
بسم الله الرحمن الرحيم
الفهرست
تنبيه مهم:
استـفتاح
فصل المهدي إمام الفرقة الناجية.
الفـرقة الناجية.
حـقيقة الـمهدي بـين النـفي والاثبـات..
من آمـن بحقيقة المهدي يختلف معه عند ظهوره كشخص….
مقدمة:
لماذا الاهتمام باخبار المهدي المنتظر ؟.
المهدي الأصولي عند العلماء الأحبار.
قائم الشيـعة.
قائم أهل البيت هو عيسى بن مريم.
اسم المهدي..
المهدي الصوفي عند العلماء الربانيين.
صفات الإنسان الكامل.
اسم المهدي..
نسب المهدي..
نهاية النشأة الاولي..
الرجعة بالميلاد الثاني..
الجهة التي يجيئ منها
المنطقة التي يظهر فيها
تشريعه.
طريقته.
ختم الــــولاية.
وقتــــــــه.
مــوتـه.
حـشـره
العلامات الدالة على ظهوره
صفات القطب الاصطفائية.
تعريف مقام القطبانية:
صفات القطب الخلقية:
مقام أصحاب المسيح.
الإمام الحجة.
1) قول الأصوليين في الحجة:
2) قول الصوفية في الحجة:
3) قول الشيعة في الحجة:
المحجة البيضاء:
المعجزة
بدعة الخلافة.
تنبيه مهم:
أرجو أن يعلم الجميع بأني أنا المسيح رسول بنى إسرائيل بالإنجيل بذاتي وروحي وصورتي التي كنت فيها فى بنى إسرائيل ولم تتغير ملامحي إلا بقدر طفيف ناتج عـن اختـلاف بيئة النشأتين (النشأة فى بنى إسرائيل والنشأة فى الأمة المحمدية).
وأنا على علم تام بحقيقة أمري وأتلقى معارفي الخاصة بالتلقي من الله ومن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن ملائكته وهذه علوم خاصة لا تقوم بها حجة على الناس بقدر ما قد تكون سبباً لنفور الناس وتكذيبهم وعن عبد الله بن مسعود قال: “ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة” رواه مسلم.
فالناس يتفاوتون بما فضل الله بعضهم على بعض ويختص برحمته ويفضل بعضهم في العلم أو الولاية ويرفع بعضهم فوق بعض درجات قال تعالى: “أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا” الإسراء 21.
ولكن دأب الناس على تكذيب كل مبعوث من عند الله إلا قليلا من هدى الله قلبه شرح صدره للإسلام قال تعالى: “بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما ياتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم أنظر كان عاقبة الظالمين“ يونس 39.
لقد حوى القرآن كل شيء قال تعالى: “وكل شيئ أحصيناه في إمام مبين” يس 12. فالآية من مثاني القرآن تحمل معنى مزدوجاً فالإمام المبين هو القرآن وجاء القرآن مفصلاً لكل شيئ قال تعالى: “وكل شيئ فصلناه تفصيلا” الاسراء 12. والإمام المبين هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فصّلت السنة المطهرة كل ما تحتاج الأمة في دينها ودنياها قال تعالى: “ما انزلنا اليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون” النحل 64. وهذه الآية من المثاني أيضا فبيان الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالقرآن الذي نزل عليه مفصلاً أو بما جاء في السنة من شرح التنزيل.
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت عن المهدي كانت تتحدث عنه في ظهر الغيب فهي واقعة في علم التأويل فلا يعلمة إلا الله قال تعالى: “ولا يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) آل عمران 7. فالأمة مطالبة بالإيمان بظهور المهدي في مجال العقيدة أما تحديد شخصه فهو أي المهدي الذي يصدع بمهديته في أوانه يومئذ يقع تأويل القرآن وتأويل الأحالديث وهو ما جاء في الآية “ولما يأتهم تأويله” يونس39. فيتنزل النص القرآني والحديث مجسدا في شخص المهدي وهذا الذي حدث فقد كنت تجسيدا للقران والحديث الذي أخبر عن مهدي آخر الزمان فإن شخصي سليمان أبو القاسم هو مآل القرآن ومآل الحديث النبوي في الاخبار عن المهدي المنتظر لكل الأمم والملل والشعوب.
قال تعالى: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ” آل عمران الآية 187.
استـفتاح
لما كان علماء الدين في كل ملة علي قسمين: أحبار وربانيون جعلت هذه النشرة علي قسمين: الأول خاص بالأحبار والثاني خاص بالربانيين.
والأحبار هم حملة النصوص الظاهرية لآيات الكتاب والسنة وعلمهم عقلي ظاهري، منقول عن السطور المكتوبة بالحبر ومنه اشتق اسمهم.
آما الربانيون فهم فقهاء المعاني وسموا (ربانيون) لأن علمهم وهبي رباني من وراء العقل وقـد خصهـم الله في قولـه تعالى: “وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفـَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” الرعد 43. وعلم الكتاب هو المعاني المستوحاة من النصوص الظاهرية للكتاب، والفرق واضح بين نصوص الآيات ومعانيها مثل قوله تعالى: “قَالَ الَّذِي عِنـْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ” النمل 40. فالربانيون هم أصحاب العلم الخاص الذي نص عليه قوله تعالى: “فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا” الكهف 56. وقال صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك، عدل في قضاءك، أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي ولا قوة إلا بالله” رواه النسائي وأحمد والترمذي والحاكم وابن حبان. المصدر: المأثورات للبنا. فجملة “أو علمته أحداً من خلقك” دلالة قاطعة أن لله عباداً يعلمهم علوماً من فيض رحمته وهذه العلوم المفاضة علي الأولياء والصالحين لا تتعارض في مادة جوهرها مع العلوم القطعية المنزلة في الكتب السماوية أو أحاديث السنة المأثورة عن الأنبياء والمرسلين بالأسلوب البياني المتشابه والمثاني في لغات الكتب.
فالأحبار لهم النصوص التي تقوم علي أساسها شهاداتهم علي كل أمر حادث، وفقاً للنصوص المنقولة بالتواتر وهذه مقيدة بالنصوص المكتوبة.
أما الربانيون، فلهم مداركهم الخاصة بهم خارج هذا النص. وكونه خارج النص لا يعني معارضته ومخالفته، بل يتلقي المعلومة كشفاً من الله دون مرجعية معلومة لكل الناس فإن شهادتهم في الأحداث تكون وفق معارفهم الربانية وتعليلهم قوله تعالى: “هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” آل عمران 37.
فشهادة الربانيين تؤخذ بدون تعليل ولهذا أخرت القسم الذي يخصهم في الشهادة عن المهدي البيتي وشهادة الأحبار تقبل وفق نصوص الكتاب والسنة ولما كان هذا أثبت للشهادة وأقوي برهاناً لدى عامة الناس، قدمت شهادة النصوص الخاصة بالأحبار في القسم الاول.
لقد جمع الله شهادة الأحبار والربانيين في قوله تعالى: “إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ” المائدة 44.
قال يوسف بن يحي: وقال تلميذه ( أي تلميذ ابن تيمية) الشيخ ابن قيم الجوزية في كتابه: ( المنار المنيف في الصحيح والضعيــف) ص 148- 155: “قد اختلف الناس في المهدي علي أربعة أقوال:
أحدها: أنه المسيح بن مريم، وهو المهدي علي الحقيقة.
القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهي زمانه.
القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً وأكثر الأحاديث علي هذا تدل. فهذه أقوال أهل السنة.
وأما الرافضية الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر “… المصدر عقد الدرر ص 22- 24.
التـعليق:
في هذا الطرح ستزول أسباب الاختلاف بعد ظهور الحق في محجة بيضاء ليلها كنهارها، لمن نبذ هواه وأسلم وجهه لمولاه عملاً بقوله تعالى: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا“ النساء 65.
ولما كان المهدي المنتظر هو آخر الخلفاء الراشدين، إذاً فهو إمام جماعة المسلمين وشيخ الفرقة الناجية وقائد الطائفة المنصورة. فما هي صفة هذه الجماعة وإمامها؟ وكيف يمكن التعرف عليها من بين سائر الفرق الإسلامية المتعددة، وتمييز إمامها من أئمة الفرق الضالة؟.
فصل المهدي إمام الفرقة الناجية
الفـرقة الناجية
للإجابة على هذه الاسئلة أنقل من كتاب (الفرقة الناجية والطائفة المنصورة على ضوء الكتاب والسنة ) إعداد محمد بن جميل زينو ـ المدرس في دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، ليكون شاهد الأمة عليها من نفسها. قال:
1- الفرقة الناجية هي التي تلتزم منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ومنهاج أصحابه من بعده وهو القران الكريم الذي أنزله الله على رسوله وبينه لأصحابه في أحاديثه الصحيحة وأمر المسلمين بالتمسك بها فقال: “تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ولن يفتــرقا حتى يردا عليّ الحوض“ صححه الألباني في الجامع.
2- الفرقة الناجية تعود الى كلام الله ورسوله حين التنازع والاختلاف عملا بقوله تعالى: “فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا“ النساء 59. وقال تعالى: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا“ النساء 65.
3- الفرقة الناجية لا تقدم كلام أحد على كلام الله ورسوله عملا بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ“ الحجرات 1. وقال ابن عباس: “أخشى أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر“.
وقال: علامات الفرقة الناجية: هم قلة من الناس دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “طوبى للغرباء: أْناس صالحون في أْناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم “ صحيح رواه أحمد.
واستطرد محمد جميل في نفس المصدر وتساءل: من هي الطائفة المنصورة؟ وأجاب على تساؤله عليها، وأورد بعضا من إجابته:
3/ قال ابن المبارك: هم عندي أصحاب الحديث.
4/ وقال البخاري قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث.
5/ وقال أحمد بن حنبل: “إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم“. المصدر: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة. لمحمد جميل زينو 6-16.
أقول: فعلى منهاج الكتاب والسنة أجادل علماء هذه الأمة وعامتها بالتي هي أحسن لأبين لهم صدق قولي وبطلان دعوى من خالفني وخذلني. فالمهدي المنتظر الذي تحدثت عنه الأحاديث هو إمام الفرقة الناجية من هذه الأمة.
حـقيقة الـمهدي بـين النـفي والاثبـات
قال الدكتور عبد العليم عبد العظيم: “ولم أعرف من المتقدمين من تعرض لإنكار هذه الفكرة نعم، لقد روي عن بعض التابعين أنهم رأوا أن المهدي هو عيسى بن مريم. وهذا القول وإن كان إعترافاً بفكرة المهدي في أصل الأمر، لكنه في الوقت نفسه يتضمن إنكار مهدي آخر“ المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص30.
وعدَّد من أصحاب هذا الرأي فقال: أي د. عبد العليم:
1- روى ابن أبي شيبه عن مجاهد أنه قال: المهدي عيسى بن مريم.
2- وروى نعيم بن حماد عن الحسن البصري أنه قال: المهدي عيسى بن مريم عليه السلام.
3- وروي عنه أيضاً أنه قال: ما أرى مهدياً فإن كان مـهـدي فهـو عمر بن عبد العزيز، وهذا مع كونه معارضاً لقوله الأول، لم يصح إسناده عنه.
4- قال ابن حبان في صحيحه “ذكر الأخبار عن وصف اسم المهدي واسم أبيه ضد قول من زعم أن المهدي عيسى بن مريم“ انتهى.
وأعلق علي هذا الرأي وأقول: لاتعارض في ذلك لأن اسم الرسول صلى الله عليه وسلم وإسم عيسى بن مريم متطابقان قال تعالى علي لسان عيسى: “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا“ مريم 30. وقال تعالى عن رسول الله صلى الله عليـه وسـلم: “وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا“ الجن 19. وقد بينت في المنشورين السابقين (المنقذ من الفتن ومدمر دولة إسرائيل – القدس ومعركة مصير الأديان) ان عيسى بن مريم يولد مره ثانية في هذه الأمة، وأن اسم أبيه يواطي اسم أب الرسول صلى الله عليه وسلم. انتهي.
5- أبو محمد بن الوليد البغدادي وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عنه أنه أنكر أحاديث المهدي اعتمـاداً علي ما روي عن النبي أنـه قال: “لا مهدي إلا عيسى بن مريم “.
6- وجاء بعد هولاء كلهم ابن خلدون، المؤرخ الشهير فقد حاول إنكار هذه الأحاديث علي منهج النقد لدى المحدثين وإن كان قد أخطأ في تطبيق قواعدهم إلا أنه لم يجزم بالإنكار ولكنه متردد فيه.
7- الحوت البيروتي: وقد ذكر في كتابه ( اسني المطالب ) حديث ”المهدي يصلحه الله في ليلة“ فقال: “فيه ياسين العجلي قال في الميزان عن البخاري: فيه نظر، ثم قال: وفي المهدي أحاديث أفردت في التأليف وكلها فيها مقال وذكر الدكتور عبد العليم عدداً من المفكرين ممن ينكرون حقيقة المهدية باعتبارها فكرة وليدة ظروف سياسية وفي المقابل ذكر الطرف الأخر من السنة الذين يعتقدون بأن المهدي أحد الخلفاء العادلين المسلمين – قال: “وإن خير تعبير لعقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب هو ماتقدم من كلام ابي الحسن الآبري:-
وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكرالمهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وانه يملأ الأرض عدلاً وان عيسى بن مريم عليه السلام يخرج فيساعده علي قتل الدجال وانه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه “ المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص 60.
تـعلـيق:
إن السبب الجوهري في انقسـام الأمة الإسلامية إلى فريقين: سنة وشيعة هي الإمامة وخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يمكن أن ينتهي هذا الخلاف بعد وفاة الإمام علي رضي الله عنه فكان سبب امتداد هذا الخلاف إلى اليوم هو الاختلاف حول المهدي. فيظن السنة أن المهدي الذي ينتظرونه غير منتظر الشيعة ولو اتبع هؤلاء الفرقاء الحق لاتحدوا فيما بينهم فالحق واحد لايتجزأ والحق الذي لا يتجزأ هو أن عيسى بن مريم يولـد مرة ثانيـة في آل البيت. فهو المهدي الذي يرفعه الشيعة إلى درجة الأنبياء مما يثير اشمئزاز أهل السنة فكان هنالك خطأ من الطرفين، ممزوج بسوء فهم الجانبين لحقيقة المهدي المختلف فيه. فلو صحَّ لأصحاب المذهب السني ( أن عيسى بن مريم يولد مرة ثانية وهذا ما أثبته في نشراتي السابقه ) وصححَّ للشيعة اعتقادهم في أن الخليفة البيتي الإمام إنما هو عيسى بن مريم وهذا لا يكلف الشيعة كثيراً; فهُمْ الأقرب إلى هذه الحقيقة من الـسنة وذلك لاعتقادهم برجعة أئمتهم بعد الغياب، تماماً كما يرجع عيسى عند السنة، وعند ذلك ينتفي سبب الخلاف بين الفرقاء.
فصل
من آمـن بحقيقة المهدي يختلف معه عند ظهوره كشخص
قال ابن عربى فى الباب السادس والستين وثلاثمائة فى الفتوحات المكية ج6 م5: ”… إن لله خليفة. .. . من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكا يبيد الظلم وأهله، يقيم الدين، ينفخ الروح فى الإسلام يعز الإسلام به بعد ذلة ويحيا بعد موته، (1) يضع الجزية ويدعو الى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل، (2) يظهر من الدين ماهو عليه فى نفسه ما لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكم به، (3) يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص، أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبةً فيما لديه يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم، يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف الهىَّ، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله. ..” المصدر عنقاء مغرب فى ختم الأولياء وشمس المغرب. ملحق الطبعة الاولى مؤسسة كوثر بتاريخ 1996م -1417هـ. ص90-91.
الشـرح:
المأدبة العظمى بمرج عكا: معركة هرمجدون عند أهل الكتاب.
يحيا بعد موته: يجدد الدين وينفخ فيه الروح بإبطال المذهب السلفى.
يرفع المذاهب: لعدم صلاحيتها فى مسائل جوهرية تخص العقيدة وروح العصر.
أعداؤه مقلدة العلماء: لأنهم اصبحو رواة لاجتهادات أصحاب المذاهب السلفية التى تخالف نصوص الكتاب والسنة إذ يبعث المهدى أصولى المنهج وليس سلفى المذهب.
ما لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكم به: يعيد أصول الدين الصحيح على عهد النبوءة.
التـعلـيق:
1) أهم علامة لصدق دعوة المهدى أن يخالفه علماء أهل زمانه لأنهم انحرفوا عن الدين القيم وجاءهم المهدى بخلاف ما يعتقدون.
2) ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة على المحجة البيضاء وأنها لا تكون كذلك إلا اذا كان الحق فيها واضحاً وتخالف فيه نصوص الكتاب والسنة عقيدة العلماء وهو سبب رفع المهدى لمذاهب الأئمة المجتهدين.
3) أهم معلم للخلاف بين المهدى والأئمة عدم اعتقادهم أنّ المهدى الفاطمى هو عيسى بن مريم.
هذه النشرة (ظهر المهدى المنتظر) تفصل بالنصوص المحكمة من القرآن والسنة الصحيحة أن المهدى الفاطمي هو عيسى بن مريم وهو الدين الحق والمحجة البيضاء الواضحة المعالم، ليلها كنهارها وأبرز معالم المحجة إمامها.
قال تعالى: “يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ“ الإسراء الآية 71.
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعه قال: “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم“ رواه البخارى ومسلم.
وفرض على الأمة بيعته قال صلى الله عليه وسلم: {ومن مات ليس فى عنقه بيعه مات ميته جاهلية“ رواه مسلم. ومقابل ذلك يصبح طريق أئمة الضلالة واضحاً أيضاً وهم مقلـدة العلماء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعريفهـم: “دعـاة بغير هدي تعرف منهم وتنكر“ رواه البخارى ومسلم. فالمهدى يدعو إلى الله بإذنه لأنه يخرج ويدعو بالأمر المباشر من الله، وأئمة الضلالة يدعون وفق أهوائهم فـ”تعرف منهم وتنكر“.
لقد أصبح الحق أبلجاً والباطل لجلجاً، قال تعالى: “لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ“ النساء الآية 165. وقال تعالى: “سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” فصلت الآية 53.
فالله شهيد على ما أقول وأدعي ورسوله، وكفى بالله ورسوله شهيداً، فما ضرنى بعد ضلالة الجهلاء ومكر السفهاء كل دابة هو آخذ بناصيتها.
مقدمة:
لماذا الاهتمام باخبار المهدي المنتظر ؟
أولاً لأنه حضر ولم يعد منتظراً والناس في شأنه علي قسمين. فمنهم من غفل عنه وأعرض عن علامات ظهوره يقـول تعالى: “وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ” يوسف الآية105. ومنهم من استيقن حقيقة وجوده بين ظهرانيهم، وعرف شخصيته ولكن كفر به إحياءً لسنة اليهود قال تعالى: “وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنـَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ“ البقرة الآية 89. وهذا ما نلاحظه الآن ويجري على أرض الواقع فإن الذين رفضوا اتباع المهدي وإمامته اتخذوا الدجال إماماً وهاهي محافل الماسونية – حوار الأديان – يُحْتفي بها هذه الأيام في الخرطوم – وأن ملوك ورؤساء العالم العربي الإسلامي فوضوا أمرهم للولايات المتحدة الأمريكية لتحل قضاياهم في (فلسطين والسودان) وأن عليهم السمع والطاعة لأمريكا فالإمام يطاع ولكنهم لا يلزمون أمريكا بأن تعدل.
لقد أوردت أمريكا المسلمين في كل بقاع الأرض موارد الذل والهوان لأنهم اعرضوا عن اتباع المهدي المنتظر الذي حضر.
