بسم الله الرحمن الرحيم

الفهرست

المقــدمة.

خطوات على سنن الخلافة على منهاج النبوة

أصحـــاب الســقيفة 

من حجج المهاجرين :

غياب منهج الخلافة في إجتهادات علماء أهل السنة 

رأي الخـــــوارج في الإمــامة 

منهج فرق الشيعة في الإمامة 

من عقيدة الإمامة عند الجعفرية.

إنسانها الخاتم بدليل النص

أصحاب الصراط السوي (خلافة على منهاج النبوة )

الخــــاتمة

 

المقــدمة

الأمة الإسلامية أحست بالضياع بسبب هذا العدوان الذي يقوده اليهود الصهاينة من خلف الستار ويحركون العالم ويسخرّون طاقات المسلمين وإمكانياتهم المادية لضرب إخوانهم المسلمين في كل مكان – في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان.

حمم القنابل النارية تنهال على الأطفال والنساء والشيوخ المسلمين من قاذفات وراجمات الصليبيين واليهود ولا أحد يحرك ساكناً لنصرتهم وإغاثتهم من الملوك والرؤساء والأمراء الذين تزعَّموا الناس بهتاناً وزوراً وشرَّع لهم العلماء بأنهم أولياء أمر المسلمين الذين أمر الله عزّ وجل بطاعتهم في قوله عز وجل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ” (59) سورة النساء. ونسوا أن القول الفيصل لإثبات لمن تكون له ولاية الأمر والواجب طاعته بدليل الآية هو عجز الآية “ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ “ ولاية الأمر – “ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ “ وأسقطت الآية مرجعية (ولي الأمر) لأنه أصبح طرفاً في النزاع – “ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ”. ومن يستند على إثبات أحقيته في الولاية بالنص فهو ولي الأمر شرعاً ومن خالفه أسقطت الآية عنه صفة الإيمان  – “ ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً” فالخير والمآل الحسن في الحكم هو إثبات أحقية ولاية الأمر بالنص وليس بالقوة والقهر والغلبة بالشوكة.

مثل هذا الولي هو الذي يزود عن حياض الأمة ويحمي بيضتها في وقتنا الراهن الذي أصيبت فيه الأمة بالعجز عن مناصرة المسلمين لإخوانهم في الدين في كل مكان من أرجاء المعمورة.

بقيادة هذا الشخص – وليس الملوك والرؤساء والأمراء – تنهض الأمة من كبوتها وتنهض من تقاعسها وتقلَّب الموازين وتدور الدائرة على اليهود والنصارى الصليبيين. فعلى الأمة البحث عن هذا الشخص القائد والتعرف عليه بالنصوص الدالة عليه وإتباعه وقد خطا الشيخ عمر الأمين احمد خطوة متقدمة في هذا  الشأن واستخرج شهادة بحث وحدد تواجده في مثلث السودان إيران فلسطين في حلقات مفاكرة الجمعة من كل أسبوع في صحيفة الصحافة آخرها بتاريخ الجمعة 14 يوليو 2006م تحمل الحلقات العنوان (نهاية الثقافة وإنسانها الخاتم – مثلث السودان إيران فلسطين آخر معاقل الصمود الثقافي).

 

أقول : فالمطلوب هو إثبات شخصية هذا الإنسان الخاتم بالنص حتى لا يدعي كلٍ انه المقصود بالإنسان أو يزعم له أنصاره ذلك من غير دليل نص عليه الشرع (القران أو السنة) وليس بأمانيكم أو بزعمكم.

الفصل الأول

 خطوات على سنن الخلافة على منهاج النبوة

لقد أثار إهتمامي العنوان الذي اتخذه الشيخ عمر الأمين أحمد في صحيفة الصحافة في كل جمعة في حلقات تحمل عنوان (نهاية الثقافة والإنسان الخاتم – مثلث السودان إيران فلسطين آخر معاقل الصمود الثقافي) فحرصت على قراءة حلقات هذا الموضوع واخترت منه بعض المقتطفات:

قال الشيخ عمر الأمين احمد :

” ذهبنا في المفاكرة الماضية إلى القول بخروج الفرقتين الإسلاميتين الكبيرتين السنة والشيعة عن حالة تمثيلهما لمشروع ذي موقف إسلامي صحيح، وذلك استناداَ إلى وجود إشكاليات تحيط بنشأتهما التاريخية  وهويتهما ذات الطابع السياسي السلطوي.

