي المطلق فيكم وهو الذي يقدمكم إلي ويدلكم لذاتي التي من أجلها خلقتكم. هذا هو باطن النصوص وأما كأحداث ظاهرة ومتجلية على الأرض فقد بيّن النبي الكريم مراحل تلك الوقائع التي تتزامن بخروج يأجوج ومأجوج.

عَنْ خَالِدِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَن ْخَالَتِهِ، قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ أُصْبُعَهُ مِنْ لَدْغِ عَقْرَبٍ، فَقَالَ: “إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: لا عَدُوٌّ، وَلا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَدُوًّا، حَتَّى تُقَاتِلُوا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، عِرَاضَ الْوُجُوهِ، صِغَارَ الْعُيُونِ، صُهُبُ الشِّعَارِ، مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ.

 في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يقول الله تعالى: يا آدم ! فيقول لبيك وسعديك، والخير في يديك. فيقول اخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين. فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد”. قالوا: وأينا ذلك الواحد؟ قال: “ابشروا فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف” رواه البخاري. ويؤيد ما جاء عند الطبراني كما قال بن حجر “وليس بموت أحد منهم يعني من يأجوج ومأجوج إلا وترك ألفاً وصاعداً”.

عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش رضي الله عنهن أنها قالت استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمراً وجهه يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم أجوج ومأجوج مثل هذه وعقد سفيان تسعين أو مائة قيل أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث”  صحيح البخاري: كتاب الفتن.

أقول: لقد جاء في التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي في معرض تفسيره لقوله تعالى في سورة الكهف: “إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ” قال الكسائي إن يأجوج ومأجوج مأخوذ من تأجج النار وتلهبها. فلسرعتهم في الحركة سموا بذلك”

وقد ذكر أهل اللغة أن الإسم وإن كان لفظين عربيين فإنهما يكونان “أجت النار” إذ إلتهبت. من الأج وهو سرعة العدو وهذا أيضا معنىً موجوداً “. المصدر: التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي (المجلد 11 ص 130).

أقـول: وبقراءة المعاني مع الحديث النبوي أعلاه والخبر الذي يليه يوضحان خط سير مراحل صراع الأمة وتسلسلها إلى النهاية التي خُتمت أحداثها بهم (يأجوج ومأجوج) وعلى ما تقدم من أقوال الإمام الرازي فإن الحديثين هما آكد الدلائل على أنهم ما كانوا قد خرجوا حينها “حتى تقاتلوا يأجوج ومأجوج” حتى فعل شرط أي “حتى تطلع عليهم الشمس بذاتها” في إشارة إلى شخصي المسيح بوصفي ذوالقرنين، فهما قرينتان دالتان لبعضهما البعض. والحديث الآخر الذي جاء فيه “ويل للعرب من شر قد اقترب” فالجملة لخبر غيبي لرؤيته المنامية والإشارة في إستعارته بالتنبيه إلى هذا الشر القادم الذي سيطأ بلاد العرب ولذا فإن يأجوج ومأجوج هي حضارة أممية وكل فرد آدمي في هذه العصر يمثل جزء منها وآية عليها. لأن المعنى في الآيات والأحاديث قد أشار إلى وصف حال المملكة الإنسانية في آخر الزمان عندما تصل فيه لذروة علومها وآخر حُللها ومن ثم تهوي ساقطة نحو هاوية الكفر وأوحال الشرك بتقاسمها للعلوم الربانية الخاصة بالروح والغيب والخلق (الإستنساخ). قال تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدً  (117) لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا(118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} (119) سورة النساء.

ولم تعد تسعها الارض وعاثت فيها ظلماً وجوراً فوجّهت أنظارها للسماء كما في الحديث التالي: 

عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في السد، قال: “يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا “، قال: ” فيعيده الله – عز وجل – كأشد ما كان، حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله تعالى واستثنى”، قال: “فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه، فيخرقونه ويخرجون على الناس، فيستقون المياه ويفر الناس منهم، فيرمون سهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وغلبنا من في السماء قوة وعلوا” هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. 

أقول: طلع سليمان أبي القاسم موسى بذاته من الدلاء مال في تاريخ 24/12/1947م في بلد المسيرية كما قال بن عربي الخاتمي “فإذا دنا الأجل وإقترب طلع هادياً من حيث غرب” غرُب في منطقة الدلاء مال وطلع هادياً ليس نبياً من حيث غرب بالدلاءمال، وهذا مسك الختام.

 السودان والخطر اليهودي القادم «1 5»..عبد الجليل ريفا

  نشر في الانتباهة يوم 01 – 06 – 2012

“…لقد عاش العبرانييون بمصر قروناً متتالية الى أن ظهر من بينهم نبي الله موسى وأخوه هارون وأرسلهم الله لبني إسرائيل ولدعوة فرعون لعبادة الله الواحد الأحد.. ومن الثابت أن يوسف وموسى عليهما السلام كانت دعوتهما موجهة لحاكم مصر وللسلطة العليا قبل الناس أي الإصلاح من القمة فمنذ الأزل شعب مصر مطبوع على طاعة الحاكم والانقياد له والله يعلم طبائع الشعوب واليهود تؤمن بالبعث واليوم الآخر والحساب والملائكة وبرسلهم وأنبيائهم إذاً تأتي عداوة اليهود الى السودان من الأسباب الآتية:

–         السودانيون ساميون مسلمون.

–         لوجود نيران القرآن في السودان وتعلم القرآن وحفظه.

–         السودان يحمل الدعوة الإسلامية لدول الطوق التي تحفه وهي عشر دول وهي لا يزال أغلبها على وثنيته.
اليهودية تدّعي أن ارض السودان هي دولة العبرانيين القادمة والتي سبق الى تأسيسها سيدنا سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ.

فهم يعتقدون أن تابوت داود مدفون في ثلاث مناطق في شرق إفريقيا إلا أنهم يرجحون أنه مدفون في منطقة الجوغانة ريفي بارا والفرضين هي التوتسي والهوتو حيث يعتقدون أن الهوتو والتوتسي هم من سلالة سبطي بني إسرائيل المفقودين وذلك لتشابههم في طريقة زواجهم ودفن موتاهم وفي طقوسهم التعبدية.. وأما المنطقة الأخرى هي منطقة التقراى وهي في إثيوبيا والتي ينحدر منها رئيس الوزراء الحالي ملس زناوي.

أقول: صحيح أن هنالك منطقة بريفي بارا تسمى بالجوغانة ولكن المقصود بالجوغانة هي نوع من أنواع الأشجار والذي يكثر في منطقة الكوفة بالقرب من مدينة المجلد وهي المنطقة التي أتواجد فيها حالياً وأنا هو المقصود بتابوت داؤود وليس المعنى الحرفي، أما كلمة بارا وهي تعنى (بار) والتي تعنى أرض المسيرية الحُمر. إذاً تلك الوثائق التي يعتمد عليها اليهود قد تم فهمها حرفياً ولكن المعنى أبعد من ذلك.

المسيح المهدي المحمدي

سليمان أبي القاسم موسى

اكتوبر 2014م