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسـول الله صلـى الله عليه وسلم: “يصيب الناس بلاء شديد حتى لا يجد الرجل ملجأ فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطـاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً“ المصدر: عقد الدرر – حديث رقم 10 ص 73. فهاهي أمريكا (الدجال) وقد تمددت في طول الدنيا وعرضها براً وبحراً وجواً بحثاً عن الأصوليين المسلمين في كل أنحاء المعمورة، من الفلبين إلى أمريكا نفسها مروراً بكشمير وأفغانستان واليمن والصومال والسودان والجزائر وفلسطين، حتى وصلت أوربا بحثاً عن المسلمين وتجاوزت ذلك بأن فرضت رقابتها علي البيت الحرام والبلد الآمن (مكة) وجاءت بجنودها مقنعين لإخراس السنة الحجيج عن مجازر الأمريكيين في أفغانستان ودعمهم المعلن وتحريضهم لليهود على إبادة الفلسطينيين, والمخرج بيدكم، يقول تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ“ الرعد الآية 11. فالمهدي هو الذي ينكس أعلام اليهود والأمريكان ويعز الإسلام والمسلمين وهذا هو السبب الموجب للاهتمام بالمهدي.
وسبب آخر عقائدي أخروي. فمعرفة الله لاتتم ولا تصح عبادته إلا بمعرفة المهدي واتباعه قال ابن قضيب ألبان: “قال لي – أي الله سبحانه وتعالى – أهل النيابة هم الخلفاء من أولاد آدم أبدال الأنبياء، بهم يهتدي إلي وبهم اتعرف إلى خلقي“. المصدر: الإنسان الكامل في الإسلام – د. عبد الرحمن بدوي ص 160.
وقال صاحب الياقوته الفريدة:
فمعرفة المولى بمعرفة النبي * ومعرفة النبي بعرفان قدوة
المصدر: الدرة الخريدة ج3 ص 221.
فلا يعرف الله إلا بمعرفة النبي ولا تتم معرفة الله ورسوله إلا باتباع إمام الوقت في كل زمان قال صلى الله عليه وسلم: ”النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفـوا فكانوا حزب ابليس“ المصدر: مستدرك المراجعات – لحسين الراضي: حديث رقم 41 ص 25. لقد اختلفت الأمة واستخف الناس بالدين فضعف عندهم بإدبارهم عنه فخرج فيهم الدجال.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”يخرج الدجال فـي خفة من الدين وإدبار من العلم“ المصدر: التصريح بما تواتر في نزول المسيح حديث رقم 31 ص 192.
وعـن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الأعور الدجال مسيح الضلالة يخرج من قبل المشرق في زمان اختلاف من الناس وفرقة“ المصدر: التصريح – حديث رقم 24- ص 177.
لقد كان الحديثان السابقان لسان حال هذه الأمة فخرج الدجال من غضبة أحداث 11 سبتمبر 2001م وجاء من قبل المشرق بعد أن قضي على حكومة طالبان الإسلامية وأسـر مجاهدي الـقاعدة وجاء إلى جزيرة العرب من قبل المشـرق (أفغانستان) إذ بعد القضاء علي طالبان توجه إلى العالم العربي الإسلامي من اتجاه الشرق.
قالت حفصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنما يخرج من غضبة يغضبها“ المصدر: التذكرة للقرطبي ص 554. فقد خرجت جيوش جورج بوش الابن بسبب غضبه على المسلمين من جراء أحداث 11 سبتمبر 2001م وغزا أفغانستان وعاث في الأرض فساداً وتدميراً وفي المسلمين قتلاً وأسراً وتشريداً وزحف علي ديار المسلمين وأعلنها حرباً صليبية ضد الإسلام والمسلمين في كل مكان بدعم من اللوبي اليهودي تحقيقاً لما جاء في السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: “يكون للمسلمين ثلاثة أمصار، مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام فيفزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال في أعراض الناس ومع الدجال سبعون الفاً عليهم السيجان وأكثر تبعه اليهود والنساء“ المصدر: التصريح حديث رقم 16 ص 162 – 163. فهاهو الدجال قد خرج ومن لم يتخذني إماما سيتخذ الدجال إماما ومن لم يتبعني يتبع الدجال ولم ولن يسلط علي اليهود والأمريكان أحد غيري.
القسم الأول
المهدي الأصولي عند العلماء الأحبار
يكاد يتفق كل أصحاب الملل والأديان في انتظار ظهور أو قيام شخصية خارقة للمألوف وخارجة عن قانون الطبيعة البشرية العادية تظهر في زمن تعم فيه الفوضي وينفرط عقد النظام ويختل ميزان العدالة بظهور جبار في الأرض ينصب نفسه سيداً علي العالم لا يسأل عما يفعل ويتصرف في شئون الخلق كأنه الخالق الرازق باستحواذه علي مصادر الرزق فاشتقت له أسماء وصفات فسمي (الدجال) لكذبه وتزييفه للحقائق وقلبه لمعايير العدالة لتتمشي مع مصالحه فيتخذ الحق باطلاً والباطل حقاً مستخدماً قوته التي لا تقهر في قهر الضعفاء ويرجع بالإنسانية القهقري إلى قانون الغاب ولذلك سمي بــ(الوحش) فيملأ الدنيا ظلماً وجوراً, وفي مقابل ذلك يخرج رجل خارق بالقوة الروحية الربانية ويقهر قوى الدجال الوحش المادية ويقضي عليه ويهزم أتباعه ويقيم ميزان العدالة فيملأ الدنيا عدلاً واشتقت لهذه الشخصية أسماء وصفات منها (المهدي والقائم والإنسان الكامل والمنقذ والمخلص وخليفة الله).
وبمراجعة كتب الأديان المختلفة يخلص الدارس إلى نتيجة واحدة هي أن هذا الشخص المذكور في كل هذه الاديان على اختلافاتها هو المسيح المهدي المنتظر عند اليهود والنصارى والمسلمين والديانات الأخري، ولكن كل ملة تعتقد بقيامه علي دينها ولما كان الإسلام آخر الاديـان السماويـة وأن كتابـه المنـزل (القرآن) هو الكتاب الوحيد الذي لايزال الناس يتداولونه بلغته التي نزل بها ولم يلحقه تحريف بسبب الترجمة فهو المعتمد – أي القرآن – والسنة النبوية والآثار لأنها شارحة للقرآن، والقرآن هوالجسر الذي يربط هذه الأمة بتشريع الأمم السابقة قال تعالى: “شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ…” الشورى 13.
وأمر الله نبيه في القرآن بالإهتداء والإقتداء بالأنبياء السابقين في المسائل العقائدية قال تعالى: “أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ…“ الأنعام 89/90.
أما المسائل الفرعية، فكل دين له شرعه الخاص به المميز له عن ما سواه قال تعالى: “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجـًا وَلَوْ شـَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً..” المائدة 48.
فالإمم متفقه في العقائد ومختلفه في المناسك والشعائر قال تعالى: “قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا…“ البقرة 136-137.
ولما كان القرآن خلاصة الكتب المنزله، فإن مايثبت في القرآن يكون له جذوراً في باقي الأديان، يقول تعالى: “وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ“ الشعراء 196-197. أن الشخصية المتداول ذكرها في كل الأديان هي ذات المسيح عيسى بن مريم المهدي المنتظر في هذه الأمة وأيضاً عند كل الملل، بدليل قوله تعالى: “وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ“ النساء 164.
جاء بهامش (المسيح الدجال) لسعيد أيوب ص299:
“يقول عباد بوذا: إن بوذا ولد من عذراء وكان الشيطان يتكلم معه فقال بوذا ابتعد عني وتعمد بوذا بالماء المقدس، وعندما مات بوذا ودفن شق قبره وعاد للحياة وصعد الى السماء. وسيعود إلى الأرض … الذي سيحاسب الناس يوم القيامة وبوذا لا أول ولا نهاية لأنه خالد وأوصى بوذا أتباعه بالشفقة وأن بوذا هو الأبن الوحيد وأنه تجسّد التأبوت وقدم نفسه ذبيحة ليكفر عن ذنوب البشر ومن ثم يسميه أتباعه المسيح والمخلص والابن“. المصدر: مقارنة الأديان / د.أحمد شلبي ص180.
فالتحريف سنة لازمت الأمم بعد الأنبياء من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم “فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا“ مريم الآية 59. لازمت هذه الأمة بعد وفاة النبي عليه السلام، قال تعالى: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) آل عمران الاية 144. وهنا تظهر أهمية المهدي لتصحيح الأمة باحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعد اندثارها ولا يعني اندثارها ذهاب نصوص الكتاب والسنة؛ بل لجهل الناس بمقاصد تشريع القرآن والسنة أورد القرطبي في التذكرة باب ذهاب العلم:
عن أبي الدرداء: قال كنا قعوداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: “هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا على شيئ منه فقال زياد بن لبيد الانصاري: كيف يختلس منا ونحن قد قرأنا القرآن فوالله لنقرؤه ولنقرئه نسائنا وأبنائنا فقال: “ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فما تغني عنهم“ رواه ابن ماجة.
ففي هذه النشرة، قصدت أن أجلي الحقيقة لأهل الإسلام خاصة وأزيل اللبس الذي أشكل على الأمة وكان السبب الجوهري في تفرقها إلى سنة وشيعة وانقسام السنة فيما بينهم، بين منكر لحقيقة المهدي ومصدق بها وانقسام السنة في التفريق بين المهدي وعيسى وانقسام الشيعة فيما بينها في شخصية المهدي البيتي المنتظر.
وعندما أثبت بالبرهان أن المهدي البيتي العلوي هو عيسى بن مريم سوف تتوحد كلمة طوائف الأمة بإزالة سبب الشقاق، وتختفي كلمتا شيعي وسني وهي الخطوة الأولى لتوحيد الملل كلها لتكون أمتكم أمة واحدة تعبد رباً واحداً أحداً بدءاً بالأمة الإسلامية ومروراً بالنصرانية واليهودية وانتهاءاً بالمانوية والزرادتشية والهندوسية والبوذية وجميع الاديان الأخرى التي ورد اسمها مجملاً تحقيقاً للآية: “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” آل عمـران 19. وقولـه تعالــى: “وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلـَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ“ آل عمران 85.
وقد اخترت لهذا الطرح كتباً ذات اختصاص في هذا الشأن هي:
1- المهدي المنتظر في ضؤ الأحاديث والآثار الصحيحة وأقوال العلماء وآراء الفرق المختلفة. للدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي – المجلد الاول الطبعه الاولي 1420هـ – 1999م.
2- الموسوعة في أحاديث المهدي الضعيفة والموضوعة للدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي – المجلد الثاني الطبعه الاولي 1420هـ/1999م.
3- عقد الدرر في أخبار المنتظر وهو المهدي عليه السلام للشيخ العالم العلامة يوسف بن يحيى بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي. حققه وراجع نصوصه وعلق عليه وخرج أحاديثه الشيخ مهيب بن صالح بن عبد الرحمن البوريني – الطبعة الثانية 1410هـ/1989م.
4- المراجعات – للإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس الله سره، تحقيق وتعليق حسين الراضي الطبعة الثانية: بيروت 1402هـ/1982م.
5- التصريح بما تواتر في نزول المسيح، لإمام العصر المحدث الكبير محمد انورشاه الكشميري الهندي – رتبه تلميذه العلامه المحقق البارع محمد شفيع مفتي باكستان حفظه الله تعالى. حققه وراجع نصوصه وعلق عليه: عبد الفتاح أبو غدة الطبعة الثالثه: بيروت 1401هـ /1981م.
6- الإنسان الكامل في الإسلام للدكتور عبد الرحمن بدوي – الطبعة الثانية – مايو – ايار 1976م.
7- عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب لمحي الدين ابن عربي (560-638هـ).
8- تفسير القرآن الكريم لمحي الدين بن عربي – طبعة دار اليقظة العربية – بيروت 1968.
9- بغية المستفيد في شرح منية المريد تأليف محمد العربي بن السائح.
10- الفرقة الناجية والطائفة المنصورة على ضوء الكتاب والسنة تأليف محمد بن جميل زينو – الطبعة السابعة.
11- مصادر اخرى.
فصل
قائم الشيـعة
لما كنت قد فصلت هذا الميلاد بأدلة القرآن والسنة في نشرات: (هذه سبيلى – المنقذ من الفتن – الحجة البالغة – القدس ومعركة مصير الاديان) فإني سوف أوجز ذلك هنا في عرض سريع للتذكير.
فعيسى بن مريم رفع إلى الله، وليس إلى السماء قال تعالى: “وَرَافِعُكَ إلى“ آل عمران الآية55. وقال: “بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ“ النساء الآية 158. وأنه لم يكن خالـداً لقولـه تعالى: “وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ“ الأنبياء الآية. فعيسى بشر وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الآية نفي لبقائه بشراً بجسمه والبقاء لروحه وهذا مما سهل نزولها في الأرحام وميلاده مرة ثانية في آل البيت لقوله تعالى: “وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا“ آل عمران الآية 46. هذه الآية دليل قاطع علي ميلاد عيسى بن مريم ثانية في هذه الأمة فالكهولة هي العمر ما بين 40-50 سنة والشيخوخة بعد ذلك فلو بقى عيسى بجسده الذي رفع به لاستخدم القرآن في عودته كلمـة (شيخاً) بدلاً من”كَهْلًا“ فهذا عام 2002 من الميلاد الأول فيحتاج عيسى بن مريم إلى ميلاد ثانٍ ليكلم الناس كهلاً.
فيكون عيسى بن مريم المولود في آل البيت هو إمام السنة المنتظر وهوأيضاً إمام الشيعة المنتظر كما أسلفت فإن الشيعة يحومون حول هذه الحقيقة – حقيقة عيسى بن مريم – وهو المهدي البيتي عندهم ولبيان هذا الامر، نستعرض أراء الشيعة في هذا الصدد نقلاً عن كتاب المهدي المنتظر في ضؤ الأحاديث والآثار الصحيحة للدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي وأتدخل بالشرح والتوضيح إذا لزم الامر.
قال الدكتور عبد العليم: “ولقد لخص (جولد زَيْهَر) هذه الفرق في كتابه (العقيدة والشريعه في الاسلام) فقال: ”والرجعة إحدى العناصر الجوهرية في نظرية الإمامة عند كافة فروع الشيعة“ ويعتقد كل فرع منها بخلوده وعودته إلى الظهور في المستقبل مهدياً“ المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص 61.
التعليق:
هذا الاعتقاد ينطبق تماماً علي عودة عيسى بن مريم عند السنة ولما ثبت بالنص القرآني ميلاد عيسى بن مريم ثانيةً في آل البيت، فلا سبب يدعو الشيعة إلى إنكار أن عيسى بن مريم هو إمامهم من آل البيت الذي ينتظرون رجعته بعد غيبته مهدياً وهو قائم أهل البيت وليس محمد بن الحسن العسكري المختلف فيه أصلا حتى بين الشيعة أنفسهم، ولمزيد من الإيضاح عن عقيدة الشيعة في الرجعة أورد ما ذكره الدكتور عبد العليم قال:
السبائية: “هم أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي وقد تقدم أنه كان يدعي رجعة علي بن أبي طالب وقد قيل لابن سبأ أن علياً قد قتل، فقال: ”إن جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته لا يموت حتى ينزل من السماء، ويملك الأرض بحذافيرها) وتري هذه الفرقة أن علياً هو المهدي المنتظر دون غيره، “وأنه يرجع إلى الدنيا قبـل يوم القيامة فيملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً” المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص 64.
تعليق:
إن أوصاف هذه الرجعه المتصف بها علي كرم الله وجهه، عند الشيعة تطابق تماماً رجعة عيسى بن مريم عند السنيين فقد روى الحسن مرسلاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم لليهـود “إن عيسى لم يمت وأنه راجع إليكم قبل يوم القيامة“ ذكره ابن كثير في تفسير سورة آل عمران وسورة النساء.
الكسائية: “وقد اتفقت فرق الكسائية كلها على إمامة ابن الحنفية في حياته ولكن بعدما مات، أقر قوم منهم بموته وحولوا الإمامة إلى غيره على خلاف كثير منهم. وقال قوم آخرون: أنه حي ولم يمت وأنه في جبل رضوي وعنده عين من الماء وعين من العسل، ويأتيه رزقه غدواً وعشياً، تحدثه الملائكة وعن يمينه أسد وعن يساره نمر، يحفظانه من أعدائه إلى وقت خروجه. وأنه صاحب الزمان يخرج ويقتل الدجال ويهدي الناس من الضلالة ويصلح الأرض بعد فسادها ولم يمت ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً“ المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص 66/67.
تعليق:
قوله ويقتل الدجال، لاينطبق إلا على عيسى بن مريم لقوله صلى الله عليه وسلم: “لم يسلـط علي قتل الدجال إلا عيسى بن مريم“. التصريح حديث رقم 28 ص182.
الجارودية: “وهم فرع من الزيدية – والجارودية هم أتباع أبي الجارود زياد بن زياد وقد اختلفوا في انتظار مهديهم ورجعته فمنهم من لم يعين أحداً بالانتظار وقال: كل من شهر سيفه ودعا إلى دينه من ولد الحسن أو الحسين ومنهم من ينتظر محمد بن عبد الله، النفس الزكية وكان محمد بن عبد الله النفس الزكية قد بايعه جماعة من أهل الحجاز في أواخر دولة مروان الحمار بالخلافة قال ابن كثير: “تلقب بالمهدي طمعاً أن يكون هو المذكور في الأحاديث فلم يكن به ولا تم له مارجاه ولا تمناه, فإنا لله” لقد قتل محمد بن عبد الله، ولكن الجارودية اختلفوا في موته فقالت جماعه منهم: أنه قد مات، وساقوا الإمامه إلى غيره وقال آخرون: أنه حي لم يقتل ولا مات ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويزعمون أنه هو المهدي المنتظر، الذي يخرج فيملك الارض. وقول هولاء فيه، كقول المحمدية من الإمامية فهم أيضاً ينتظرون محمد بن عبد الله هذا ويشترك معهم أيضاً المغيرية من الرافضية من أتباع المغير بن سعيد وهم أيضاً ينتظرون رجعة محمد النفس الزكية ويزعمون أنه هو المهدي وأنه حي مقيم بجبال ناحية الحاجز وأنه لايزال مقيماً هناك إلى أوان خروجه. وطائفه أخرى من الجارودية تنتظر يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي – وقد خرج بالكوفة أيام المستعين فوجه اليه محمد بن عبد الله بن طاهر ابن عمه الحسين بن اسماعيل، فقتل يحيى بن عمه، وذلك في سنة 248هـ أو 250هـ. فقالت الطائفه المذكورة أن يحيى بن عمر هذا حي لم يقتل ولا مات ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ومنهم من ساق الإمامه إلى محمد بن القاسم بن علي وكان بالطائف أيام المعتصم، فسجن في إحدي قباب قصره فهرب من سجنه فاختلف فيه الناس، فقيل أنه اختفى إلى أن توفي وقيل عاش إلى أيام المتوكل فحبس ومات في حبسه ولكن زعم كثير من الجارودية أنه حي لم يمت ولا قتل ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وأنـه مهـدي هذه الأمة” المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الأول ص 69-73.
تعليق:
اختلاف الشيعة في موت أئمتهم يطابق اختلاف اليهود في عيسى يقول تعالى: “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ.. “ النساء 157.
الإمامية: “ويدعون الإمامية لزعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على إمامة علي رضي الله عنه نصاً ظاهراً ويقيناً صادقاً – وقد اختلفوا فرقاً كثيرة جداً، حتى قال بعضهم أن نيفاً وسبعين فرقة من الفرق المذكورة في الخبر هي في الشيعة خاصة ومن عداهم فهو خارج عن الأمة وذكر عبد القاهر البغدادي منهم خمس عشرة فرقة وسأذكر بعضهم هنا، وهم من عَرفَّتَ لهم مهدياً خاصاً ينتظرون رجعته ويدعون غيبته:
1- الكاملية: وهم يقولون برجعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
2- المحمدية: وهم ينتظرون محمد بن عبد الله النفس الزكية ويزعمون أنه في جبـل حاجز من ناحية نجد، إلى أن يؤمر بالخروج فيخرج ويملك الأرض.
3- الباقرية: وهم ينتظرون محمد الباقر ويزعمون أنه هو المهدي المنتظر روى المحاملي في (آماله) عنه أنه قال: “يزعمون أني أنا المهدي وأني إلى أجلي أدني مني إلى مايدعون“.
4- الناووسية: أتباع رجل من أهل البصرة كان ينتسب إلى ناووس بها – وقيل نسبوا إلى قرية ناوسا – وهم ينتظرون جعفر الصادق ويزعمون أنه لم يمت وأنه هو المهدي المنتظر.