وقلنا إنّ هاتين الفرقتين تتجافيا عن حقيقة المشروع الإسلامي بركوبهما هذا المركب الأحادي الجانب في جهة سيره إلى مصاف السلطة السياسية في حين يعتمد المشروع الإسلامي على السير إلى رحاب أكثر وسعاً عبر مصاعد الترقي إلى رحاب إيمانية إنسانية يريدها ويرضاها الحق – جل وعلا – لعباده، وتلك كما أوردنا تتصل بشئونه كانسان غض النظر عن شكل انتظامه أكان حضارياً أم يمكن على حال البداوة الأولى …

تليخصاً لما سبق ان ذكرناه كون السنة والشيعة يقعان في جانب فرقة الكسب الدنيوي من الميزان ففيه إشارة إلى الجماعتين اللتين ترقدان إلى يمين الميزان في كفته الراجحة، وهما مما سبق ان ذكرنا ان أحدهما تمثل الجماعة المسلمة الخالصة الصادقة في إسلامها، وهي تتكون من أفراد لا يمتلكون وسعاَ في نفوسهم للترقي إلى مصاف جماعة أكثر رفعة  ولا تكتمل الصورة إلا بظهور الجماعة الثانية المؤقتة كتجمع يضاف إلى يمين الميزان ويمثل ثقله بحسب ان تلك الجماعة هي التي قد شمّرت عن ساعد الجد وعممت وجهها شطر ربها لا تلوي على شيئ، تريد ما عنده في طابع من الإخلاص والتجرد والصدق وحسن الطوية.

وقد أورد الحق – جل وعلا – في تناول آخر لصورة أخرى لهذه الموازين الثقافية المنصوبة في سورة الواقعة فنلاحظ تصنيفاً لا يختلف شكلاً ولكنه يدق فرزاً: ” وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ”  وهنا نكتشف ان أصحاب مشأمة التجافي عن أمر الحق – جل وعلا – من أهل الكسب الدنيوي على مختلف أشكاله وطريقة تدافعه، مباحاً كان أو غير ذلك، فهم قبيل واحد. ونلاحظ ونحن نقف مشدوهين بعمق هذا البيان، تحديد مكان بعينه لمصاف المؤمنين من أصحاب اليمين فهم “فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ  *  وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ” “ (28 ـ 33) سورة الواقعة.  فأين بربكم نجد هذا الوصف؟ وهل تعرفون نباتاً له ثمر أخضر، داخلة أحمر، حلو الطعم والمذاق ؟ أفيدوني يا أهل الجغرافيا ؟

حسناَ فلنبتعد قيلا عن أشواك تفرزها إشارة في هذا الفرز كان بإمكاننا الاستئناس بها في محسب الدليل والمقصود في هذا العماء الكبير ونتساءل: أين هم المؤمنون الذين يتحدث عنهم التنزيل الحكيم ؟ وهل هناك إشارات واضحة تدل على طريق واضح نسلكه للوصول إليهم؟ فالإشارات التنزيلية عن هؤلاء تكاد تتفرق بين كثير ممن يدعون أنهم الفرقة الناجية وأنهم المؤمنون المثقفون الموحدون .

وفي هذا الصدد فإشارات التنزيل الحكيم تبدو لأول وهلة انها لا تحدد بل تعمم، كشأنها عندما تتحدث عن أولياء الله حيث يقول التنزيل الحكيم (“أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) فنتساءل : من هم ؟ فقال التنزيل الحكيم (الذين امنوا وكانوا يتقون) فانفتح الباب إلى قول كثير في الصدد كل يدعي هذه الولاية، وكلهم تقريباَ لا يملكون الدليل الثابت القاطع حتى قال بعضهم: أولياء الله موجودون ولكنهم مخفيون لا يعرفون.