5- الشميطية: أتباع يحيى بن أبي شميط، وقد صدقوا بموت جعفر وأداروا الإمامة وزعموا أن المنتظر من ولده.
6- الاسماعيلية: قالوا أن الإمام بعد جعفر هو ابنه اسماعيل وقد مات اسماعيل هذا في حياة والده ولكن طائفة منهم قالت أنه لم يمت ولا يموت حتى يملك، إنما أظهر موته “تقيه” من خلفاء بني العباس فهم ينتظرون رجعته.
7- المباركية: وهم فرقة من الاسماعيلية أقروا بموت اسماعيل وجعلوا الإمامة بعده لابنه محمد بن اسماعيل بن جعفر، وقالوا برجعته وغيبته.
8- القرامطه: وقد ذكر الأشعري في (المقالات والملطي في التنبيه والرد) أنهم فرقة من الإمامية أتباع قرمط ظهروا سنة 281هـ في خلافة المعتصم بالله وهم ينتظرون أيضاً محمد بن اسماعيل بن جعفر وزعموا أنه حي إلى اليوم ولم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به، واحتجوا في ذلك بروايات رووها عن اسلافهم يخبرون فيها أن سابع الائمة قائمهم.
9- الموسوية: قالوا أن الإمام بعد جعفر هو ابنه موسى بن جعفر وزعموا أنه حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها وحتى يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً.
10- الاثناعشرية: وهي أشهر فرق الإمامية الموجودة في هذه الإيام ويسمون (القطعية) أيضاً لأنهم قطعوا بموت موسى بن جعفر قال ابن حزم: وهم جمهور الشيعة ومنهم المتكلمون والنظارون والعدد العظيم. وهم يقولون باثني عشر إمام وهم: علي ثم ابنه الحسن ثم اخوه الحسين ثم علي زين العابدين ثم ولده محمد الباقر ثم ولده جعفر الصادق ثم ولده موسى الكاظم ثم علي الرضا ثم محمد التقي ثم علي النقي ثم الحسن العسكري ثم ولده المزعوم محمد. ويزعمون أن للحسن العسكري ولداً سماه محمداً واختفى هذا الولد خوفاً من حكام عصره في سرداب دار أبيه وسيخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً وهو المهدي المنتظر عندهم. المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص73-77.
تعليق:
كل من تدبر وتبصر في مذاهب الشيعة من خلال عرض هذا الكتاب يعلم يقيناً أن الشيعة إنما يبحثون عن رجعة عيسى بن مريم بميلاده الثاني في هذه الأمة في آل البيت فلو كانوا يعلمون ذلك لما تردوا بعقولهم إلى هذا الاعتقاد في رجعة من مات من أئمتهم بما يجافي سنة الحياة ويخالف قوله تعالى: “وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ“ الأنبياء 95. والهلاك يعني الموت قال صلى الله عليه وسلم: “كلما هلك نبي خلفه نبي“ وأن عيسى لم يمت وهو سبب رجعته.
فصل
قائم أهل البيت هو عيسى بن مريم
لمعرفة عقيدة الشيعة والسنيين ( الصوفية والأصوليين ) لابد من معرفة الأصول التي يستمدون منها معارفهم وهي القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
1) القرآن: نزل بلغة بيانية قال تعالى: “حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ“ الزخرف الآية 1-2 وأنزل علي قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بلغة البيان وأمر الله رسوله أن يبلغه بهذا البيان قال تعالى: “وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ“ الشعراء 192-195.
2) أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: جاءت كذلك باسلوب بياني قال تعالى: “وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ“ النحل 64. والبيان هو الجمع بين التصريح والتلميح واللحن والتعريض والتشبيه والتمثيل باسلوب بلاغي رائع وجامع لكل فنون اللغة العربية الفصحى. واسلوب البيان هو الذي أعطى القرآن المحصور في المصحف، من سـورة الناس إلى ســورة البقرة والفاتحة والذي يمكن أن يكتب (بلتر) من المداد وبقلم بوص لا يتعدى الفص أو الفصـين الذي أتم الله كلماته بموجب قوله تعالى: “وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ“ الأنعام 115. أعطي الاسلوب البياني هذه الكلمات المعدودة والمحصورة سعة من العلم حتى قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ“ لقمان 27. وقــال تعالى: “قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا“ الكهف 109. وهذا الاسلوب البياني هو الذي طبع القرآن بطابع قوله تعالى: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعـِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ“ الزمر 23. متشابهاً مثاني يعني أن أحكامه تنطبق على الأحداث ومثيلاتها فجاء تعريف القرآن للأشخاص المعنيين باسلوب بياني، فقال: “يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ“ الرحمن 41. وليس باسمائهم او اسماء آبائهم ومثله قوله تعالى: “تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ…“ البقرة 273. وهذا هو الاسلوب الذي استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم في تعريف شخصية المهدي. وأذكر هنا أمثلة من الأحاديث الصحيحة التي صنفها الدكتور عبد العليم في ذكر المهدي بنفس ترقيمه.
عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قـال: ”لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً“ المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الأول ص 233 حديث رقم 20.
أقول: إن المهدي هو عيسى بن مريم بدلالة قوله: “لو لـم يبق من الدنيا إلا يوم“ لأن عيسى بن مريم هو آخر المهديين في هذه الأمة بلا ريب، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: “لا يزال هذا الأمر في قريـش ما بقي من الناس اثنان“ فلا مدخل لأمارة عيسى في هذه الأمة إلا بميلاده فيها وانتسابه لقريش وآل البيت قال صلى الله عليه وسلم: “فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليقدم عيسى، فيضع عيسى عليه السلام يده بين كتفيه، ثم يقول له تقدم فصلَ، فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم. .. فيكون عيسى بن مريم في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً“ رواه ابن ماجة بسند صحيح أو حسن. المصدر: التصريح – حديث رقم 13 ص142.
فعيسى بن مريم هو خليفة المهدي أي بعده في الترتيب الزمني.
لقد خلفت الإمام محمد أحمد المهدي مجدد القرن الماضي إذ بعثت مجدداً للقرن الذي يلي قرنه. وخلفت الشيخ ابراهيم الكولخي بلا فاصل زمني كما في حديث الأبدال:
روى أحمد بسند صحيح عن علي بن أبي طالب: “أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: البدلاء يكونون بالشام وهم أبعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم البلاء“.
وخلفت الرئيس جعفر محمد نميري الذي طبق قوانين الشريعة، وعطلها الحكام بعده، وسأخلفه على مواصلة تطبيق الشريعة الإسلامية بعد انقطاع.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ينزل عيسى بن مريم فيقتل الدجال ويمكث اربعين عاماً يعمل فيهم بكتاب الله وسنتي ويموت، فيستخلفون بأمر عيسى رجلاً من بني تميم يقال له المقعد فاذا مات المقعد لم يات علي الناس ثلاث سـنين حتى يرفع القرآن مـن صدور الرجال ومصاحفهم“. المصدر: التصريح حديث رقم 55 ص 231 أخرجه بن حبان.
التعليق:
لا مجال هنا لرجل من أهل البيت بعد عيسى، كما أن الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم في عيسى بن مريم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أن عيسى بن مريم ليس بيني وبينه نبي ولا رسول ألا أنه خليفتي في أمتي من بعدي” أخرجة الطبراني في الدر المنثور. المصدر: التصريح – حديث رقم 67 ص 250.
التعليق:
عيسى بن مريم خليفة رسول الله في أمته من بعده والمقعد التميمي هو خليفة عيسى من بعده في هذه الأمة، فإن هذين الحديثين حصرا الخلافة في عيسى بن مريم كما أن الحديث الآتي يثبت مهدية عيسى.
عن عبد الله بن مغّفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ما أهبط الله عزّ وجلّ إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعه فتنة أعظم من فتنة الدجال. .. ثم ينزل عيسى بن مريم مصدقاً بمحمد على ملته إماماً مهدياً وحكماً عدلاً فيقتل الدجال “ المصدر التصريح – حديث رقم 38 ص 205 أخرجه الطبراني.
والحديث الآتي حصر المهدية في عيسى:
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزداد الامر إلا شدة ولا الدنيا إلا ادباراً ولا الناس إلا شحاً ولا تقوم الساعه إلا على شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى بن مريم“ حديث صحيح عند ابن كثير كما جاء في كتابه النهاية في الفتن والملاحم.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يـقول: “المهدي من عترتي من ولد فاطمة“ المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص 95. أخرجه أبوداؤود.
وفي الآثار الصحيحة عن الدكتور عبد العليم:
عن قتادة قال: “قلت لسعيد بن المسيب: المهدي حق هو؟ قال حق. قلت: فمن هو؟ قال: من قريش. قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم. قلت: أي بني هاشم؟ قال: من بني عبد المطلب. قلت: من أي بني عبد المطلب؟ قال: من ولد فاطمة“ أخرجه بن حماد. المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص224 حديث رقم 17.
( فالمهدي حق) في الحديث عند ابن كثير هو عيسى بن مريم. (والمهدي حق) في الأثر عند سعيد بن المسيب هو من ولد فاطمة.
ولما كان عيسى بن مريم لا أب له، جاء ذكر ميلاده فـي سورة البلـد: “وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ“ سورة البلد الاية 3. فالوالد هو الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق حفيده الذي يلد عيسى بن مريم أي تلده امراة متزوجة به وفي ذات الوقت لاتربطه به صلة رحمية، كما كانت صلة عيسى بأمه مريم إذ لا يرتبط بها بصلة رحمية أي ليس بضعة منها.
وقد عبر القرآن عن هذه الصلة بنفي أمومة مريم عن عيسى بقوله تعالى: “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ“ آل عمران 59-60.
ولهذا بين القرآن ميلاد عيسى في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم باسلوب بلاغي ولم يذكره تصريحاً فقال تعالى: “وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ“ وبين ميلاده في ولد فاطمة باسلوب بلاغي من دون تصريح فقال في مجادلة النصارلى بشأن عيسى يقول تعالى: “فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ“ آل عمران 61. ومناظرة الرسول صلى الله عليه وسلم النصارى بآل بيته في الخصام على عيسى دليل على أنه يولد فيهم دون أن يكون ابنا لله ولكن كما بينته الآية “وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ“ تماما كما كان الحال مع بني اسرائيل “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ“ آل عمران 59. وفي كتاب التصريح ورد في الأثر عن ابن زيد في قولـه تعـالى: “وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ“ قال: “قد كلمهم عيسى بن مريم في المهد وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهلا“.
أقول: هذا عام ألفين واثنين، من ميلاده الأول ولن يكلم الناس كهلاً في هذه الأمة إلا بميلاد جديد، وهذا الميلاد الجديد هوالذي أكسب عيسى بعد العودة صفة المهدي البيتي الفاطمي، الذي بدأ الشيعة يلتمسونه في كل أئمتهم من مات منهم أو قتل أو اختفي فما الغائب المنتظرعند الشيعة إلا عيسى بن مريم، وما المهدي المنتظر الفاطمي عند السنة إلا عيسى بن مريم، والذي أشكل على هؤلاء وهؤلاء، هو أنه لم يكن في حسبانهم أن عيسى بن مريم يولد مرة ثانية في هذه الأمة.
فالمهدي حق هو عيسى بن مريم، وهو من آل البيت علوي فاطمي. وإن هذه الصفة يشركه فيها كل مهدي، إذ يوجد في الحقيقة أكثر من مهدي وكلهم من أهل البيت. والذي يعنينا في هذا البحث الموجز هو إثبات أن عيسى بن مريم هو أخص المهديين في أهل البيت الفاطمي.
أن الله قد بعث الرسل مهديين. يقول تعالى: “وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ“ الانعام 83-90.
ولما كتب الله العودة لعيسى بن مريم، وقد ختمت النبوة، بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يختم الله الهداية به، بل استمرت في عقبه، حتى يختمها منهم عيسى بن مريم.
قال صلى الله عليه وسلم: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي“ أخرجه أبو داؤد 5/13 وابن ماجة 1/6 وأحمد 4/126-127 والترمذى 5/44 وقال حسن صحيح.
فقد ورد ذكر المهديين بصيغة الجمع، أي أكثر من مهدي وأخصهم عيسى بن مريم، بالتصريح بمهديته في آيات الأنعام السابقة.
فهي صفة ملازمة له بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لاستمرار الهداية بعده كما أن الكتاب العزيز بيّن مهدية عيسى في هذه الأمة من غير تصريح في قوله تعالى: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ“ براءة 33. الفتح 28. الصف 8. هـذه الآيـات بينت أن هـذا (الرسول) أرسـل “بِالْهُدَى“ الصف 9. وليس بالرسالة. والفرق واضـح بيـن هذه الآيـات، وقوله تعالى: “أَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا“ النساء 79. فهنا أرسل الله الرسول رسولاً وفي الآيات السابقة أرسل الرسول مهديا. والمقصود هو عيسى بن مريم وليس الرسول صلى الله عليه وسلم. وبناءً علي قاعـدة القرآن البيانيــة ”فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ” محمد الآيـة30. “تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ” البقرة الآية 273. ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يظهر الإسلام في زمانه علي الدين كله، فإنه ليس هو المقصود بهذه الآيات.
ولما ختم الإرسال ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم أصبح من المؤكد أن صفة الرسول المبعوث مهدياً لا تنطبق إلا على عيسى بن مريم بالإضافة لذكر الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة أن الإسلام يظهر علي الدين كله في زمن عيسى بن مريم.
فقد روي الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه رسول ولا نبي، وأنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجلاً مربوعاً إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل. فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويدعو الناس الى الإسلام فيهلك الله في زمانه الملل كلهـا إلا الإسلام“. المصدر: التصريح –حديث رقم 1 ص96.
ومن المعلوم أن الإسلام لم يظهر على الدين كله في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه اخبر أن ذلك سيكون على يد عيسى بن مريم وأقواله صلى الله عليه وسلم تشرح تلك الآيات.
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يملك رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً ويقسم المال بالسوية، ويجعل الله الغني في قلوب هذه الأمة، فيمكث سبعا أو تسعا، ثم لا خير في عيش الحياة بعد المهدي“ أخرجه أبو نعيم، وحكاه السيوطي في (الحاوي) وله شواهد صحيحة وحسنة. المصدر: عقد الدرر حديث رقم 2840 ص244.
هذا الرجل الذي من آل البيت، هو عيسى بن مريم بشاهد قوله: “لا خير في عيش الحياة بــعد المهدي“ ذلك للخير الذي يصيب الأمة في زمن عيسى بن مريم. وبعده يكون شرار الناس روى مسلم من حديث النواس بن سمعان قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… فتقبض روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة”.
وتؤيد طائفة من الأحاديث النبوية، الاعتقاد الراجح بأن المهدي البيتي آخر الأمة هو عيسى بن مريم منها الأتي:
أ/ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ينزل عيسى بن مريم علي ثمانمائة رجل واربعمائة امراة اخيار من علي الأرض وصلحـاء من مضي” أخرجه الديلمي. المصدر:التصريح. حديث رقم 69 ص 254.
ب/ جاء في الأثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: “أحب شيئ إلى الله الغرباء. قيل: أي شيئ الغرباء؟ قال: الذين يفرون بدينهم ويجتمعون إلى عيسى بن مريم” أخرجه نعيم بن حماد فـي (الفتن) المصدر: التصريح – حديث رقم 52ص 228.
ج/ عن ثوبان مولى رسول الله رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “عصابتان من أمتـي احرزهما الله من النار, عصابة تغزو الهند وعصابة تكـون مع عيسى بن مريم عليه السلام” أخرجه النسائي واحمد، وصحيح علي شرط النسائي. المصدر: التصريح – حديث رقم 9 ص139.
د/عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: بعثني خالد بن الوليد بشيراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤته, فلما دخلت عليه قلت: يا رسول الله. فقال: “على رسلك يا عبد الرحمن. أَخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل، رحم الله زيداً، ثم أخذ اللواء جعفر فقاتل فقتل، رحم الله جعفر، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة, فقاتل فقتل، رحم الله عبد الله. ثم اخذ اللواء خالد، ففتح الله لخالد. فخالد سيف من سيوف الله. فبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يبكيكم ؟ قالوا: ومالنا لا نبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا. فقال: لا تبكوا فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فاجتث زواكيها, وهيأ مساكنها, وحلق سعفها. فأطعمت عاماً فوجاً ثم عاما فوجاً ثم عاماً فوجاً. فلعل آخرها طعماً يكون أجودها قنواناً أطولها شمراخاً. والذي بعثني بالحق نبياً ليجدن عيسى بن مريم في أمتي خلفاً من حواريه” أخرجه الحكيم الترمذي المصدر: التصريح. حديث رقم 40 ص211.
فصل
اسم المهدي
عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يلي أمر هذه الأمة في آخر زمانها رجل من أهـل بيتـي يواطئ اسمه اسمي” أخرجه أبو نعيم والطبراني. د.عبد العليم. حديث رقم 24 ص 258. فآخر الأمة هو عيسى بن مريم.
قال كعب: وذلك يصُدِّق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قـال: “كيف تهلك أمـة أنا في أولها وعيسى في آخرها” أخرجه بن جرير بسند صحيح. المصدر: التصريح –حديث رقم 65 ص 246.
فالرجل من آل البيت آخر هذه الأمة هو عيسى بن مريم. أما المهدي البيتي الآخر، فهو في وسطها وليس في آخرها. عن ابن عباس رضي الله عنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: “لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى بن مريم في آخرها, والمهدي في وسطها” رواه النسائي: المصدر: التصريح –حديث رقم 27 ص 181.
وما ورد في نص الحديث “يواطئ اسمه اسمي“ لا يتعارض مع كونه عيسى بن مريم. بل يتوافق معه. فالقاعدة التي حددتها التوراة لتعريف اليهود بعيسى، تتفق مع لغة البيان التي نزل بها القرآن. فقد جاء التبشير بعيسى بن مريم في التوراة باسم صفته وهو (المسيح ) ولما جاءهم باسم عيسى، وولد من امراة عذراء أنكروا عليه ذلك، لأنه لم يرد أخبار صريح بذلك. وتكرر المشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ ورد في الانجيل باسم (أحمد). قال تعالى: “وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحمد” الصف 6. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء باسم (محمد) وبلغه البيان، فإن (أحمد) يواطئ (محمد) لأن صفة (الحمد) تجمع بينهما لسمات ومواصفات مشتركه بين الاسمين وعلي قاعدة الـقرآن البيانية ”تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ” و “وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ” فإن اسم (محمد) يواطئ اسم (أحمد) واسم (أحمد) اسم بياني للصفات المحموده التي ياتي بها وتكون سبباً لأن يحمده النـاس من أجـلها, والمبينه في قـولـه تعالى: “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ” الأعراف 157. إذ الحنيفية السمحة أحمد صفات خلقه المحمود.
وهذه القاعدة سار على هداها النبي صلى الله عليه وسلم لبيان اسم المهدي المنتظر من أهل البيت فـقال “يواطئ اسمه اسمي” فإن الاسم الذي يواطئ اسم الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن هو اسم عيسى بن مريم. قال تعالى: “وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا” الجن 19. فعـبد الله هنا هـو اسـم (محمد) صلى الله عليه وسلم وقال تعالى علي لسان عيسى: ”قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ” مريم 30-31. و(عبد الله) هنا اسم عيسى بن مريم ومن هنا نعلم أن المهدي البيتي الذي يواطئ اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم هو المسيح عيسى بن مريم. وأن هذه الصفة – مؤاطاة – اسمه ملازمة له حتى فترة الهداية لقوله تعالى: “أَيْنَ مـَا كُنْتُ” لأن كلمة (أين ما) تفيد ظرفي المكان والزمان السابق في بني آسرائيل واللاحق في آخر هذه الأمة.
وورد في حديث آخر أن اسم ابيه يواطئ اسم أب النبي, عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي” أخرجه أبو داؤود في كتاب (المهدي) المصدر: المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة المجلد الاول ص262 حديث رقم 25.
ومعلوم أن هذا اليوم الاخير من عمر الدنيا لا يبعث فيه إلا عيسى بن مريم في هذه الأمة فهو آخـر خلفائهـا لقولـه تعالى: “وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ” آل عمران الآية55. فهو آخر الخلفاء الراشدين ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: “…أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها” رواه الحاكم وأقر الذهبي الحاكم علي تصحيحه. المصدر: التصريح حديث رقم 18 ص 170.