والادهى والأمر هو ما يقابله المرء في تقرير الحديث النبوي الشريف حول تفرق الفرق في هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا واحدة، فكيف وأين الدليل ؟ وقد يبدو – والعياذ بالله – ان الأمر هو قياد إلى عماء، ثم عذاب لمن لا يملك الدليل ولا الأداء التي يمكنه ان يفرق بها هذه الفرق ويمحصها فيختار احداهما، وحاشا لله، وقد يبدو في متشابه ومتشابك هذه الفرق، وفي جسارة ادعاءات كثير منها ما يدعو إلى المزيد من الحيرة والتخبط، فماذا تقولون؟  أتقولون – والعياذ بالله – ان الله يعذبنا بما لا نملك من أمر فرزه وتمحيصه لأجل اختيار ما يريده ويرضاه ؟ انظر إلى قوله  (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ ) من التيه الضلال والخيارات الغامضة التي في غالبها لا تتوافق مع عقلانية ينبغي ان تكون أهلاً للطاعة والامتثال للأمر الإلهي (حتى يميز الخبيث من الطيب) للذين امنوا منكم ووضعوا أنفسهم في مسار يمكنهم من السير وفق هذا المشروع الإلهي الكبير. لذلك فالأمر في نهايته مكفول لك يا من تتباكى شاكياً من انبهام الطرق والمسالك فأنت أيها العزيز لم تضع نفسك على المسار الصحيح مبدأ، وتراجع وانظر إلى نفسك وضعها في مسارها الصحيح  ترى الأمر غاية في الوضوح والجلاء لا تخطئه عين ناظرة بنور ربها.

لكن ومع ذلك فالأمر في غاية الوضوح والجلاء لا يحتجب الا لمن أبى. فقط انظروا إلى صلاتكم معراجكم إلى الله وصلتكم به، الا تتساءلون…عن كيفية ان تكون هذه الصلاة صلة لكم بربكم ولا تحتوي هذه الصلة ما يوصل به ؟… وكيف تكون صلة وهي غير حاوية على خلاص من هذا التوهان ؟ أم لا ترون طريق الخلاص فيها ؟ .

…الا ترون أنكم تسالون الله فيها … (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ) فمن هم هؤلاء الذين انعم الله عليهم الحق – جلَّ وعلا – ونطلب في صلاتنا ان نهتدي إلى طريقتهم؟ وهل هنالك دليل أو إشارة إليهم؟ حسناً، ونحن نواصل صلاتنا ونواصل توسلنا إلى هذه الحضرة الشريفة، حضرة الذين قال الحق – جلّ وعلا – انه انعم عليهم، ونحن على وشك الخروج  من صلاتنا وقبل ان نختمها بالتشهد بالتحيات لله وبالزاكيات وبالطيبات الصلوات له، فهو مناط قبلتنا ومحجتنا ومسارنا إليه ، نرجو رضاءه ونتضرع ونتوسل إليه بما امرنا ان نتوسل به إليه، ونضيف في توسلنا بهذا التشهد: (السلام عليك أيها النبي – ) فنضع أنفسنا بهذا السلام في المسار الصحيح، مسار هذا المعراج إليه باقتفاء صراط الذين انعم عليهم الحق – جلّ وعلا –ومن هو الذي أنعم عليه الحق – جلّ وعلا – كإنعامه على المصطفى – عليه وعلى اله أفضل الصلاة وأتم التسليم؟ فإذا قلنا قبلنا بذلك وآمنا به فنحن ممن نستحق ان نكون واضعين أنفسنا في هذا المسار، فنردد ونحن على أعلى درجات الاطمئنان: السلام علينا.. وعلى عباد الله الصالحين، فمن هم؟ ما يزال السؤال قائماً ونحن مازلنا نواصل إلى ختام الشهادة ثم الصلاة الإبراهيمية فنقول: (اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم  وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى أل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد) ونسألك أيها المدعي بانبهام الطريق: أي عماء قادك إلى عدم إعتبار أن من صليت بذكر الصلاة عليهم مقرونة بالصلاة على من اعترفت بإنعام الحق – جلّ وعلا – عليه هم خارج دائرة من انعم عليهم الحق – جلّ وعلا – ؟ وكيف لك الا ترى انهم – دون العالمين – حائزون على صفة هي نفس تطلبنا الى الحق – جلّ وعلا – أن يهدينا صراطهم المستقيم؟ وكيف لا يعتبر ذلك الذكر إشارة إلى أهل الصراط المستقيم، حيث يمكننا ان نمسك ببداية الخيط الذي يقودنا إلى صراط الذين أنعم عليهم الحق – جلّ وعلا – فنسلكه؟ فهل هنالك ما هو أوضح من هذا الطريق وأكثر منه تحديداَ؟ وهل هنالك في (العالمين) ممن قالت بهم أم الكتاب مقروءة مع التشهد والصلاة الإبراهيمية ما يكننا ان نعتبرهم بهذه الصفة سواهم ؟