هذا الحديث, وحديث أبي داؤود الذي قبله يكفيان على دلالة أن لعيسى بن مريم أب في هذه الأمة والمهم هنا معرفة اسم ابيه الذي يؤاطي اسم أب الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد علمنا أن الاسم المواطئ غير الاسم الصريح. بل المقصود أن تكون هناك صفات تشير باللحن إلى المقصود، لا بالنص الصريح وعلى هذه القاعدة يعرف اسم أب المسيح، والد النبي اسـمه (عبد الله) واسم أبي عنــد ولادتـه (عبد القاسم) فـإن (عبد القاسم ) يؤاطئ اسم (عبد الله) لأن (القاسم) هو الله تعالى بقولـه: “نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ” الزخرف الآية32. فالقاسم اسم صفة لله لأنه هو قاسم الارزاق.
فاسم (عبد القاسم) يواطئ اسم (عبد الله) وعلى العكس فلو كان اسم أب عيسى (عبد الله) لسماه بصريح العبارة وتوجد إشارات بيانية أخرى لاسم المهدي هذا عن السميط قال: (اسمه اسم نبي) أخرجه أبو عمر الداني المصدر: د. عبد العليم ج1 رقم 19 ص 227.
ولم يفصل هذا الأثر اسم هذا النبي والأنبياء كثر ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بينه في قوله “سلمان منا أهل البيت”.
ظن جمهور الصحابة والعلماء أن سلمان هذا هو سلمان الفارسي. وهذا الاعتقاد مردود بالقرآن والسنة لكونـه فارسـي وهذا مـن أهل البيت قال تعالى: “ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ” الأحزاب 5 وقال تعالى: “وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ” الأنفال 75 وقـال تعالى: “وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ” الأحزاب 6 لقد عرَّض الرسول صلى الله عليه وسلم بسلمان الفارسي وقصد سلمان المهدي من أهل البيت.
وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن في معاريض الكلام مندوحة عن الكذب”.
وسلمان الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم هو اسم المهدي (سليمان) الوارد في الاثر عن حكيم بن سعد قال: ”لما قام سليمان فأظهر ما أظهر قلت لأبي يحيى: هذا المهدي الذي يذكر” أخرجه ابن أبي شيبه. المصدر: د. عبد العليم ج2 رقم 117 – 163 ص 180.
هذه دلالة علي أن المهدي اسمه سليمان في هذا الاثر، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: “سلمان منا أهل البيت” واسمه اسم نبي مطابقا لاسم نبي الله (سليمان). وخلاصة هذا الفصل هو أن المهدي الذي يؤاطئ اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم واسم أبيه يواطئ اسم أب النبي هو سليمان أبو القاسم (عبد القاسم).
لقد اعترف لي عدد غير قليل من العلماء وكثير من الناس بأنهم لا يشكون أبداً في مهديتي لما قمت به من تصحيح واضح وملموس لأخطاء العلماء في العقيدة بمخالفتهم لنصوص صريحة في الكتاب والسنة التي لا تقبل الجدل ولا تحتمل اختلاف وجهات النظر ولا تتسع لاجتهادات المفكرين بقطعية دلالتها إلا أنهم ترددوا في مبايعتي واتباعي لأنني جئتهم بفهم جديد وأنهم طبعوا على اتباع القديم الموروث فاتبعوا سنن الذين من قبلهم حذو القذة بالقذة فمنهم من نطق لسان حاله وآخرون صرحوا بلسان مقالهم وقالــوا: “إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ” الزخرف 23.
لقد قمت بتجديد واضح للدين لم يختلف في ذلك العلماء وعلى ذلك فقد أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم على الأمة مبايعتي قال: “كانت بنو إسرائيل تسوسهم الانبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا؟ قال فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهـم فإن الله سائلهم عما استرعاهم” رواه مسلم.
وأوجب الله طاعتي بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا” النساء 59.
ومن مات ولم يبايعني مات على غير الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ومن مات ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” رواه مسلم. وقال أيضاً: “من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية” أخرجه البخاري بمعناه حديث رقم 7054 ومسلم بمعناه حديث رقم 1849.
فأنا إمام الجماعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنما الإمام جنه يقاتل من ورائه ويتقى به” رواه مسلم.
فأنا جنه المسلمين اليوم وفئتهم ولو اتبعوني لنصرهم الله على اليهود والنصارى.
القسم الثاني
المهدي الصوفي عند العلماء الربانيين
فصل
صفات الإنسان الكامل
قال الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (الانسان الكامل في الاسلام): ”وللاولياء طبقات مرتبة يقوم علي ذروتها (القطب) – و(القطب) كما بين (نيبرج) فأجاد يحمل تماماً نفس ملامح وصفات (الإمام المستور) عند الشيعة – وهذا القطب يمثل الوحي الالهي في كل جيل. ان الولي الكامل هو بعينه الانسان الكامل تماماً وهو خليفة الله في الكون”. د. عبد الرحمن البدوي الانسان الكامل في الاسلام ص 67.
هذا الكلام صريح في إن الإمام المستور عند الشيعه هو الانسان الكامل, وخليفة الله في الكون هو عيسى بن مريم, ويشهد علي ذلك الإمام علي نفسه في قوله في خطبة البيان: ”أنـا مهـدي الأوان، أنا عيسى الزمان”. د. عبد الرحمن بدوي. الانسان الكامل في الاسلام ص 142.
وهذا الخليفة المذكور، هو الذي أفرد له ابن عربي كتابه المسمى (عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب). يقول فيه:
”فان القصد من هذا الكتاب إنما هو معرفة الخليفة والختم وتنزل الامر الحتم – فنقول فرجع عوده على بدئه في ليله وادرك صلاة الصبح مع أهله فتسود ذلك الجسد على أمثاله ممن تقدم أو تأخر من أشكاله”. عنقاء (لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظاام المواقيت).
أقول: هذا الخليفة له شكل تقدم، وشكل تأخر وهي صفات لا تنطبق في الخلق إلا على عيسى بن مريم لأنه سبق أن تمثل له شكل في بني اسرائيل ويتمثل له شكل متأخر في هذه الأمة. قال عز وجل: ”إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ” (59) سورة الزخرف.
ولابن عربي اسلوبه الخاص به، في تعريف هذا الخليفة يقول: ”ولما تناجت القلوب بأسرارها، وطلعت الشموس من سماء أنوارها, وأخذ المجلس حده ودخل (أبو العباس) وصاحبه عنده، انصرفت محققاً بما عرفت، ولم تبق نكتة نادرة إلا على باب حضرتي واردة وصادرة ولولا عهد الغيرة ما أخذ، ودخيل الافشا الذي نبذ, لأبرزناه لكم في حلته وبيته، ولكن سأجعله لكم وراء كنيته فمن اجترى ورفع ستره، رأى سيره وهكذا فعله في شمس غربنا… وفعله قبلي من خفي رمز ودرج معني في معمي ولغز” عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس).
أقول: فابن عربي هنا يتكلم عن إمامين، أحدهما الخاتم أحمد التجاني والذي سماه بكنيته ( أبو العباس) وصاحبه وهو المهدي التجاني, وهو عيسى بن مريم وأشار اليه بقوله ”وهكذا فعله في شمس غربنا” وشمس المغرب المقصود بها عيسى بن مريم كما سنبين ذلك لاحقاً. ووصف ابن عربي اسلوبه في توضيح مقام الشيخ أحمد التجاني والمهدي عيسى بن مريم بأنه:
1) خفي رمز: يرمز إليه بإشارات خفية.
2) درج معني في معمي: يستعمل اسلوب التعمية في اخفاء المقصود.
3) لغز: يحتاج إلى مجهود عقلي وفطنه لاستنباط المقصود ويفهم من هذه الجمل، أنه يستعمل الاسلوب البلاغي في تحديد هاتين الشخصيتين دون تصريح ومثله قوله: ”ولما سمعت ما ذكره وأظهر لعيني ما كان قبل ذلك ستره, عزم علي في تقييد هذه النبذ الأقدسية … وقال أهو رهن بيدك وقد علق فلا تبتئس, فامسك عليه ولا تخرجه فتعتلس، فتوجه الأمر عليّ عند ذلك في افشاء هذا السر المكتوم والكتاب المختوم، افشاء تعريض لا تصريح، وإعلام تنبيه وتلويح… ” عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس).
4) لقد خص ابن عربي بكتابه (عنقاء مغرب) الكلام عن الشيخ أحمد التجاني والمسيح المهدي التجاني فقال ”وكنت نويت أن أجعل فيه – عنقاء مغرب – ما أوضحه تارة وأخفيه. أين يكون من هذه النسخة الانسانية والنشأة الروحانية مقام الإمام المهدي المنسوب إلى بيت النبي الماء والطين وأين يكون منها أيضاً ختم الأولياء وطابع الاصفياء وإذ الحاجة إلى معرفة هذين المقامين في الانسان أكد من كل مضاهات اكوان الحدثان. . فجعلت هذا الكتاب لمعرفة هذين المقامين” عنقاء (تبيين الغرض من هذا الكتاب).
والمقامان المذكوران هما:
1) مقام ختم الأولياء وطابع الاصفياء: وهو الشيخ أحمد التجاني, المشار إليه بقوله ”النسخة الانسانية”.
2) مقام الإمام المهدي المنسوب إلى بيت النبي الماء والطين: وهو عيسى بن مريم المشار اليه بقوله ”النشأة الروحانية” فالجملة غنية عن الشرح إذ النشأة الروحانية لم يتصف بها أحد في الخلق إلا عيسى بن مريم وهو المهدي الختم التجاني المشار اليه في كتب الطريقة التجانية.
فصل
اسم المهدي
جاء في كتاب (الإنسان الكامل في الإسلام)– للدكتور عبد الرحمن بدوي، ص 119- 120 ما يلي:
“كان على الإنسان الكامل أن يتجنب قانون الأنساب. هنا الإسلام يَفْضُل اليهودية في ادراك هذا الجانب ولهذا, فإنه أي الإسلام يرى في الإنسان الكامل – من الترمذي حتى ابن سبعين – أنه خاتم ولاية روح عيسى: إما على صورة أحد حوارييه الملهمين به (المقدسي ج2 ص 172), مثل ابن هود المتوفي سنة 699 قارن عند الدروز الابداليه: سلمان – حمزه، أو على هيئة قيامته إمام الأولياء ( ثم الصلحاء) لوحدهم, ثم إمام الملأ أجمعين (في رأي الحلاج) روايات الحلاج 23 سورة النساء 157 وقيامة عيسى للحكم بين الناس قد ربطها القرآن ثماني مرات بكلمة الحضرة (كن) الخالقة لنسبه إلى يوم الحساب فيكون عيسى مجرداً مثله مثل التصور لبكر عذراء طاهر, أو مثل ذلك الحق الذي هو خاتم الخلق “لا مهدي إلا عيسى”.
أقول: اسم المسيح هنا ( سلمان أو حمزه ) وهو خاتم الخلق أي الأولياء بصريح العبارة “ولا مهدي إلا عيسى” ولكن الاعتقاد في ( سلمان ) أن تحل فيه روح عيسى وكما كان أصل نشأة عيسى من الروح فإن سلمان هذا ليس روح عيسى فحسب بل جسمه أيضاً.
وقد أشار ابن عربي إلى أن اسم عيسى ( سليمان) في أكثر من موقع قال:
( فنذكر الآن نسختك من هذا الخليفة البيتي الإمام ثم أختم نسختك من ختم الاولياء الكرام والختم يكون التمام.
علي عيني فصيره عديمــــاً | * | لما جلّ عتبي حلّ عينــــي |
علي قلبي فصيرة عديمـــــا | * | وعند شهود ربي حلّ حبـــيّ |
علي نوري فصيرة هشيمــــا | * | ولما فاح زهري هبّ ســـريّ |
من الرحمن صيرني كليمــــا | * | ولما اضطر اهلي لاح نــــارٌ |
وكان براق سيري بي كريمـــا | * | ولما كنـت مختاراً حبيــــباً |
نزلت فكنت رحماناً رحيمــــا | * | مطرت ولم ابال بكل اهــــل |
دوين العرش وقاداً رجيمــــا | * | وكنت إلى رحيم البعد نجمـــاً |
وكان امام وقت الشمس ميمــا | * | ولما كنت مرضياً حضـــوراً |
علي ذكره يصيره رميمـــــا | * | لحظت الامر يسري من قريـب |
لعام العقد قواماً عليمــــــا | * | وكنت به كفردٍ بعد ســــتٍ |
لاعجزت العبارة والرقومــــا | * | فلو اظهرت معني الدهر فيــه |
محيطاً في شهادته عظيمــــا | * | ولكني سترت لكون امـــري |
لعين صار بالتقوي سليمــــا | * | فسترت الامور بكل كشـــفٍ |
النكته المؤخره في الدرة المدخرة: المصدر: عنقاء (مغرب نكتة الشرف في غرف من فوقها غرف).
ذكر ابن عربي الخليفتين: الختم التجاني والختم المسيح ولما كان كل من الختمين من آل البيت، أشار إلى اسم خاتم الاولياء بقوله “ثم أختم نسختك من ختم الأولياء الكرام“ أي يختم به القصيدة وقد ختمها باسم (سليما)وقال: والختم يكون التمام – أي تمام كلمة – سليما – لتكون اسم خاتم الأولياء ولا تحتاج إلا إلى اضافة النون لتكون (سليمان) وهو اسم خاتم الاولياء, بعد هذا التمام
والي اسم(سليمان) اشار ابن عربي في الفتوحات المكية قال:
علي صفة المسويّ بالســـواء | * | تنزهّ ايها الخلق المســـــوي |
وجاء به الرسول من السمــاء | * | ولا تنظر إلى ماحال منـــــه |
بما تقتضيه مأمنه الرجــــاء | * | وان خفت الرحا ايدت منــــه |
اقيم بها رخاء من رخـــــاء | * | سليمانية وقفت امامــــــي |
فالطينه التي أتي بها الرسول (جبريل) من السماء خاصة بعيسى دون غيره من البشر وبني آدم وهي سليمانية – أي منسوبه إلى سليمان- الذي هو عيسى بن مريم نفسه وفي تفسيره لقوله تعالى: “وَاتَّبَعُـوا مَا تَتْلُـو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ” قـال ابن عـربي: “وشياطين الجن وهم الخيالات والأوهام والمتخيلات المحجوبة عن نور الروح العاصية لأمر العقل, المتمردة عن طاعة القلب علي عهد ملك سليمان النبي أو سليمان الروح“ المصدر: تفسير القرآن الكريم لابن عربي ص 73 الجزء الاول. فسليمان الروح هو المهدي آخر الزمان كما مر في القسم الاول.
قال الدكتور عبد الرحمن بدوي: “أنه منذ موت علي, فإن أربعه من غلاة شيعته قد تناقلوا عنه خطبة غريبة وأياً كان الأمر, فإنه منذ 120هـ تناقل القوم (خطباً) ذوات قيمة ملحمية, نسبت إلى علي و(وصيه) و(جفراً) والجفر نوع من التفسير الملحمي للقيم العددية للأحرف الساكنه الوارده في أوائل كثير من السور (القرآنية) والجفر إذا استخدم في مسألة (الانسان الكامل) فذلك إما للقول بأنه هو (الميم) ( 40: محمد) أو (العين) (70: علي ) أو (السين) ( 300: سلمان, عيسى) وفي رقمي (144 و 148) يعد في تحليل (خطبة البيان) ينظر إليه علي أنه هو قيامه عيسى في نظر المسلمين“ المصدر الإنسان الكامل في الإسلام ص120-121.
وفي هذا دلالة قطعية بأن سلمـان هو عيسى عند قيامته – أي عودته مهدياً وهو إمام الشيعه وقائم أهل البيت وغائبهم المنتظر.
فصل
نسب المهدي
قال ابن قضيب البان:
“ثم كشف – سبحانه وتعالى – لي عن أسرار الصلة والقرابة والرقائق الرابطه فيها وأراني أشعة شمس الحقيقة المحمدية في الكل. وقال لي أول ما ابرزت الحقيقة المحمدية نوراً وجعلت مظهره في الخلق رحمة وبه ختمت الأسرار. ثم كشف لي عن مظهر الجسم, وقال: به يكون قيام العلم والهداية، وبه كملت العناية وارتباط الولاية ورأيت مكتوباً عليه: كتاب مسطور في رقٍ منشور تنزيل من رب العالمين (ولا يمسه إلا المطهرون) وقال لي: وبه القسم في “هذا البلد ووالد وما ولد” فكشف لي عن شخص المسيح“ الإنسان الكامل ص 198.
والأمر هنا بين وجلي, أن صلة قرابة المسيح بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ب” وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ” أي أن المسيح من ولد النبي في ظاهر التشريع وأنه أي النبـي صلى الله عليـه وسلــم “مَا وَلَدَ” المسيح على التحقيق كما كان الحال مع مريم بنت عمران إذ نفى الله سبحانه وتعالى أن تكون أماً لعيسى من باب التحقيق بعد أن كانت أمه في ظاهر التشريع فقال: “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” أي أن مريم ابنة عمران والدة وما ولـدت (المسيح) بقرينـة ان الرسول صلى الله عليـه وسلــم “وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ” ويستدل من القرآن بقرينـة الشبـه ”تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ” و “وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ”.
كما أن صلة عيسى المسيح بآل عمران بنسب أمه فإن نسب المسيح وإن كان يلده في ظاهر التشريع رجل من آل البيت، إلا أن هنالك تشابه بين نسبه إلى آل بيت النبي، ونسبه إلى آل عمران, لأن نسبه إلى النبي عن طريق ابنته فاطمة الزهراء.
يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي: “وإلى جانب (الإنسان الكامل) تراءئ للإسلام، وهو يحدد المسيح اليهودي، وهذا أمر لم يفعله بنو اسرائيل، الدور النشوري التمهيدي الذي ستقوم به المرأة الكاملة، تلك المرأة المضطهدة الوارد ذكرها في (رؤيا يوحنا), والتي منها سيولد (الإنسان الكامل) ونحن نحيل في هذا الجانب إلى الخطبة العجيبة النصيرية المنسوبة إلى فاطمة أو بالأحري إلى (الأنوثه) التي تجلت أيضاً في كلتا المريمين مريم بنت عمران ومريم بنت يواقيم (هي صخرة انبجست عيوناً اثنا عشر) وآفة هذه الخطبة آفتها الوحيدة هي أنها خلعت صفة المادة في تصويرها لنسب الميلاد الروحي (الذي تمتاز فيه بأنها ربطت المرأة بالسين“ المصدر: الانسان الكامل ص 137-138.
أقول: قوله: “صخرة انبجست عيونا اثنا عشر“ يشير إلى الخلفاء الاثني عشر الوارد ذكرهم في قولـه صلـى الله عليه وسلم “يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش” رواه الشيخان.
ومن الاثنى عشر هؤلاء يكون المسيح بعد تجديده في الإسلام ويكون هو الإنسان الكامل الذي تلده مريم الأخري، غير مريم بنت عمران إلا أن هذه المرأة التي تلد هذا الميلاد الروحي أي الثاني للمسيح – ربطت أم المسيح (بالسين) أي ليست (فاطمة) لأن أحرف (فاطمة) كمريم لاتحمل (حرف السين). أي أن اسم أم المسيح الثانية يحمل حرف (السين).
قال د. عبد الرحمن بدوي: “ولما كانت فاطمة تعد تجسداً ثانياً لروح مريم وذلك لأنه من حيث العدد = مريم = 299 فإن “ابتهال” فاطمة, يناظر انتصار المرأة التي تمثل كنيسة الشهـداء الذيـن غضبوا لإمهال العدالة الالهية في (رؤيا يوحنا)“ الإنسان الكامل ص 130.
فتشبيه (فاطمة) بنت محمد صلى الله عليه وسلم بـ(مريم) بنت عمران هو اعداد الأرضية لميلاد المسيح الثاني في عقبها لأن فاطمة بضعة النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذريتها بضعة منه وتشبيهها بمريم يعد تحضيراً للميلاد الثاني للمسيح.