(7) فإذا كان (آل محمد) من يمكن اعتبارهم من انعم عليهم الحق – جلّ وعلا – ففي تلك إشارة واضحة مؤكدة إلى بداية طريق يتوجب علينا سلوكه، وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلا.

وتقرر ان آل بيت المصطفى هم من انعم عليهم الحق – جلّ وعلا – يجعل منهم صراطنا ودليلنا إلى ربنا، ونكتب بالتالي صلاتنا بحق وحقيقة الصلة الموصلة، ظاهرة وواضحة وملموسة …” المصدر : صحيفة الصحافة عدد الجمعة 7 يوليو 2006 الحلقة (11) صفحة (9).

ويقول الشيخ عمر الأمين احمد :

(… فالمسلمون المرابطون على أمر ربهم ممن لا يملأ عليهم الأفق إلى تأطير سياسي كيفما كان، وهم يمتلكون الحمد أكثر مناهج البحث مضاءً لحلحلة أي شكل من أشكال التعقيد الظاهراني، بسيطاً كان أو مركباً، مادي أم روحاني، إنساني متكبر متأله أو متواضع مسلم جبهته إلى التراب في انكسار وعبودية فتلك معرفية منهجية على الفأ المناهج – التأويل – ذلك الذي لا يتحقق الإلمام به إلا بحياز مقام إيماني خالص مصدقاً في بالوعد الإلهي (اتقوا الله ويعلمكم الله ) حيث تنفتح البصائر عن حالة عماء مطبق لم يتخارج عنها حتى الأنبياء كما هو سيدنا موسى – عليه السلام – كما هو في قوله – جل وعلا : “وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا” (68) سورة الكهف.

…والخيار الإلهي له منطقه، إذا نظرت إليه بكشاف مبرأ الغرض والانا إذاً لا نكشف المشهد عن منطق لا يرفضه العقل ولا الوجدان السليم  وهو مبدأ إنزال الحجة الإلهية ارض الواقع، ودائماً ما تكون خياراتها أكثر توسطاً واضح فيها الأخذ بأكرم الأصول والأعراق التي  بان طيبها فعلاً وقولاً كما هو قول بنتي سيدنا شعيب – عن سيدنا موسى – عليهم أجمعين السلام – “إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ” (26) سورة القصص. ولا تقع الحجة الإلهية الدافعة بان يكون المرسلون من الملائكة حتى يقال ان وسع نفوس هؤلاء ليست ذات مقارنة مع وسع نفوسنا البشرية. فيقطع الحق – جل وعلا – هذا التحجج مباشرة  كون الحجة يتم تأسيسها على نموذج بشري من لحم ودم. فإذا كان الأمر هكذا وعلى هذه الوتيرة المعقولة في مسايرتها لقاعدة العدل والإنصاف الإلهي، فان مخالفتكم لهذا الأمر أيها البشر، إنما هي رغبة لأنكم تودون ان تستولوا حتى على الحقوق الإلهية في الاختيار لمن يمثلون حجتها البالغة ويبدو لسان حالكم هذا ناطق يقول بوضوح: تعال إلينا يا إلهنا، فانك لا تحسن الاختيار، نحن نختار لصالحك من يمثلك فينا  ولا أدري ماذا كان سيقترحوه من إليه لاختيار صيغة تعيين هذه الحجة، وأي طريق يسلك إلى حسمها، بالقوة العضلية أم  بالتصويت أم بالاقتراع ؟ أم بالقرعة ؟ .

ووقوفاً على المفرق الذي أجرى عليه الفرز بخروج الفرق الإسلامية – سنة وشيعة وخوارج ومعتزلة وتوابعها وربائبها – عن تمثيل صحيح يكافئ صفاء ونقاء المشروع الإسلامي وسار عليه في عماء مطبق من يظنون ظناً لا سند به إنهم مسلمون وأنهم في نفس الوقت ديمقراطيون أو ممن يقولون بإسلامهم من خلال إقامتهم دولته في هذه الدولة الوطنية القطرية أو يقولون بالحاكمية لله في هذه الدولة الوطنية القطرية، مثلهم في ذلك من يقولون: نحن مسلمون ولكننا نحب الوثنية.

وقد ظل الفرز الإسلامي الصحيح متجاوزاً لكل أطر التفرق والتحزب، إلا فرقة واحدة ناجية، سئل عن كيفية التعرف عليها المصطفي – عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم – فأجاب قائلاً: (الذين يكونون كما كنت عليه أنا وأصحابي). لم يغب عن ملاحظة أهل التفرق والتحزب كيفية كان عليها الصحابة مع سيدهم لكنه غاب عن فطنتهم السؤال؟  ومن يجلس فينا على مقام المصطفى فنجلس إليه على قلب رجل واحد؟  وقد حال بينهم انقسام سياسي للأمور في اجتماع السقيفة، ونسوا توجيهاً صريحاً تجاوزوه عن ولاية أمر المؤمنين من بعده لأخيه وباب مدينة علمه، وحامل رايته يوم خيبر، والعين المشار إليها في قوله “عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا” (6) سورة الإنسان. وسلسبيل نبعها من خلفائه آل بيته من بعده ، هم من نزلت في خصائصهم سورة الإنسان ، وأي تخصيص للإنسانية ؟ …). المصدر : صحيفة الصحافة عدد الجمعة 14 يوليو2006م صفحة 9 مقال / نهاية الثقافة وإنسانها.

سيأتي تعليقي على مقالات الشيخ عمر الأمين احمد في الفصول اللاحقة في هذه النشرة وذلك لأنني اعتقد جازماً أنه سار في الاتجاه الصحيح في تعريفه للفرق الناجية والخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وليس على منهاج الخلافة الضالة التي تأتي على سنن منهاج القوة أو الانتخاب الشورى.

الفصل الثاني

 أصحـــاب الســقيفة

ذكر عبد الكريم الخطيب في كتابه (الخلافة والإمامة) ديانة … وسياسة الباب الثاني

الخلاف في الخلافة :

يقول الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل)

(أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة … إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سَُلّ على الإمامة في كل زمان …)

حدث ابن إسحاق قال :” لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إنحاز هذا الحي من الأنصار إلى (سعد بن عبادة) في سقيفة بني ساعدة، واعتزل عليّ بن أبي طالب، (والزبير بن العوام) و(طلحة بن عبيد الله) في بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر وانحاز معهم (أُسيد بن حضير) في بني الاشهل … فأتى آت إلى أبي بكر وعمر، فقال: ان هذا الحي من الأنصار مع (سعد بن عبادة) في سقيفة بني ساعدة، قد انحاز إليه … فان كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل ان يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرغ من عمره … أغلق دونه الباب أهله.

قال عمر : فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، حتى ننظر ما هم عليه …

من حجج الأنصار : وكان مما قاله من تلكم بلسان الأنصار يومئذ : (أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط، وقد دفَّت دافَّة – (أي دبت في خفاء) – منكم تريد ان تختزلونا – (أي تقطعونا) – من أصلنا وتحضوننا – (أي تضموننا إليكم وتكونون بمكان الأوصياء علينا) – من الأمر .