وروى الحافظ أبو يعلي بسنده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياماً لم يطعم طعاماً فجاء إلى بيت ابنته فاطمة فوجد عندها طعاماً فقال لها: “من أين لك هذا يابنية؟ قالت: يا أبت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فحمد الله وقال: الحمد لله يابنية أن جعلك شبيهة سيدة نساء بني اسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله شيئاً فسُئلت عنه قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين”. المصدر: ابن كثير – البداية والنهاية ج6 ص 115.
فإن هذا الحديث دليل ثابت وقاطع على إعداد الأرضية لميلاد المسيح الثاني في آل البيت وهو المهدي الغائب عند الشيعة.
ويقول الدكتور عبد الرحمن بدوي: “وهنا تثار مشكلة أوغلت في بحثها طوائف الشيعه هل هذا التجلي من (السين) أي تقديس من جانب الروح لشيخ أو من (العين)أي ملكوت صامت من الله المعبود فيه تقديس للإمام أو من (الميم) أي كلام الله بلسان نبيه؟ وجمهرة الاسماء المذكورة (سينية) أرقام ( 4، 10، 23، 24,37, 64، 101، 105، 110،115، 127, 144, 148، 176، 183, 190, 191,196، 200, 214، 218، 255, 260 ) وتشير إلى تلك الروح القدس التي ولدت, وهدت, خصوصاً – بعد الخضر – عيسى ثم سلمان, والتي ستحل في الحاكم الأخير. وثمت أشياء أخرى هي اما اسماء أنبياء خصوصاً محمد, واذن هي(ميمية) (أرقـام 5, 6, 210, 240, 259) أو أوصياء الأنبياء (أرقام 98, 152، 154, 157, 163, 174, 215, 229, 243، 251 ) وعلى الاخص عليّ وأخيراً هناك اسماء الألوهية القديمة الصامته (أرقام 35, 36, 39) (قارن هيولي الكواكب) (45, 76, 201) واذن هي (عينية) ومصدر هذا النص الذي نحن بصدده واضح أنه (إمامي وعيني) لأنه يكرس كل الخطبة لعلي مؤلها لكن نموذجه لابد أن يكون (سينياً) يستهدف ذلك الحاكم النهائي الذي ستحل فيه الروح – عيسى (سلمان, حمزه)“. الإنسان الكامل ص 136 – 137.
تحليل قوله: “وتشير إلى تلك الروح القدس التي ولدت وهدت“ يشير إلى المهدي المولود من الروح وهو عيسى بن مريم, بتكرر ميلاده في هذه الأمة.
وقوله: “بعد الخضر – عيسى ثم سلمان… “ أي اسم المهدي المولود من الروح (سلمان) وهو الذي كما قال “والتي ستحل في الحاكم الاخير“.
وقوله: “ثمت اسماء اخري هي اما اسماء أنبياء خصوصاً محمد“ دلالة علي النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: “ومصدر هذا النص الذي نحن بصدده واضح أنه إمامي (عيني) لأنه يكرس كل الخطبة لعليّ“ يعني الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقوله: “ولكن نموذجه لابد أن يكون (سينيا) يستهدف ذلك الحاكم النهائي الذي ستحل فيه الروح– عيسى- سلمان – حمزة” فيه دلالة قطعية أن روح عيسى ستحل في سلمان وهو الحاكم النهائي وهو من آل البيت كما في النص (محمد) وعلوي (يكرس كل الخطبة لعلي) واسمه سلمان ( يكون سينياً) وهذا ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “سلمان منا أهل البيت” وهو المهدي العلوي عند الشيعه وفي كتابه – عنقاء مغرب, قال ابن عربي: “ فالختم نبوي المحتد، علوي المشهد، فلهذا جعلناه فوق الصديق كما جعله الحق فما أخذه من نوره مشكاة النبوة أكبـر ممـن أخذه من مشكاة الصديقية “. عنقاء (المغرب بحر طامس وبحر غاطس).
فقوله: “نبوي المحتد“ أي أن الختم في الأصل كان نبياً وهو عيسى بن مريم.
وقوله: “علوي المشهد“ إشارة إلى صلته بالبيت العلوي ومع كل هذا فإن عيسى بن مريم مخلوق من روح صرفه ولا صلة له بمريم بنت عمران، أو بنسبه إلى آل بيت النبي. وأيضا علوي المشهد من علو درجة النبوة على درجة الهداية.
وقد أشار ابن قضيب البان إلى مثل هذه الحقيقة في (المواقف الإلهية) فقال:
“وقال لي: – أي الحق عز وجل – العارف تارة يكون حاضراً بلطائف العلم – وتارة غائباً, بشواهد الحقيقة وبهذا هو الغريب بانقطاع النسب والإضافات – بينه وبين مولاه) المصدر د. عبد الرحمن بدوي في الإنسان الكامل ص 205.
مولاه: أبوه
فالمسيح العائد وإن ولد لأبوين من آل بيت النبي والبيت العلوي إلا أنه كما قال {بشواهد الحقيقة“ لا صلة له بأبيه ولا أمه كما قال “بانقطاع النسب بينه وبين مولاه“ أي أبيه تحقيقاً لقول الله تعالى في سورة البلد: “وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ”.
نسب الاسرة
ينتهي نسب أسرة أولاد ريد الى الحسين بن علي بن أبي طالب. وذلك وفق الآتي: أبي هو: عبد القاسم بن موسى بن عبد القاسم بن علي بن مدني ابن حماد بن الأمير بن كشاكو بن محمد الركاب بن علي المقبول بن جار النعيم أُم فتو بن محمد ريد بن عبد القاسم بن يونس بن الحسين بن الحسن العلوي بن علي بن ابراهيم بن محمد بن أبي بكر بن اسماعيل بن عمر بن علي بن عثمان بن حسين بن محمد بن موسى بن يحيى بن عيسى بن علي بن محمد بن حسن بن جعفر بن علي بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وقد تنقلت الأسرة من شمال أفريقيا مرورا بالمغرب العربي وتشاد إلى أن وصلت السودان ثم تنقلت في داخل السودان، إلى أن استقرت فى غرب السودان ولتفصيل ذلك نعطى نبذه قصيرة:
فأبي هو: عبد القاسم بن موسى بن عبد القاسم (وكنيته أبو اسماعيل الولي وتوفي عام 1879م وعمره ما بين السبعين الى الثمانين وله مزار معروف في بابنوسة) بن علي أبْ شعر (وله مزار يعرف باسمه على بعد ثمانية كيلومترات جنوب غرب المجلد) بن مدني (ولد على النيل الأزرق) بن حماد “وكنيته أبو خالدو وله أربعة أبناء هم 1/ خالدو. 2/ مدني. 3/ شرف الدين. 4/ أنقر الفحل. وأنقر الفحل, قبره في الجزيرة في موقع يعرف باسمه (الفحل) ودفن حماد أبو خالدو بأبي حراز على النيل الأزرق ومعظم أفراد الأسرة عاشوا في الجزيرة واختلطوا مع السكان المحليين“ بن الأمير (ولايعرف اسمه والأمير لقبه لأن أسلافه أسسوا سلطنة قرشية في وسط تشاد وبعد سقوطها دخل الأمير إلى السودان من جهة الغرب) بن كشاكو (ولا يعرف اسمه وكشاكو لقبه وسمي بكشاكو لأن الأشجار كانت ترجع وتردد تسبيحه وتحدث صوت (كشكشة) حسب رواية الآباء والأجداد ودفن كشاكو في وسط تشاد في مكان يعرف الآن باسمه (كشاكو بحير في قوز)) بن محمد الركاب بن علي المقبول بن جار النعيم ام فتو ( وعاش في المغرب العربي وكان مفتيا) بن محمد ريد (وهو الجد الذي تحمل الأسرة أسمه وينطق مِحِمِّد بكسر الميم والحاء وكسر الميم الثانية مشددة وعاش في شمال أفريقيا) بن عبد القاسم بن يونس بن الحسين بن الحسن العلوي ( شقيق الشيخ أحمد البدوي) بن علي بن ابراهيم وينتهي نسبه الى الحسين بن علي بن أبي طالب.
وأمي بنت محمد بن عبد القاسم بن علي أبْ شعر وهي ابنة عم أبي ويلتقيان في أول جد لهما وهو (عبد القاسم).
توثيق النسب
جاء في حديث فتنه الأحلاس: “… فقال قائل: يا رسول الله فما فتنه الأحلاس؟ قال: هي حرب وهرب، ثم فتنه السراء دخلها أو دخنها تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني… فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو غده” رواه أبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
هذا الرجل ثابت النسب إلى رسول الله بشهادة النبي الأمين بصريح قولـه “رجل من أهل بيتي” ولما اقترن ذكره بخروج الدجال في آخر الحديث فإنه لا شك هو المهدي الفاطمي من آل البيت المشهور عند أهل الحديث. وقوله: “رجل من أهل بيتى” نكره وتعريفه “يزعـم أنه منى وليس منى“.
ولكن يلاحظ أن هذا الرجل البيتي له صفة فريدة تميزه عن آل البيت جميعاً وهو قوله الذي حكاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم “يزعم أنه مني وليس مني” ولم يزعم هذا الزعم أحد سواي إذ أنه عند ما أعلنت للناس بأني المسيح عيسى بن مريم رسول الله في بني إسرائيل، بعثني الله بذاتي وروحي وجسدي بلا حلول أو تناسخ أرواح مهدياً لهذه الأمة جادلني الناس بقولهم: نحن نعرف أباك وأمك وإن عيسى بن مريم ليس له أب!؟ فكان ردي عليهـم دائماً وأبداً: (إن لي أب في ظاهر التشريع ولكن ليس لي أب على التحقيق لأنني لست بضعة من أحد).
وإن قولي هذا يعلمه كل الذين احتجوا علىَ بسبب أبي عبد القاسم وإن ذلك مثبت في بعض نشراتى وقد عبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجادلتي للناس بما جاء في نص الحديث “يزعم أنه مني وليس مني” فلم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمي ولكن عرفني بصفتي الفريدة التي لا يشاركني فيها أحد فلا يحتاج إلى مزيد من الأيضاح على القاعدة التي حددها القرآن لتحديد الشخص المقصود قال تعالى: “فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ” محمد الآية 30.
“فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ”: بأوصافهـم المميـزة لا بأسمـائهـم ” وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ”: بالتلميح دون التصريح.
وعلى نفس القاعدة ذكر القرآن نسبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلميحاً في سورة البلد قال تـعالى: “وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ” البلد الآية 2-3.
نفس الازدواجية في الحديث بإثبات النسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفيه تكررت في آيه البلـد “وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ” وبتدبر القرآن نجد أن هذه الازدواجية لم تنطبق على أحد إلا عيسى بن مريم فقد أثبت القرآن نسبه إلى مريم قال تعالى: “إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ” آل عمران الآية 45. ثم عاد ونفى نسبه إليها فقـال تعالى: “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ” آل عمران الآية 59-60. الآيتان تؤكدان أن عيسى مثل آدم لا صلة نسب له بأم أو أب وجزم الله تعالى بهذا المعنى فقال: “الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ” أي أن عيسى بن مريم ليس بضعة من أمه مريم ومن “لَحْنِ الْقَوْلِ” يتبين لنا أن المهدي الذي يجمع تضاد النسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الأحلاس وسورة البلد إنما هو عيسى بن مريم.
لقد نفى القرآن صله عيسى الرحمية بأمه مريم باسلوب بليغ غاية في الروعة والبيان عند ما نفى حصر الناس في ذرية آدم وحواء عندما استثنى منهم عيسى وذريته في لحن القول باسـلوب بديع قال تـعالى في سورة النـساء: ”يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً” النساء الآية 1.
“خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ”: هي نفس آدم. “وَخَلــَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا”: أن حواء بضعة من آدم. “وَبَثَّ مِنْهُمَا”: آدم وحـواء “رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً”: لم يقل وبث منهما الرجال والنساء ليشمل المعنى جنس الرجال والنساء بلا استثناء ولكن قال: “رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً” واستثنى القليل من الرجال والنساء, فاستثنت الآية من الرجال والنساء عيسى بن مريم وذريته وفيه دلالة واضحة على قطع صلة عيسى الرحمية من أمه التي كانت ستربطه حتماً بآدم وحواء ولكن عيسى صنو آدم ولا ينسب إليه وكان رجلاً كما قال تـعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا” الأنبياء الآية 7. وفي آية النساء دلالة على عودة عيسى ليلد من النساء من استثنت الآية اذ لم يكن له ذرية قبل رفعه.
وعند ما يعلم الناس أن المستثنى من الرجال والنساء في أول سورة النســاء (إنما هو عيسى بن مريم وذريته ) عند ذلك يتبين لهم مدى دقة تعبير القرآن وبلاغته وفصاحة اللسان الذي نزل به والوصول إلى المعنى باسلوب لطيف ليظل استنباط معاني القرآن الدقيقة حكراً لأولي الأمر من هذه الأمة قال تعالـى: “وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ” النساء الآية 83. يقول تعالى: “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ” العنكبوت الآية 43.
إن معاني حديث فتنه الأحلاس “رجل مـن أهل بيتـي يزعم أنه مني وليـس مني” وآية البلد “وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ” وعدم حصر كل الرجال والنساء في ذريه آدم وحواء لهو أعدل شاهد وأقوى حجة وأوضح بيان على صحة نسبي إلى آل البيت وإثبات شخصيتي بأنني المسيح بن مريم لأن شهادة الله ورسوله أوثق من كل نسب مخطوط.
ومن جادل بعد ذلك فإنـه يكون قد حق عليه قول الله تعالـى: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ” الحج الآية 8. وذلك باتباعه هواه واستدراج الشيطان يقول تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ” الحج الآية 3-4.
فصـل
نهاية النشأة الاولي
قال ابن عربي: “نشأة متحدة وهيئة فردية متجسدة فلما كملت بنيتها وتخلقت بصفتها نفخ فيه الشخص الروحاني والكلمة الإلهية، والأمر الرباني فقامت النشأة علي ساقها تعتمد وبأمرها تستند وتواري الدور بالنشأة على أصل البدء إلى أن سلخ ذلك النهار من ليل أرضه والتحق بعنصره الأعلى“. عنقاء (لؤلؤة التحام إلىواقيت وانتظام المواقيت).
تحليل:
قوله: “نفخ فيه الشخص الروحاني والكلمة الإلهية والأمر الرباني“ الضمير في نفخ يعود للحق عز وجل بإشارة بيانية إلى قوله تعالى: “وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا“ الأنبياء 91. وقوله تعالى: “وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا“ التحريم 12. والشخص الروحاني هو شخص عيسى بن مريم وعطف الكلمة الإلهية والأمر الرباني عليه، دال على ذلك فهو الكلمة الإلهية. يقول تعالى: “إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ“ النساء 171.
وقوله “الأمر الرباني“ راجع إلى قوله تعالى: “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ“ آل عمران 59. وقوله تعالى: “قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا“ مريم 20-21.
وقوله: “تواري الدور بالنشأة على أصل البدء“ دلالة على أن جسد عيسى توارى في روحه ورفع (على أصل البدء) وأصل بدء عيسى “وَرُوحٌ مِنْهُ“ أي من الله. علي قاعدة قوله تعالى: “كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ“ الأنبياء 104. وقوله: “التحـق بعنصره الأعلى“ إشارة إلى قولـه تعالى: “إِنِّي مُتَوَفِّيـكَ وَرَافِعُـكَ إلى“ آل عمران 55. وقوله “عنصره الأعلى“ إشارة إلى قوله تعالى: “وروح منه“ النساء الآية 171. وفية دلالة قاطعة على أن عيسى ابن مريم رفع روحاً والتحق بروح الله الأعلى لأن الأجساد لا تعرج إلى الله وإنما تعرج إلىه الأرواح يقول تعالى: “تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إليهِ” المعارج الآية 4.
وقوله “توارى الدور بالنشأة علي أصل البدء“ ان جثمان عيسى توارى في روحه ورفع إلى الله روحاً وانتهت دورة نشأته الأولى في (بني اسرائيل).
وأشار ابن عربي إلى نهاية هذا الدور بقوله: “فانظر وتأمل ايها الولي الاكمل إلى نبي فقدت جثته وبقيت عند الآحاد سنته“ عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس)، فالجثة التي فقدت جثة نبي وليس جثة فرد عادي من هذه الأمة مثل محمد بن الحسن أو الهادي المهدي او محمود محمد طه ولكنها جثة نبي وهو عيسى ابن مريم.
فصل
الرجعة بالميلاد الثاني
قال ابن عربي: “فنادي في ذلك الأنباء الخاص إلا فانزل إلى القصاص وعجل بالاوبة ولات حين مناص … من هذه الحضرة ينقلب الولي نبياً والنبي ولياً هي حضرة الخليفة والختم ومحل الافشاء والكتم“ عنقاء (مرجانة اللؤلؤة الرابعة).
فقوله: ”عجل بالاوبة“ هي الرجعة عند الشيعة ولا تكون عند السنيين الصوفيين والاصوليين إلا لعيسى ابن مريم.
قوله: ”من هذه الحضرة ينقلب الولي نبياً والنبي ولياً“ فلا خلاف بين الشـــيعة والسنيين في أن النبي الذي ينقلب ولياً في هذه الأمة، هو عيسى ابن مريم لأن النبوة ختمت ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما أكده ابن عربي بقوله: ”وإن الختم الذي يحـمل لواء الولاية يكون المنتهي للمقام والغاية وأنه كان ختماً لا يعرف وكان له الأمر لايرد ولا يصرف في روحانية متجسدة وفردانية متعدده … فصير من كان نبياً عندما بعث صلى الله عليه وسلم ولياً بحسن الاستماع وحكم الاتباع“. عنقاء (نكتة تمام الأنبياء في تعيين ختم الأولياء).
قوله: ”وإن الختم الذي يحمل لواء الولاية“ يشير إلى الشيخ أحمد التجاني وقوله “في
روحانية متجسدة” إشارة إلى السر الجامع بين الشيخ أحمد التجاني وعيسى ابن مــريم والإشارة في الحرف (في) من قوله “روحانية متجسدة“ أي جسد عيسى ابن مريم وقولـه “فردانية متعدده“ إشارة إلى ميلاده الثاني في الرجعه فالفرد الواحد يتعدد بالميلاد الثاني.
وقد بين ابن عربي ذلك فقال:
“فإن القصد من هذا الكتاب إنما هو معرفة الخليفة والختم وتنزل الأمر الحتم فنقــول فرجع عوده على بدئه في ليله وادرك صلاة الصبح مع أهله فتسود ذلك الجسد على أمثاله ممن تقدم أو تأخر من أشكاله“ عنقاء (لؤلؤة التحام إلىواقيت وانتظام المواقيت).
قوله: “فرجع عوده على بدئه“ أي نزل روحاً من السماء ونفخ روحاً في بطن امراة كما كان بدؤه في بني اسرائيل، فكانت عودته في هذه الأمة مثل بدئه في بني اسرائيل على قاعدة “كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ“.
قوله: “فتسود ذلك الجسد على أمثاله“ أي مثله في بني اسرائيل بقـــوله “ممن تقـدم“ في بني اسرائيل “أو تأخر“ في أمة النبي صلى الله عليه وسلــم “من اشكاله“ وفي هذا دلالة على تكرار ولادته إذ له شكل تقدم في بني اسرائيل وشكل تأخر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الصفات لاتنطبق إلا على عيسى ابن مريم. ويشير أهل الكشف والفيوضـــات الربانية إلى عيسى ابن مريم بالشمس التي تغرب في المادة وذلك كناية عن عودته، روحـاً وغروبه في مادة طينة أمه الثانية، ومن أمثلة ذلك قال ابن قضيب البان: ”قال لــي: أي سبحانه وتعالى – العارف كونه في الملك كالشمس في الملكوت لا يطاق النظر إليه وقال لي: العارف هو الذي يكمل الأعمال بالعلم، والأحوال بالسر، والأفعال بالأدب“ المصدر د. عبد الرحمن بدوي – الإنسان الكامل ص 205.
ومثله أيضاً قوله: “ثم كشف لي عن سر دقيق في قلب الإنسان الكامل كالشمس في فلك البروج ثم قال لي: إليها نهاية عروج السـالك في نفســه“ المصدر السابق ص 212.