من حجج المهاجرين :

وكان لسان المهاجرين يومئذ أبوبكر رضي الله عنه .. وانه حين سمع ما سمع من  كلام الأنصار أراد عمر ان يرد عليهم فقال له أبوبكر على رِسْلِك يا عمر … ثم خطب في الناس فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه :”بعث الله نبيه بالهدى ودين الحق، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فاخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعا إليه، فكنا – معشر المهاجرين – أول الناس إسلاماً ونحن عشيرته، وأقاربه، وذو رحمه … ونحن أهل الخلافة، وأوسط الناس انساباً في العرب، ولدتنا العرب كلها، فليس في العرب قبيلة إلا فيها ولادة ولن تصلح – الخلافة – إلا لرجل من قريش…هم أصبح الناس وجوهاً وأوسطهم السنة، وأفضلهم قولاً، فالناس لقريش تبع … أسلمنا قبلكم، وقدمنا في الكتاب عليكم فقال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) فنحن الأمراء وانتم الوزراء … وانتم يا معشر الأنصار إخواننا في كتاب الله، وشركاؤنا في دين الله تعالى، وأحب الناس إلينا وأنتم الذين آووا ونصروا، وانتم أحق الناس بالرضاء بقضاء الله تعالى والتسليم بفضيلة إخوانكم من المهاجرين وأحق الناس ألا تحسدوهم على خير آتاهم الله إياه … وقد رضيت لكم احد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، ثم اخذ بيد عمر، وأبي عبيدة بن الجراح …) فقال قائل من الأنصار: ( والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، وما من أحد من خلق الله أحب إلينا، ولا اعزَّ علينا، ولا أرضى لنا منكم… ونحن نشفق مما بعد اليوم… فلو جعلتم اليوم رجلاً منكم فإذا هلك إخترنا رجلاً من الأنصار فجعلنا مكانه أبداً، كان ذلك أجدر ان يشفق القرشي إن زاغ ان ينقض عليه الأنصاري وان يشفق الأنصاري إن زاغ ان ينقض عليه القرشي) فقام عمر فقال : (لا ينبغي هذا الأمر ولا يصلح إلا لرجل من قريش ! ولن ترضى العرب إلا به، ولن تعرف الإمارة إلا له … والله ما يخالفنا احد إلا قتلناه)

قام الحبَّاب بن المنذر السُّلَمِّي فقال : منا أمير ومنكم أمير ..

فقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : هيهات … لا يجتمع سيفان في غِمْدٍ !

فقال الحباب: والله لأُعيدنَّها جذعة !

فقال عمر : إذن يقتلك الله !

فقال الحباب : إياك يقتل !

وحين بلغ الأمر إلى هذا الحد من الخلاف والفرقة في الرأي قام (بشير بن سعد الأنصاري) فقال : يا معشر الأنصار … أم والله لئن كنا أولى الفضيلة في جهاد المشركين، والسابقين في الدين، ما أردنا – ان شاء الله – غير رضا ربنا، وطاعة نبينا، والكرامة لأنفسنا، وما ينبغي ان نستطيل بذلك على الناس، ولا نبتغي به عرضاً من الدنيا، فان الله تعالى وليُّ النعمة والمنة علينا بذلك. ثم ان (محمداً) رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قريش وقومه أحق بميراثه، وتولي سلطانه !)

قال بن اسحق: (فكثر القول حتى كاد يكون بينهم في السقيفة حرب … وتوعَّد بعضهم بعضاً ! ترادَّ المسلمون، وعصم الله دينهم ، فرجعوا بأمر حسن، فسلموا الأمر واغضبوا الشيطان.

قال (ابن إسحاق): فوثب عمر فاخذ بيد أبي بكر، وقام أسيد بن الحضير اخو بني عبد الاشهل، وبشير بن سعد – الأنصاريان – يسبقان ليبايعا فسبقهما عمر، فبايعوا جميعاً … وسعد بن عبادة مضطجع متوعِّك، فازدحم الناس على بيعة أبي بكر، فقال قائل من الأنصار اتقوا سعد بن عبادة، ولا تطئوه، فقال عمر: اقتلوه ؛ قتله الله !)

لقد أذّن في تلك اللحظة مؤذن الإسلام ان ولدت (الخلافة) وان قد أصبح للمسلمين بعد النبي (خليفة) يقوم فيهم مقام الوكيل عن الأصيل !