وقال ابن قضيب البان: ”ثم كشف لي: أي الله سبحانه وتعالى – عن الحروف العالية والسطور الازلية، وأراني مظاهر منازلها وأبراج كلماتها وانتقال شمــس المعني في سماء سطورها وهناك محو الموهومات لصحو المعلومات) المصدر السابق ص 200.
قوله “أبراج كلماتها وانتقال شمس المعني” رمز إلى أن الشمس المذكورة في قوله تعالى: “حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا“ الكهف 86. إشارة إلى عيسى ابن مريم وعندما يتجلى هذا المعنى للناس، عندها (هنالك محوالموهومات) إذ كان الناس يتوهمون أن الشمس في هذه الآية هي الشمس الظاهرية وعندما يتنبه الناس إلى هذا المعني الجديد (لَصَححوا المعلومات) وتصحيح مفهومهم الخاطئ وهذا ما يدل عليه قـوله الآتي: ”ثم كشف لي – سبحانه وتعالى – عن انعكاس شعاع شمس تجلياتها في الـكليـات والجزئيات، وأرانى أسرار اشراقها وغروبها في الأشياء“ الإنسان الكامل ص204. ومعنى ذلك نزول عيسى في الأرحام يعتبر غروبا للشمس في الأشياء وميلاده يسمى طلوعا للشمس من مغربها.
فقوله: ”اشراقها وغروبها في الأشياء” إشارة إلى قولـه تعـالى: ”وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا” الكهف90. وقوله تعالـى: ”وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ” الكهف86.
وقال ابن عربى: ”فسلم في مغرب العمى، حتى يصل الأجل المسمى، فإذا دنا الأجل واقترب، طلع هاديا من حيث غرب، وهذا هو شمس التوجيه ومقام التنزيه، بأقواله يزول الاشراك وتنحل عقد الاشراك” عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس).
قوله “مغرب العمى” يعني بظهر الغيب. قوله: “الأجل المسمى” زمن ظهوره. ”طلع هادياً” بعث إماماً مهدياً. ”من حيث غرب” في بطن أمه الثانية. وقوله ”مقام التنزيه” إشارة إلى اصطفاء عيسى وقوله “بأقواله يزول الاشراك وتنحل عقد الاشراك” لأن الله يهلك في زمانه، ديانه النصارى التي تؤمن بالثالوث (الاشراك).
قال ابن عربي: “فشمسهم روحهم، وقمرهم نفسهم، والخنس حواسهم، وترحيلهم سيرهم في المقامات … فانظر إلى هذا الأنموذج في نفسك، واجتهد في ترحيل قمرك في شمسك” عنقاء (مرجانة اللؤلؤة الخامسة).
قوله ”فشمسهم روحهم” فيه تشبيه الإنسان بالكون فالإنسان يتكون من (الروح) وهى شمس المعرفة. و (النفس) وهى القمر، والحواس الظاهرية (الخنس).
قوله ”واجتهد في ترحيل قمرك في شمسك” أى اتبع إمام وقتـك، ومــجدد قرنك. فهو شمس هدايتك. يقول تعالـى: ”وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ” الرعد7.
فصل
الجهة التي يجيئ منها
قال محمود محمد طه: إن المنتظرين حقا لهم المقيمون على السنة الصرفة، فالزموا نهج السنة، ودعوا ما أنتم فيه تكونوا من الفائزين … فإن هذا الأمر لا يخلوا من خفاء حتى على أكابر العارفين فما بالكم بمن هم دونهم؟ وهذا ما من أجله قيل: “يأتي من جهة لا يعرفونا، وعلى هيئة ينكرونها” المصدر: كتاب المسيح لمحمود محمد طه ص24 طبعة ديسمبر1981م.
أقول:
الجهة التي يجهلونها هي كون المسيح يجيئ من غرب السودان في حين تتوقع الأمة نزوله من السماء في المنارة البيضاء والهيئة التي ينكرونها كون المسيح يولد مرة ثانية في حين الأمة تتوقع نزوله من السماء بشرا سويا بميلاده الأول في بني اسرائيل.
وقال ابن عربى: ”لما كانت الشمس لابد لها من تحول مطلعها، وتبدل موضعها، وأن الشمس لاتزال جارية من المغرب إلى المشرق بنفسها، كما لا تزال جارية من المشرق إلى المغرب بغيرها، غير أنّ البصر قاصد، واللب حائر، فلابد يوماً أن تظهر حركتها وتعطي بركتها” عنقاء (نكتة الشرف في غرف من فوقها غرف).
ولمعرفة هذه الفقرة من كلام ابن عربي، لابد من الرجوع إلى القاعدة التي اعتمدها في كتابه هذا يقول ابن عربي: ”فمــتى ذكرت في كتابي هذا أو في غيره، حادثا من حوادث الأكوان فإنما غرضي أن أثبته في سمع السامع وأقابله بمثله في الإنسان … فليتأمل ولي هذا الكتاب، فإني أذكر فيه الأمرين: العالم الأكبر، وأجعله كالقشرة، وأجعل ما يقابله في الإنسان كاللباب، للسبب الذي ذكرته، أن يتبين للسامع ما يجهله في الشىء الذي يعرفه ويعقله” عنقاء (تبيين الغرض من هذا الكتاب).
على ضوء كلام ابن عربي هذا، يفـــسر قوله في الفقرة الوارده ص (61) فهو يتكلم عن الشمس الظاهرية ويقابلها بالشمس الإنسانية، ويقصد بها عيسى ابن مريم، وهو الخليفة المهدي الختم، وقد بين من قبل أنه المقصود في هذا الكتاب.
وعن الشمس الظاهرية، قال ”إنها تجرى من المشرق إلى المغرب بغيرها” أى بفعل دوران الأرض من المغرب إلى المشرق، فتظهر هذه الحركة معكوسة في الشمــس. وقوله ”غير ان البصر قاصد” أي ان الناس في زمانه، بصرهم (قاصر) لأنـهم لم يكشفوا بالعلم حركة دوران الأرض. وأشار إلى أنهم لابد يوماً أن يكتشفوا هذه الحقيقة، بقوله ”فلابد يوما أن تظهر حركتها” وقد أظهرها (جاليليو). في عهد النهضة.
أما الشمس الثانية في الإنسان هي عيسى ابن مريم، وهو الذى يظهر بحركة شمس الحقيقة بسيره من المغرب إلى المشرق وفي الحديث: ”ثم يجـيئ عيسى ابن مريم من قبل المغرب” رواه أحمد.
فصل
المنطقة التي يظهر فيها
قال القرطبي: وفى حديث سمرة بن جندب إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول: ”إن الدجال خارج، وهو أعور عين الشمال عليها ظفرة غليظة، وأنه يبرئ الأكـمه والأبــرص ويحي الموتى، ويقول للناس أنا ربكم. فمن قال أنت ربي فقد فتن. ومن قال ربـي الله عز وجل حتى يموت على ذلك فقد عصم من الفتنة، ولافتنة عليه ولا عذاب. فيلبث ما شاء الله، ثم يجيئ عيسى من قبل المغرب، مصدقا بمحمد وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنمــا هو قيام الساعة” القرطبى-التذكره ص 551.
أقول: وكون عيسى على ملة النبى فيعنى مهدياً. وقد حدد سعيد أيوب، مناطق خروج المهدي في خمس جهات:
يولد بالمدينة -البرزنجي في أشراط الساعة ص89.
ببلاد المغرب -البرزنجي في أشراط الساعة ص89.
من المغرب الأقصى -القرطبى في التذكرة- الحاوي247/2.
في بلاد المغرب وأنـه يأتـى مـن هنـالك ويجوز البحر-الحاوي247/2.
عن عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يخرج من قرية يقال لها (كرعة)-السيوطي في الحاوي247/2. المصدر: المسيح الدجال في الديانات الكبرى لسعيد أيوب ص313.
أرجو أن يتنبه الناس إلى أن قرية كرعة هي الخرطوم حسب تحليل علماء الآثار لأن الخرطوم (كا ـ رع ـ آتوم) وتحورت في اللفظ فصارت الخرطوم وهي مكان خروج المهدي وذكرت في القرآن “سنسمه على الخرطوم” القلم الآية 16.
قال ابن عربي: “فإذا ظهر الأمر في مجمع البحرين، ولاح السر المكتم لذي عينين، كأنه يشير إلى ظهور النكته الربانية في هذه النشأة الإنسانية. فإنه مجمع البحرين الآن والكون والعين، وقوله ”في عينين” يشير إلى صاحب الصفتين. فمن فَهِم فاز فوزاً عظيماً” عنقاء (نكتة الشرف في غرف من فوقها غرف).
مجمع البحرين، هو المقرن، بالخرطوم (والبحرين) هما (بحر ابيض) و(بحر ازرق) ومجمعهما هو المقرن بجزيرة توتى. وقوله “هذه النشأة الإنسانية) إشارة إلى نشأة عيسى ابن مريم الثانية. وقوله ”صاحب الصفتين” وهي النبوة في بنى اسرائيل، والهداية في هذه الأمة. وقوله ”السر المكتم” لأن عيسى ابن مريم هو القطب المكتوم عند ابن عربي، إلى جانب الشيخ أحمد التجانى رضى الله عنه.
ولمجمع البحرين (الخرطوم) شاهد في السنة. قـال صلى الله عليـه وسلـم: ”يــكون للمسلمين ثلاثة أمصار، مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام. فيفـزع الناس ثلاث فزعات فيخرج المسيح الدجال في أعراض الناس” أخرجه أحمد المصدر: التصريح-حديث رقم16 ص162.
إن أطراف شبه الجزيرة العربية يلتقي فيها بحران – هما دجلة والفرات في الشرق في (العراق)، وهذا إستوفاه مصر الحيرة، والملتقى الثانى في المغرب للنيلين الأزرق والأبيض في الخرطوم، وهما المعنيان في هذا الحديث، ولما كان الأمر متعلقاً بخروج الدجال فإنه علامة خروج عيسى ابن مريم المهدي من الخرطوم في مقابل خروج الدجال من غضبة 11 سبتمبر.
قال القرطبى: “إن المهدي إذا خرج بالمغرب، على ماتقدم، جاءت إليه أهل الأندلس، فيقولون: ياولي الله. أنصر جزيرة الأندلس فقد تلفت، وتلف أهلها، وتغلب عليها أهل الكفر والشرك من أبناء الروم. فيبعث كتبه إلى جميع قبائل المغرب وهم قزولة وقزالة وغيرهم من القبائل من أهل المغرب، أن انصروا دين الله وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتون إليه ويكون على مقدمته صاحب الخرطوم، وهو صاحب الناقة الغراء، وهو صاحب المهدي وناصـر ديـن الإسلام وولـى الله حقـاً” التذكـرة للقرطـبى ص 520/521.
ومعلوم من التاريخ، أنه بعد سقوط الأندلس، فرت القبائل العربية من أوربا إلى أفريقيا، وهي التي كونت القبائل العربية في شمال وغرب أفريقيا ومع مرور الزمن دخلت السودان من الغرب وناصرت محمد أحمد المهدي وفتح الخرطوم عام 1885م إلا أنه توفي بها، وأما صاحب الخرطوم الذي يسير منها إلى الشرق ويدخل الجزيرة العربية من الغرب هو عيسى ابن مريم بدليل الحديث: ”ثم يجئ عيسى ابن مريم من قبل المغرب” رواه أحمد وهو صاحب المهدي المحاصر في المنارة البيضاء في عراق الشام – صدام حسين- لأنه يقتل الدجال الذي يحاصره، وفي الحديث: ”لم يسلط على قتل الدجال إلا عيسى ابن مريم” أخرجه أبو داؤود وهو أيضاً ناصر دين الله وولي الله حقاً لأن الله يهلك في زمانه كل الملل ولا يبقى إلا الإسلام فقد جاء في مسند أحمد عن رسول الله صلى الله عليـه وسلـم أنـه قـال: “ويهلك الله في زمانه الملل كلها ويبقى الإسلام“. رواه البخاري ومسلم وأحمد.
فصل
تشريعه
قال ابن عربي: ”وأنه زايل عن مرتبته بختمه،وظاهر بعلم غيره لا بعلمه وجار في ملكه على خلاف حكمه. ولولا ظهر بهذا العلم، وحكم بهذا الحكم لماصحّ له مقام الختم،ولاختمت به ولايه ولاكملت به هدايه وأن له حشرين“ عنقاء (افصاح الكتاب العزيز بمقاماته).
قوله “زايل عن مرتبته“ زايل تعني واصل مرتبته مرتبة النبوة في بنى اسرائيل بمرتبة الهداية في هذه الأمة.
وقوله ”ظاهر بعلم غيره“ علم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شريعة الإسلام “لا بعلمه“ وهو الأنجيل. وقوله “جار في ملكه“ الجديد في هذه الأمة, على خلاف حكمه في بني اســرائيل بالأنجيل. ” ولولا ظهر بهذا العلم“ علم القرأن “وحكم بهذا الحكم“ وهوشريعة النبي صلى الله عليه وسلم “لما صح له مقام الختم“ لأنه في زمن النبوة لاتصح لعيسى صفة الختم، لأن ختم النبوة كان لمحمد صلى الله عليه وسلم من بعده. وأيضاً لا تختم الهداية بعيسى إلا إذا جاء متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وحكم بشريعة القرأن، ولو قدر لجميع الأنبياء العودة لعادوا متبعين لنهج النبي وشريعة القرأن. قال صلى الله عليه وسلم: “لو كان موسى حـيا ما وسعه إلا اتباعي“ – التصريح بالهامش ص92. وشاهد السنة على ذلك ما رواه أبو داؤود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب … ويعمل في الناس بسنة نبيهم“ أى بسنة نبيهم: محمد صلى الله عليه وسلم، وليس بسنته: أى سنة عيسى ابن مريم وفيه دلالة أن عيسى قرشى بميلاده ثانية في هذه الأمة.
فصل
طريقته
قال الدكتور عبد الرحمن بدوي: “وهذا العرف المتصل في التفكيــر الإسلامي في (هداية عيسى) الذى بدأه الترمذى، قد استمر بعد ابن عربي ففي مراكش منذ قرنين كان ثمت مدرسة بأكملها من أبي مهدي الثعالبي ( المتوفي سنة 1080، راجع: الكتـأني فهـــرس ج ص 191) حتى محمد الصغير بن عبد الرحمن الفاسي ( المتوفي سنة 1134) وتلامـيـذ (الافرأنى المؤرخ المتوفي سنة 1151، ومحمد أبو عبد الله ناصر الدرعي التمــغروتي (التمجروتي) المتوفي سنة1158” كل أولئك الذين كانوا يرون أن هذا الحديث معــناه أن عيسى (روح الله) هو الشيخ الهادي إلى الطريقة المثلى في الحياة، وأن هذا هو (مـجئ الإنسأن الكامل)“ د/عبد الرحمن بدوي- الإنسأن الكامل ص126.
قوله ”كانوا يرون أن هذا الحديث“ المقصود بالحديث ”ولا مهدي إلا عيسى“ وفي هذا إقرار بأن عيسى هو شيخ الطريقة المثلى وهذه الطريقة هي التي أشار إليها ابن عـربي فقال: “والختم برحيقه، أوضح لي التسنيم مزاج طريقه، فرأيت ختم أولياء الله حق في مقعد الإمامة الإحاطية والصدق فكشف لي عن سر محتده، وأمرت بتقبيـــل يده، ورأيته متـدليا عن الصديق والفاروق، متدانياً من الصادق المصدوق، محاذيا لـه من جهـه الأذن، قد ألقـى السمع لتلقي الإذن) عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس).
قوله ”التسنيم مزاج طريقه“ أي ان طريقة عيسى ابن مريم هي أعلى الطرق، وتقابل في المقال السابق (الطريقة المثلى) ولا ينطبق هذا الوصف إلا على طريقة الشيخ أحمد التجانى واسمها شاهد عليها.
يقول محمد فتحا: ”إعلم ان هذه الطريقة الأحمدية التجانية تسمى أيضاً (محمدية ابراهيمية) وسميت باسماء كثيرة لأن لها من الخصائص ما ليس لغيرها. ومعــنى كونها ( محمدية) أنه أخذها عن سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ، مشافهة يقظة لا مناماً“ الدرة الخريدة ج1 ص30.
قوله (محمدية ابراهيمية) إشارة إلى الأنبياء (محمد) و(ابراهيم)عليهما السلام لأن اسمها (محمدية ابراهيمية حنيفية) أي أنها طريقة الأنبياء ( ملة ابراهيم حنيفا) هذا المعنى هو العام ولها معنى خاصاً.
وقال الشيخ ابراهيم الكولخي التجاني في دعاء: “واجعلـنا وارثين محمديين، ابراهيميين، سليمانيين، صديقيين، فاروقيين، عثمأنيين، علويين، تجانيين“ المصدر: جواهر الرسائل، لجامعه أحمد أبي الفتح.
فالسلسلة المذكورة هنا، هي سلسلة أقطاب الطريقة التجانية. وسليمان المذكــور هنا، هو سليمان المهدي التجاني، وليس سليمان بن داؤود، لأن ذلك وراثته لا تنبغي للشيـخ ابراهيم الكولخي ولا لأحد غيره لقوله تعالى: “وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي“ سورة ص الآية 35. ولما كان موقع وترتيب سليمان هذا فوق الصديق، فهو الذي قصده ابن عربي في قوله: ”جعلناه فوق الصديق“ – عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس).
وقوله: “من الصادق المصدوق محاذيا له من جهة الأذن، قد القى السمع لتلقي الإذن” شرح لقوله “فما أخذه من نوره عن مشكاة النبوة أكبر ممن أخذه من مشكاة الصديقية“ – عنقـاء (بحر طامس وبحر غاطس). ولهذا جاء ترتيب سليمان المهدي التجاني، فوق رتبة الصديق. لأن المهـــدي التجاني يأخذ إذنه من الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الياقوتة الفريدة:
فياخذها المهدي عند ظهوره * لدا من له الاذن الصحيح بطيبة
أورد محمد فتحا في الدرة الخريدة: “وأما الذي وقع له النهي عن افشاء أمره بعد اطلاعه على حاله هو الذي يظهره الله سلطأناً عدلا في الأمة وهو غير الإمام المنتـظر، لأن المنتظر غير قطب“ الدرة الخريدة ج1 ص39.
أقول: وواضح من كلام صاحب الدرة الخريدة أن التعريف وقع لابن عربي بختم الأولياء الذي يظهره الله سلطأنا لهذه الأمة هو عيسى ابن مريم بلا ريب وهو المهدي التجاني صاحب سر الطريقة أما المنتظر الذي يعتقد التجانيون (خطأَ) أنه المهدي التجاني فهو غير قطب فلا يحمل سر الطريقة أصلاً، لأنه لا يأخذ الإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم بلا واسطة إلا من كان قطباً.
وأن المهدي الذى يأخذ الطريقة التجانية بإذن الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة هو القطب وهو عيسى ابن مريم.
وعن ابن سيرين قيل له: “المهدي خير أو أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما؟ فقال: ”هو خير منهما ويــعدل نبي” أخرجه نعيم – المصدر: د. عد العليم ج 2 ص 176 حديث رقم 108 – ( 154).
ومما لا شك فيه، لا مهدي يعدل نبي إلا أن يكون عيسى ابن مريم المهدي. وأنه يأخذ الطريقة من الرسول صلى الله عليه وسلم بالكيفية التي تلقاها منه الشيخ أحمد التجاني، المذكورة في الدرة الخريدة ج 1 ص 30. ويأخذها عيسى المهدي كما بينها ابن عربي في قوله: “ألقى السمع لتلقي الإذن“ عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس) فالمهدي التجاني من هذا العرض هو عيسى ابن مريم.
فصل
ختم الــــولاية
يقول ابن عربي: ”والشمس اليقينية قد قبلت يده مثلي ولحظتها وقال الختم هي من أهلي، ثم نازعني الحديث … ويقول ردني برداء الكتم، فإني أنا الختم لا ولي بعدي، ولا حامل لعهدي، بفقدي تذهب الدول، وتلحق الأخريات بالأول) عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس).
قوله “والشمس اليقينية) المقصود بها عيسى ابن مريم وقوله “وقال الـختم“ هو الشيخ أحمد التجاني. “هي“ أي الشمس اليقينية المتمثلة في ذات المسيح، قال الشيخ أحمد التجاني. “هي من أهلي” أي من أهل طريقتي.
وقوله “ردني برداء الكتم فإني أنا الختم“ أي ان عيسى هو الكتم والختم في آن واحد. وهاتان الصفتان تجتمعان أيضاً في الشيخ أحمد التجاني. وهذا هو شاهد المماثلة بينهما. ولهذا جمعتهما طريقة واحدة.
وجاء في مدح التجاني ومدح عيسى ابن مريم ما يلي:-
بالختم والمكتوم سمي عندهم * لـخـتم ولايـة وكتمان رتبة
به ختم المولى كمـال ولاية * كما ختمت رأسا بروح و كلمة
سينزل خاتما ظهـور ولاية * فـلـيس ولـيا بعده بالمشيئة
قال في الشرح:
“إن حقيقة هذا القطب المكتوم، محجوبة عن الجميع، لم يرها أحد منهم، أي من الأقطاب. فهذا الشيخ الأكبر بجلاله، يعني الحاتمي رضي الله عنه بحث على معرفة هذا القطب، ما اسمه وما قبيلته، وما موضعه وما وقته فلم يطلعه الله على شيء من أحواله فسلم الأمر لله تعالى وترك. وأما الذي وقع له النهي عن افشاء أمره، بعد أن أطلعه على حاله، هو الذي يظهره الله سلطأنا عدلا في الأمة، وهو غير الإمام المنتظر لأن الإمام المنتظر غير قطب. فلما نهى عنه، سماه مكتوما من عند نفسه. وأما المكتوم الأكبر، فسماه سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، لأن مقامه مكتوم عن جميع الخلق فلم يطلع عليه أحد“ محمد فتحا – الدرة الخريدة ج1 ص 39.
قوله ”الإمام المنتظر“ يقصد به المهدي غير عيسى، بشاهد أنه غير قطب، إذ لايمكن أن يكون عيسى ابن مريم غير قطب. وبما إنه أقر أن القطب الذي رآه ابن عربي وأمر بكتمانه غير الختم التجاني فإنه ينفي أن يكون هو الإمام المنتظر، بكون الختم والكتم الذي رآه ابن عربي وكوشف بمقامه هو عيسى ابن مريم، وهو الختم والكتم عند ابن عربي خاصةً.
أما المنتظر غير القطب الذي ذكره محمد فتحاً في (الدرة الخريدة) إنما هو المهدي المنتظر الذي ذكره الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوى في كتابه المسمى (المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة) قال ص383: “ويمكن أن نلاحظ في سبيل ذلك أمور تبينت لي من خلال دراستي هذه الفكرة كما يلي:-
(1) لم أجد أي دليل في السنة الثابتة على أن المهدي يدعو الناس إلى الإيمان بمهديته.
(2) لم أجد أي دليل صحيح على أنه يجب على المسلمين أن يؤمنوا بمهدية رجل معين كما يجب عليهم الإيمان بنبوة الأنبياء المعينين.
ومثال ذلك اننا نعرف من السنة الصحيحة أن الله يبعث على كل رأس مائة سنة من يجدد للمسلمين أمر دينهم. ولكن مع ذلك لا أعرف أحداً من العلماء يرى أنه يجب على الناس الإيمان بمجددية أشخاص معينين والأمر لا يعدو أن يكون المهدي واحداً من أولئك الذين يحيون شريعة الإسلام.
(3) لاحاجه لمن يريد أن يخدم الإسلام ويرفع رايته إيماناً واحتساباً أن يورط نفسه في مثل هذه الدعاوي فإنه يستطيع أن يخدم دين الله بجهوده المخلصة إذا وفقه الله بدون هذه الدعاوي وأجره على الله وان الله لا يضيع أجر المحسنين.
(4) كما إن المسلمين ليسوا في حاجه إلى معرفة المهدي بالذات بل يجب عليهم أن ينصروا الحق والعدل أياً كان مصدره وليس هذا الأمر خاصاُ بالمهدي دون غيره.
(5) ان الأحاديث الثابتة في الباب لا تثبت أن المبشر به يلقب نفسه بالمهدي أو إنه يخاطب بالمهدي ولذلك فمن الممكن جداً أن تكون الكلمة أريد بها معناها اللغوي أي إنه يكون رجلاً صالحاً هداه الله إلى الحق كما ورد في بعض الروايات “وإمامهم رجل صالح“.
وعلى هذا فلا يمكن الجزم بالمراد الحقيقي من هذه الأحاديث إلا بعد ظهور بعض العلامات التي لا يمكن أن تتكرر كخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام، فكل من يدعي لنفسه المهدوية أو يوافق على ذلك فإن دعواه خير دليل على كذبه وتنم عن نواياه السيئة فمن سولت له نفسه أو سول له شيطأنه، أن يدعي هذه الدعوى فعليه أن يخرج الدجال وينزل عيسى ابن مريم من السماء وإلا فهو كذاب أفاك“. المصدر المهدي المنتظر للدكتور عبد العليم عبد العظيم ص 383 -384.
التعليق:
جاء في التعريف بكتاب الدكتور عبد العليم: ”من أراد أن يقف على التحقيق المعتبر بشأن المهدي المنتظر فيمكنه ذلك بالاطلاع على الرسالة التي أعدها الشيخ عبد العليم عبد العظيم البستوي ونال بها درجة الماجستير من قسم الدراسات العليا من جامعة الملك عبد العزيز بمكة . . . وتكلم فيها في موضوع المهدي من مختلف الجوأنب مما جعلها بحق فيما أعلم أفضل وأوسع مرجع يرجع إليه في هذه المسألة“ ص5.
أقول: إن الاعتقاد الذي خرج به الدكتور عبد العليم من هذا البحث الذي لخصه في النقاط السابقة وهذا الثناء الذي لقيه حتى نال درجة الماجستير لهو بحق وحقيقة مصيبة هذه الأمة التي جرها عليها علماؤها لأن ذلك يخالف النصوص الصريحة من الكتاب والسنة التي تأمر الأمة باتباع خلفائها والمهدي المنتظر أخص هؤلاء الأئمة على الاطلاق بالإتباع وإليكم أمثلة على ذلك:
أورد الدكتور عبد العليم في كتابه (المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث الصحيحة):
عن عبد الله وهو ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أقبلت الرايات السود من خراسأن فأتوهـا فإن فيها خليفة الله المهدي“ حديث رقم 2 ص 158. وعلق عليه ص 162 وقال: صالح للاستشهاد.
أقول: قوله “فأتوها“ أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع المهدي.
وأيضاً أورد الدكتور عبد العليم أمراً من النبى صلى الله عليه وسلم باتباع الخلفاء الراشدين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين“ ص26.
أقول: قوله صلى الله عليه وسلم “عليكم“ فيه أمر للأمة باتباع الخلفاء المهديين وأخطر ما في هذا الكتاب ما أورد الدكتور عبد العليم حين قال في الفقرة الخامسة.
“إننا نعرف من السنة الصحيحة أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للمسلمين أمر دينهم ولكن مع ذلك لا أعرف أحداً من العلماء يرى أنه يجب على الناس الإيمان بمجددية أشخاص معينين“.
أقول: هذه دعوة صريحة لمخالفة كلام صريح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفه الله لأن نص الحديث يقول: “إن الله يبعث“وأن العلماء لا يتقيدون بالإيمان بهذا المبعوث من قبل الله وعدم الإيمان به هو سبب مخالفته لأنهم يعتبرون تعليمات المهدي غير ملزمة لهم، ومن هنا نشأت فرق الضلال لأن العلماء ابتدعوا مخالفة المهديين لعدم تمسكهم والتزامهم باتباع سننهم، لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب سره من الصحابة حذيفة بن إليمان ألا يكتفي ببيعة الرسول صلى الله عليه وسلم من بعده بل قال له بصيغة الأمر “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم“ رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة“ رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الأمة بالتمسك بسنة الخلفاء المهديين إلى درجة المبالغة بالعض عليها بالنواجذ وهي (الأنياب أو الأضراس) والعلماء يحدثون البدعة بعدم الالتزام بسنة الخلفاء المهديين فكانت فرقة المجدد وجماعته هي الفرقة الناجية، أما باقي الأمة الذين لا يتقيدون بإمام معين لا شك أنه سوف تتشعب عليهم الطرق وتختلف بهم الآراء ويفترقوا تبعاً لذلك قال صلى الله عليه وسلم: “من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصأني“ رواه مسلم. فالأمير هو مهدي زمأنه قد جاء في الحديث السابق “وإن تأمر عليكم عبد“ وفي رواية أخـرى “وإن تأمر عليكم عبد حبشي“.
أقول: إن المعلوم من الشريعة أنه لا تصح أمارة العبد لغةً لأن العبد لغة هو المملوك فلا تصح إمامته مطلقاً ولكن المقصود بكلمـة (عبد) هنا المعنى الشرعي، فالعبد شرعاً هو خليفة الله ومجدد قرنه وإمام وقته وقطب زمانه وقوله: “عبد حبشي“ إن صاحب الوقت يكون في الحبشة أي السودان وهو المنتظر القطب وهو المهدي التجاني وهو عيسى ابن مريم خاتم المهديين والخلافة مطلقاً قال صلى الله عليه وسلم: “ثم يجئ عيسى ابن مريم من قبل المغرب مصدقاً بمحمد وعلى ملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة“ رواه أحمد. وقال تعالى : “وَأنهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ“ وبناءاً على هذه النصوص من الكتاب والسنة فإن عيسى ابن مريم هو آخر الخلفاء الأقطاب في هذه الأمة وخاتم الأولياء عامة.
ويواصل محمد فتحا في شرحه للأبيات:
(سينزل خاتماً ظهور ولاية …) فيقول: “إن لهذه الأمة خاتمين جامعين لكل رتبة ومقام وارث ولاية بأحدية جمعها، وتنوع وحدتها حتى تستغرق كل نعمة ووصف امدادا واستمدادا، أحدياً كان أو أحمدياً بسر تنزله وإحاطته بعلومه المطلقة والمقيدة، وما هو خصيص به أصلاً وفرعاً، حكماً وعيناً، سعة وضيقا قيدا وإطلاقا، حتى إن كل ولي كان أو يكون إنما يأخذ من هذين الختمين، الذين يكون أحدهما خاتم ولاية الخصوص والآخر يختم به الولاية العامـة فلا ولي بعده إلى قيام الساعة” محمد فتحا – الدرة الخريدة. ج1 ص45.
ويقصد بالخاتمين، الشيخ أحمد التجاني رضي لله عنه مكتوم الختمية، أما عيسى فهو معلوم الختمية كما في الأبيات السابقة. ولكن سبب الكتمية أن الله أطلع ابن عربي على اسمه (سليمان) وأطلعه على بلـده (ملتقى البحرين) وأمره بكتمأن ذلك، فسماه مكتوما من عند نفسه. فيكون بذلك للأمة ختمأن هما (سليمان) المسيح المهدي، وأحمد التجاني، وكتمان أيضا، هما سليمان وأحمد التجاني.
ولما كان عيسى ابن مريم هو المهدي التجاني، فإن فيضة الشيخ أحمد التجاني تعم على يديه. قال الشيخ ابراهيم الكولخي رضي الله عنه:
فيأتي مسيح والــرجال رجاله * بـديـن الإمام الهاشمي يتدين
هنالك عم الفيض لا شك لن ترى*سوى عارفي بالله والشرع متقن
فيختم عيسى لا تكـون ولايـة * بعيد ممات الروح فالخير يدفن
فان لم يكن من يذكر الله زلزلت *زلازل سـاعات ونادى الـمؤذن
المصدر: ديوأن شفاء الأسقام – للكولخي.
فصل
وقتــــــــه
يقول ابن عربي: “وان الختم الذي يحمل لواء الولاية، يكون المنتهى للمقام والغاية، وأنه كان ختما لا يعرف وكان له الأمر لا يرد و لا يصرف، في روحانية متجسدة، وفردانية متعددة … فيصير من كان نبيا عندما بعث صلى الله عليه وسلم وليا، بحسن الاستماع، وحكم الاتباع، والتحق بالطاعة وكان من بعض أطوار القيامة” عنقاء (نكتة تمام الأنبياء في تعيين ختم الأولياء).
صدر الكلام سبق أن عرضناه، والمهم عندنا هنا قوله “وكان من بعض أطوار القيامة” وهوعيسى ابن مريم، وهو أحد أشراطها.
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لقيت ليلة أسري بي ابراهيم وموسى وعيسى، قال: فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى ابراهيم فقال: لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى موسى فقال:لا علم لي بها. فردوا الأمر إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلمها أحد إلا الله تعالى. ذلك وفيما عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج. فقال: ومعي قضيبأن، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، قال: فيهلكه الله، حتى إن الحجر والشجر ليقول: يا مسلم إن تحتي كافرا، فتعال فاقتله، قال: فيهلكهم الله تعالى“ رواه أحمد. المصدر: التصريح. حديث رقم 14 ص 158.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرأني الليلة عند الكعبة، في المنام، فإذا برجل آدم كأحسن ما ترى من آدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر يقطر ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو بينهما يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا المسيح ابن مريم، ثم رأيت رجلا وراءه جعدا قطـطا أعـور العين اليمنى يطوف بالبيت فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجال“ المصدر: صحيح البخاري ج 4 ص203.
فقد أورد حديث ابن مسعود علامة لخروج عيسى، هي خروج الدجال، وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، الدجال يطوف بالكعبة. وقد تحقق طواف الدجال بالبيت، بتعبير الرؤيا، بطواف رجال الأمن الأمريكيين مع الحجيج للتجسس عليهم عام 1422هـ الموافق 2002م. وطوافهم هذا دلالة على توقيت ظهور المسيح المهدي مجدد القرن الخامس عشر الهجرى.
وقد سبق لي أن قمت بزيارة للشيخ أحمد علي أبي الفتح في مدينة (ميدوقرى) عاصمة ولاية (برنو النيجيرية) عام 1400 هـ في أيام احتفالات المسلمين بعيد المولد النبوي الشريف. وكان حديث الناس عن المهدي، لأنهم يتوقعون ظهوره مجددا للقرن الخامس عشر الهجري. وكانوا يقولون أن الشيخ ابراهيم الكولخي آخر الأقطاب التجانيين. سُئل عن المهدي فقال: “في جيبي”. وسئل عن عيسى فقال: (معي) أو العكس. وأنا كنت أعلم من قبل بأني المهدي، ولكن الأمر مكتوم عندي. وكان رفيقي في تلك الرحلة، المقدم في الطريقة التجانية يومئذ (عليو أحمد طه) وسأله أهله وسكان قريته (مرجو) عن الإمام الخميني، إذ يرى فيه البعض أنه مجـدد القرن. فرد عليهم بقوله: (إن كان من العجم، فهو عيسى، وإن كان من العرب، فهو المهدي) وحول السؤال إلي، وسألني عن نسـب الإمام الخميني، فقلت: (أنا لا أعرف نسبه، ولكن التقيت به في رؤيا منامية، وسألته عن نسبه فقال لي: صلتي بأهل البيت من جهة الأم“. وكان ذلك في مارس 1980 م، ربيع الثأني 1400 هـ.
تعليق:
في كلامه أي (عليو أحمد طه) إقرار بأن المسيح عيسى ابن مريم فرد يولد في هذه الأمة، وأن هذا زمان خروجه.
ومما يقول أؤلئك القوم ويرددونه أن الشيخ ابراهيم الكولخي قال: “أنه ربى المهدي بظهر الغيب ولم يجتمع به، وأن المهدي في العشرينــات من العمر“. ولما كأنت وفاة الشيخ الكولخي عام 1975م، فإنهم كانوا على يقين تام أن المهدي موجود بين ظهراني الخلق، لأن الشيخ ابراهيم الكولخي الذي رباه قد انتقل إلى الآخرة وأنه حامل لواءه بعده، فالأقطاب الأبدال لا يموت أحد قبل أن يخلفه قطب آخر.
وكلام الناس عن الشيخ ابراهيم الكولخي في تربية المهدي واستخلافه، موثق في ديوانه الذي يقول فيه:
اني وان كنت الأخير زمانه * لأرجو بشارات الأمين لصحبه
فالشيخ الكولخي ذكر صراحة بأنه آخر الأقطاب الأغواث ولم يبق بعده إلا عيسى ابن مريم القطب الغوث، وهو البشارة التي وعد بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعد موقعة مؤتة. قال صلى الله عليه وسلم: ”ليجدن عيسى ابن مريم في أمتي خلفاً من حواريه“.
قال الشيخ الكولخي:
سيأتي زمان لا يزال وأمتي * وما قال في عيسى سلو لحزبه
ونجد شرح هذا البيت في قصيدة له، يقول فيها:
أرجي لقاء المهدي عونا ومرشدا * له كل وقت من رضاي مجاله
فتمسي النصارى كالجليد تشعشعت* عليـه ذكاء كلهم ضاق حاله
وهذا المهدي الذي رباه الشيخ الكولخي بظهر الغيب هو عيسى ابن مريم، بشاهد قوله:-
وأهدي الإمام المهدي الختم مرشدا * له كل وقت في مجال ومرقد
وقال في قصيدة أخرى:
ويختم عيسى لا تكون ولاية * بعيد ممات الروح فالخير يدفن
ولما كان انتقال سر الخلافة الربانية ينقل على قاعدة الخلفاء الأبدال “ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكأنه آخر“ فإن عيسى ابن مريم هو خليفة الشيخ ابراهيم الكولخي، بلا فاصل زمني.
وقد انتقل إلي سر الخلافـة عام 1975م، وأنـا بمدينة (الدلنج) في نفس العام الذي توفي فيه الشيخ الكولخي. ولما كنت من مواليد عام 1946م وفي رواية عام1948م، فإنى ورثت الخلافة الربأنية من الشيخ الكولخي بلا فاصل زمني، وكنت وقتها في التاسعة والعشرين من العمر. ولهذا العمر شاهد من السُنة.
فقد ذكر سعيد أيوب تقول جين داكسون عن القائد المسلم المهدي المنتظر: “عندما يبلغ التاسعة والعشرين أو الثلاثين، يعلن عن نفسه للعالم كله“ آخر ساعة، وفي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم : “ يبعث بين الثلاثين والأربعين“. الحاوي ص 239. ثم قالت جين داكسـون: “ويقوم هذا الشاب بنشر دعوته وتعاليم دينه، وإن عقيدته لن تكون هي المسيحية، بل نوع آخر من التوحيد، يقوم على قوة الله العليا“. المصدر: المسيح الدجال في أصول الديأنات الكبرى ص161 بالهامش.
وخلاصة تلك المعأني تفيد بأن المسيح المهدي يدين بالإسلام، وهو النوع الآخر من التوحيد، غير المسيحية.
فصل
مــوتـه
قال ابن عربي: “فمن جاءه أجله المسمى، ولم تغفر حوبته، فقد أغلق باب توبته، وطلعت شمسه من المغرب. ولا ينفعه إيمان ذلك الوقت مالم يكن آمن، وهو قوي مستبصر. فإن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر“. عنقاء (نكتة الشرف في غرف من فوقها غرف). والمقصود بطلوع الشمس من المغرب خروج الروح و مفارقتها للجسد بالموت.
وفي هذا بيان لقوله تعالى: “ وَأن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ“ النساء159.
وورد في الأثر، 10/85 عن الحسن مرسلاً، إن رجلاً سأل عن قوله تعـالى: ”وَأن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ“ قال: (قبل موت عيسى). المصدر: التصريح ص284.
فصل
حـشـره
قال ابن عربي: “ولما صح أن الختم متقدم الجماعة يوم القيامة، ثبت أن له حشرين، وأنه صاحب الختمين ويشركه ذو الأجنحة في حشريه“. عنقاء (بحر طامس وبحر غاطس).
قال الشيخ أحمد التجاني: “لذلك يكون له (أي عيسى ابن مريم ) يوم القيامة حشران تابعا ومتبوعا، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم ختم نبوة التشريع، فلا نبي بعده مستقلا“. الدرة الخريدة ص45.
وقوله “أنه صاحب الختمين“ لأنه خاتم الولاية (الخاصة) الباطنية وخاتم الولاية (العامة) بظاهر التشريع، وإقامة دولة العز.
وقوله “يشركه ذو الأجنحة في حشريه“ وذو الأجنحة هو جبريل عليه السلام. فهو مصاحب لعيسى بن مريم في قرني إمامته في زمن النبوة وزمن الهداية، إشارة إلى قوله تعالى: “إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا“.المائدة 110.
وورد في الأثر عن أبى زيد قال في قولـه تعالى: “ َيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ“. قال: “قد كلمهم عيسى عليه السلام في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهلا“ أخرجه ابن جرير كما في الدر المنثور. المصدر: التصريح الأثر ص291.
وروح القدس هو جبريل عليه السلام، وهو ذو الأجنحة، الذي يصحب خاتم الولاية في حشريه الأول نبياً في بني إسرائيل، والآخر مهدياً في أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
العلامات الدالة على ظهوره
من هذا العرض في الصفحات السابقة، تأكد تطابق علم الأصول مع علم الخصوص، في الآتي:
1) ميلاد عيسى ابن مريم في هذه الأمة, بعد ميلاده الأول في بني إسرائيل. وشواهد ذلك من الكتاب كثــيرة، ذكرتها في نشرات سابقة، منها علي سيبل المثال، قوله تعالى في سورة البلد: “ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ“ وبينا أن المولود في هذه الآية هو عيسى ابن مريم، يلده رجل من آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولما كان عيسى ابن مريم لا أب له على التحقيق، وإنما يلده في ظاهر التشريع رجل من أهل البيت، لذلك وُصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه والد لعيسى ابن مريم، بقوله تعالى: “ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ“.
2) مجيء عيسى ابن مريم من قبل المغرب بنص حديث الإمام أحمد. وللمزيد من الشواهد، مارواه معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: “ستفتح بعدي جزيرة تسمى بالأندلس فتغلب عليهم أهل الكفر، فيأخذون من أموالهم وأكثر بلدهم ويسبون نساءهم وأولادهم، ويهتكون الأستار ويخربون الديار، ويرجع أكثر البلاد فيافي وقفاراً، وتنجلي أكثر الناس عن ديارهم وأموالهم، فيأخذون أكثر الجزيرة، ولا يبقي إلا أقلها. ويكون في المغرب الهرج والخوف ويستولي عليهم الجوع والغلاء وتكثر الفتنة، يأكل الناس بعضهم بعضاً فعند ذلك يخرج رجل من المغرب الأقصى من أهل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو القائم في آخر الزمان، وهو أول أشراط الساعة“. المصدر: التذكرة للقرطبي ص517.
هذا الحديث يسرد تاريخ الأمة الإسلامية منذ فتح الأندلس إلى يومنا هذا. فقد فتح المسلمون الأندلس بقيادة طارق بن زياد. ثم تغلب أهل الكفر (الأمم الأوربية) على المسلمين، ودالت عليهم الأيام فأخرجوهم من الأندلس ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل لحقوا بالمسلمين في عقر دارهم. وذلك معنى قوله “ فيأخذون أكثر الجزيرة ولا يبقى إلا أقلها“ وهي فترة الاستعمار الأوربي للعالم العربي بعد القضاء على الخلافة الإسلامية. “ولا يبقي إلا أقلها“ وهي المملكة العربية السعودية – مكة والحجاز – التي سلمت من الاستعمار لأسباب معلومة.
أما الشق الآخر من الحديث “ويكون في المغرب الهرج والخوف ويستولي عليهم الجوع والغلاء“ فإنه يخص الأحداث بغرب السودان في ولاية دار فور. قال الدكتور التجاني مصطفي محمد صالح: “لقد أبتليت دار فور بلد المسيد والخلوة والتقابة في أخريات أيامها، بمشكلة الصراع القبلي، وغابت الحقيقة بين دخان البندقية ودوي الرصاص، وضبابية الكثير من المنشورات والمقالات التي تظهر بين الفينة والأخرى، عن المشكل الدارفوري، في الصحف السيارة التي تصدر في الخرطوم… ولأن القضية التي يتناولها البعض بعفوية على درجة من الحساسية، ينبغي أن يتعامل معها الباحثون بحذر ومسئولية”. المصدر: د.التجاني – الصراع القبلي في دارفور ص17.
وقوله “وتكثر الفتنة“ تجلي في كتاب الصراع القبلي في دارفور كما رصده الدكتور التجاني إذ يقول: “أن هجر المواطنين لقراهم النائية، ونزوحهم إلى أطراف المدن بحثاً عن الأمن والاستقرار النفسي، يقضي على روح الإنتاج وحب العمل ورفع الهمة، والاضطرار للاعتماد على الإعانات والإغاثات الأجنبية، مما يورث الذلة والخنوع والصغار وهذا الموقف يتيح للدول المانحة للإغاثات، الفرصة السانحة كي تملي شروطها على الحكومة ومساومتها في عقيدة ومبادئ وقيم شعبها“. المصدر: د.التجاني – الصراع القبلي في دارفور ص70.
أما المرحلة التالية، بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “فعند ذلك يخرج رجل من المغرب الأقصى من أهل فاطمة“.
وقد يرى بعض الناس أن هذا الفاطمي، هو الإمام محمد أحمد المهدي وقد مضى.
أقول: هذا ليس صحيحاً لأن محمد أحمد المهدي عاش في زمن كانت تسود فيه الخلافة العثمأنية باسم الإسلام في الجزيرة العربية أيام الأتراك العثمانيين. وأن هذا الحديث يتكلم عن فترة الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي عقب سقوط الخلافة الإسلامية التركية واحتلال العالم النصراني واليهودي أرض الخلافة الإسلامية.
وأود أن أنبه إلى أن الخلافة الأموية والخلافة العباسية والخلافة التركية محسوبة زوراً على الخلافة الإسلامية لأنها ملكاً عضوضاً وأما خلافة الإسلام فهي خلافة على منهاج النبوة ويحييها المسيح عند عودته.
وقوله “وهو القائم في آخر الزمان وهو أول أشراط الساعة“ فإن هذا الوصف لا ينطبق إلا على عيسى ابن مريم. كونه آخر هذه الأمة قول مشهور. وعن كونه أول أشراط الساعة، فقد ورد في الأثر
عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: “وَأنهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ“ قال: “نزول عيسى ابن مريم عليه السلام”. أخرجه ابن جرير من طرق كما في الدر المنثور. المصدر: التصريح الأثر ص 291.
3) إن الأحداث القبلية الحالية في دارفور، من حروبات قبلية ونهب مسلح، هي شاهدة على صدق النبوة في هذا الحديث. وورد أيضاً في الأثر: ” يكون بأفريقيا أمير يلي اثني عشر عاماً وتكون بعده فتنة، ثم يلي أمير اسمر يسير إلى المهدي ويؤدي إليه الطـاعة ويقاتل عنه“. المصدر: الهيثمي في القول المختصر في علامات المهدي المنتظر.
فأمير أفريقيا الذي يلي اثني عشر عاماً هو عمر حسن أحمد البشير، إذ ولي اثني عشر عاماً، وبعدها، أي بعد العام الثاني عشر كأنت الفتنة الكبرى، التي هزت العالم بأسره وتأثر بها المسلمون في كل أرجاء المعمورة، إذ شنت عليهم حرب عالمية مسعورة، بعد أحداث 11سبتمبر 2001م.
وتأثر السودان بصفة خاصة بأحداث هذه الفتنة، فتدخلت أمريكا بصورة مباشرة في شئون السودان، وتم تدويل التراب السوداني واقتطاع جبال النوبة من السيادة السودانية ووضعت تحت (الأنتداب الأمريكي) حتى كتبت إحدى الصحف السودانية، فقالت: (نحن الآن في عهد دانفورث) أي بعبارة أخرى، لقد انتهي عهد الإنقاذ وجاء عهد دانفورث الأمريكي والتدخل الأجنبي في السودان.
ولا أدري كم تستمر مدة الفتنة، ومتى يستيقظ أهل السودان لاحتوائها. ولكن الأمير بعدها سيكون هو عيسى ابن مريم – أمير أفريقيا الأسمر سليمان أبو القاسم – الذي يسير لمناصرة المهدي المحاصر ( صدام حسين) في المنارة البيضاء (بغداد) الذي يحاصره الدجال الأمريكي – البريطأني، اليهودي الصهيوني.
صفات القطب الاصطفائية
تعريف مقام القطبانية:
قال العربي بن السائح: “كلام شيخنـا رضــي الله عنه – يعني التجاني – : وهذا المقام المعني مقام الختم في القطبانية لم يكن إلا بحكم الإرث من النبي صلى الله عليه وسلم بعده لمن اختصه الله بذلك من الأقطاب المحمديين المتخلقين بالأخلاق الثلاثمائة التي من تخلق بها دخل الجنة وهم أكابر أقطاب أهل الولاية الباطنة الخاصة إذ الولاية من حيث هي على قسمين ظاهرة وباطنة. فالظاهرة لأهل التصريف الظاهرة وهي معروفة وهذه الولاية تختم بالإمام العدل المسمى المنتظر الذي يظهره الله آخر هذه الأمة حسبما هو مشهور. والباطنة لأهل التصريف الباطن وهذه الباطنة تنقسم إلى قسمين أيضاً عامة وخاصة. فالعامة من آدم إلى سيدنا عيسى عليه السلام وعليه تختم في آخر الزمان. والخاصة هي من نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الختم الأكبر الذي يختم عليه مقامها وينتهي إليه مرامها” بغية المستفيد ص 191 – 192.
التعليق:
1) ظاهر كلام الشيخ التجاني أن القطب وُراث لخلافة النبي صلى الله عليه وسلم بتعيين من الله من ظاهر كلامـه “لمن اختصه الله بذلك” إن استخلاف المشائخ لأبنائهم أو لأحد من اتباعهم لا علاقة له بدين الإسلام ولا بالتصوف.
2) المنتظر غير قطب لأنه صاحب ولاية عامة أى صاحب نفوذ سلطاني أى حكماً وهذا ليس هو المهدي التجاني.
3) ولما كان للولاية الباطنة ختمان أحدهما الشيخ أحمد التجاني وقد مضي وتوفي عام 1250 هـ فإن الختم الثأني صاحب الولاية الباطنية المتبقي هو عيسى ابن مريم بصريح النص السابق وهو المهدي التجاني إذ لم يعد هنالك ختم ولاية باطنية ينتظرونه غيره.
ذكر العربي بن السائح من كلام الشيخ التجاني رضي الله عنه:
“إن ما يفيضه كل قطب في زمانه من الأمداد على جميع العوالم الخلقية إنما هو بواسطته لكن لم يرها لأنها محجوبة وهو يستفيض من الحقيقة المحمدية فيما يفيضه على كل قطب مدة حياته وفيما يفيضه على العوالم الخلقية في زمانه بلا واسطة” البغية ص 197.
الشرح والتعليق:
معني كلامه أن الأقطاب لا يأخذون من فيض الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من وراء حجاب ختم الولاية، الباطنية الخاصة الذي هو الشيخ أحمد التجاني وختم الولاية الباطنية العامة وهو عيسى ابن مريم كما ذكره صاحب الدرة الخريدة محمد فتحاً: “وفي (نص) إن لهذه الأمة خاتمين جامعين لكل رتبة ومقام وإرث بأحدية جمعها وتنوع وحدتها حتى تستغرق كل نعمه ووصف إمداد واستمداد أحدياً كان أو أحمدياً بسر تنزله وإحاطته بعلومه المطلقة والمقيده وما هو خصص به أصلاً وفرعاً، حكماً وعيناً، سعة وضيقاً، قيداً وإطلاقاً حتى إن كل ولي كان أو يكون إنما يأخذ من هذين الختمين الذي يكون أحدهما خاتم ولاية الخصوص والآخر بختم الولاية العامة فلا ولي بعده إلى قيام الساعة“. المصدر الدرة الخريدة ص 45.
التعليق:
أود أن أوجه غرور مريدي الطريقة التجانية ان الشيخ أحمد التجاني بما أورده العربي بن السائح في البغية ص 197 إن الشيخ التجاني لا يمد التجانيين بعد وفاته و إنما الشـــيخ التجاني يمد قطب كل زمان وهذا القطب بدوره يمد الأولياء، فعليهم اتباع قطب كل زمان عاشوا فيه وإلا كان قطعهم عن الشيخ أحمد التجاني محتماً وكذلك الحال مع أصـحاب الشيخ إبراهيم الكولخي بعد وفاته وهذه القاعدة تسري على كل أصـــحاب الطرق الصوفية الأخرى فالشيخ عبد القادر الجيلأني والشيخ السماني لا يمدأن أحداً اليوم فمددهما انقطع من تاريخ وفاتهما. فمن يتمسك بهم لاحــظ له في الدين مطلقاً، وإنما التمسك بقطب كل زمان يعيش فيه المؤمن، وبعد وفاته يسلك طـريق القطب الجديد وهذا هو منهج الطرق الصوفية الذي يطابق منهج السنة في مبايعة الإمام.
أورد العربي بن السائح عن الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه قال: “إن مقام القطبانية أجل المقامات وإن صاحبه في كل زمان هو الجامع لما للأولياء والعارفين في ذلك الزمان من الأحوال والأسرار والكرامات“ بغية المستفيد ص 191 أجاب الشيخ أحمد التجاني عن مقام القطب فقـال: “أورثه الله التجلي الكامل المحيط بالتجليات كلها وأورثه الاسم الأعظم بجميع احاطته وأورثه المدد من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة وأورثه مدد جميع الأولياء يكون على يده” البغية ص 190.
فكل من يدعي الولاية أو المشيخة ولم يأخذ من قطب زمانه فهو ضال ومضل.
قال الشيخ أحمد التجاني: “القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق تبارك وتعالى مطلقاً في جميع الوجوه جملة وتفصيلاً حيثما كان الرب إلها كان هو خليفة في تصــريف الحكم وتنفيذه في كل من عليه الوهية لله تعالى، ثم قيامه بالبرزخية العظمي بين الحـق والخلق فلا يصل إلى الخلق شيء كائنا ما كان من الحق إلا بحكم القطب وتوليه نيــابة عن الحق في ذلك وتوصيله كل قسمة إلى محلها ثم قيامه في الوجود بروحانيـة في كل ذرة من ذرات الوجود جملة وتفصيلاً فترى الكون كله أشباحا لا حركة لها وإنمــا هو الروح القائم فيها جملة وتفصيلاً وقيامه فيها وفي أرواحها وأشباحها ثم تصرفه في مراتب الأولياء فيذوق مختلف أذواقهم فلا تكن مرتبة في الوجود للعارفين والأولياء خارجة عن ذوقه فهوالمتصرف في جميعها والممد لأربابها وله الاختصاص بالسر المكتوم الذي لا مطمع لأحد في دركـــه والسلام“ بغيـة المستفيد ص 189.
التعليق:
1) عيسى ابن مريم هو أخص الأولياء بهذا المقام بقوله (هو الروح القائم فيها) لأنه هو روح الله والأحق بهذه الخلافة.
2) وأي مقدم لا يأخذ عن قطب زمانه لاحظ له في الولاية وما يدعيه من التقديم هو لإضلال مريديه بسبب أهوائه الشيطانية لأنه لم يبايع إمام وقته ولم يأخذ الإذن عنه في التقديم والتربية لأن تربية الأفراد من شئون القطب صاحب الوقت.
قال الشيخ محي الدين رضي الله عنه: “وقد جرت السنة الإلهية في القطب إذا ولي المقام أن يقوم في مجلس من مجالس القربة والتمكين وينصب له فيه تخت عظيم لو نظر الخلق إلى بهائه لطاشت عقولهم فيقعد عليه ويقف بين يديه الإمامان ويمد يده للمبايعة وتؤمر الأرواح الملكية والجن والبـــشر الروحاني بمبايعته واحداُ بعد واحد ولا يبايعه إلا الأرواح المطهرة المقربة ومن جمـــلة المبايعين له النباتات“ بغية المستفيد ص 187 – 188.
صفات القطب الخلقية:
قال العربي بن السائح: “ومن صفاته عند الشيخ محي الدين: إنه المنعوت بمعاني جميع الأسماء تخلقاً وتحققاً. وإن الغالب عليه الخفاء. حاله العبودية والافتقار يقبح القبيح ويحسن الحسن. إنه لا يرى من الأشياء إلا وجه الحق فيها يضع الأسباب ويقيـمها ويدل عليها ويجري بحكمها وينزل إليها حتى تحكم فيه وتؤثر فيه. إن كان ذا دنيا تصـرف فيها تصرف عبد في ملك سيد كريم وإن لم يكن له دنيا وكان على ما يفتح الله لم تستـشرق له نفسه بل يقصد بنفسه عند الحاجة بيت صديق يعرض عليه حاجة طبيعته كالشـفيع لها عنده فيتناول لها منه قدر ما تحتاج إليه وينصرف، لا يجلس عند حاجته إلا لضرورة فإذا لم يجد لجأ إلى الله في حاجة طبيعته لأنه مسئول عنها لكونه والياً عليها ثم ينتظر الإجابة من الله فيما سأله فإن شاء أعطاه ما سأل عاجلاً أو آجلاً فمرتبة الإلحاح في السؤال في الشفاعة في حق طبيعته بخلاف أصحاب الأحوال فإن الأشياء تكون عن هممهم وطرحهم الأسباب عن نفوسهم فهم ربانيون والقطب منزه عن الحال ثابت في العلم مشهور فيه. لا تطــوى له أرض ولا يمشي في الهواء ولا على ماء ولا يأكل من غير سبب ولا يطرأ عليه شـيء من خرق العوائد مما ذكرنا إلا نادراً لأمر يؤيده الحق فيفعله ولا يكون ذلك مطلوباً للقطب. يجوع اضطرارا لا اختياراً ويصبر على النكاح لعدم الطول” بغية المستفيد ص 188.
التعليق:
إن هذا الوصف المتقدم عُنيت به خصيصاً: دون سائر الأقطاب لأن كل ذلك ينطبق عليٌ بصورة دقيقة يعرف ذلك كل من كان يعرفني معرفة لصيقة.
ولكن أذكر بعضاً منها لمَن لم تكن له معرفة بشخصي وحياتي:
1) قوله “يضع الأسباب … إلى قوله… حتى تحكم فيه وتؤثر فيه“ لقد دخلت السجن عام 1981 م بلا سبب مني وأعلنت الدعوة من داخل السجن. وسجنت بسبب الدعوة ثلاث مرات في عهد الأنقاذ في الأعوام 1995، 1996، 1998 م.
2) وقوله (لا يأكل من غير سبب) لقد كنت أتكسب من عمل يدي بحرث الأرض في (عِدْ جلحه) فتوجه إلى ماحي بن عبد الله بن محمد ديداي الناعمي وأحد أعمامه يطلبان مبايعتي فلقيا عبد الرحمن بن محمد الفارسي ابن رحمة الله أبوالزين (الزبراجي) وكان من أشد الناس تكذيباً بدعوتي فقال له ماحي: دلنا على منزل الشيخ سليمان أبو القاسم فقال عبد الرحمن بسخرية: أتقصد النبي؟ فرد عليه ماحي متحدياً : أقصد النبي.
قال عبد الرحمن متهكماً : وهل النبي يحرث.
رد ماحي بثقة وإصرار: النبي يحرث وأيضاً يسرح.
وقوله يسرح يقصد أن سيدنا موسي النبي كان يرعى غنم شعيب عليهما السلام.
تنبيه:
لقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مهنتـي فقـال: “ يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث حراث (الحارث بن حراث) على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد صلى الله عليه وسلم كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مؤمن نصرته أو قال (إجابته) “ رواه أبو داود والنسائي والبيهقي – المصدر عقد الدرر في أخبار المنتظر وهو المهدي حديث رقم 205 ص198.
قال الشارح بالهامش: (الحارث إسم له وحراث صفه له أي زارع).
أقول: قوله “وراء النهر“ النهر هنا هو النيل ووراءه يعني غرب نهر النيل: قياساً من موقـع رسول الله صلى الله عليـه وسلـم في (الجزيرة العربية) شرق النيل وعلى ذلك فإن الحديث يتكلم عن الموقع الذي أزرع فيه وفي هذا الحديث أمر صريح من رسول الله للمؤمنين بنصرتي وإجابتي.