وجاء في نفس المصدر الباب الثالث (الخلافة والدين)

وقد سمى ابوبكر نفسه أو سماه المسلمين خليفة رسول الله. واختلف في تسميته خليفة الله ، فأجاز بعضهم اقتباساً من الخلافة العامة للآدميين، في قوله تعالى (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً” (30) سورة البقرة. ومنع الجمهور منه، لانه  معنى الآية ليس عليه … وقد نهى ابوبكر لمَّا دُعِيَ به، وقال: لست خليفة الله ، ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم …).

وجاء في الباب الرابع : (الخلافة والحياة) في نفس المصدر

في تعليق للدكتور طه حسين على خلافة أبي بكر وعمر :

(وأكاد اعتقد ان الخلافة كما فهما كانت تجربة جريئة توشك ان تكون مغامرة ..

وفي الباب الثالث (الخلافة والدين) من نفس المصدر

موقف الإمام علي بن أبي طالب من خلافة أبي بكر :

(وجاء عمر بن الخطاب إلى (علي) – رضي الله عنهما – ومعه جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه البيعة لأبي بكر، فأبى عليهم ذلك، فأخذوه إلى أبو بكر، وهو يقول: أنا عبد الله ، واخو رسول الله ، حتى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل له بايع! فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم … لا أبايعكم ! وانتم أولى بالبيعة لي ! أخذتم هذا الأمر من الأنصار. واحتججتم عليه بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المَقَادَة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار … فانصفونا – ان كنتم تخافون الله – من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلا فبوءوا بالظلم وانتم تعلمون ثم قال : (يا معشر المهاجرين .. الله .. الله .. لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته، إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه .. فوالله يا معشر المهاجرين  لنحن – أهل البيت – أحق بهذا الأمر منكم ..) المصدر كتاب الخلافة والإمامة – ديانة .. وسياسة (دراسة مقارنة للحكم والحكومة في الإسلام) تأليف عبد الكريم الخطيب.

التعليق : الملاحظ في حادثة السقيفة ان المتجادلين فيها لم يرجعوا فيها إلى النصوص التي نسبها أصحاب الصحاح فيما بعد بشأن الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أبرزنا ذلك بسبب الصدمة الناتجة عن وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فان الطريقة التي تم بها استخلاف أبي بكر وعمر وعثمان وحتى علي لا تصلح كمرجع للأمة لاختيار الخلفاء من بعدهم ولو أختير للخلافة غير هؤلاء الأربعة لما صحت له الإمامة شرعاً ولذلك لا تصلح لأحد جاء بعدهم وأختير بنفس الطريقة التي اختيروا بها لان أمر هذه الإمارة وكل شئونها مبنية على نصوص التشريع وليس على اجتهاد العقل استقلالاً عن النص وسبب اعتماد خلافة هؤلاء الأربعة دون غيرهم هو النص.

فقد أورد دكتور علي أحمد السالوس في كتابه (عقيدة الإمامة عند أهل الشيعة الاثني عشرية)

جاء عن علي – كرم الله وجهه – قال :(قيل يا رسول الله ، من يؤمر بعدك؟ قال : ان تؤمروا أبابكر تجدوه أمينا زاهداً في الدنيا راغبا في الآخرة، وان تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وان تؤمروا علياً، ولا أراكم فاعلين، تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم ) مسند احمد الجزء الرابع حديث رقم 2374 . تحقيق وتخريج الشيخ احمد شاكر وبسند صحيح آخر  ج5 برقم 299 من المسند .

لم يدرج اسم الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في هذا الحديث ولكنه أدرج ضمناً في حديث سفينة الذي ادخل فترة خلافته ضمن الخلافة الإسلامية المنصوص عليها شرعاً –  قال بن كثير في البداية :

تحديد الرسول مدة الخلافة من بعده بثلاثين سنة وإشارته إلى أنها ستتحول بعد ذلك إلى ملك عضوض : وتقدم الحديث الذي رواه احمد ، وأبو داود ، والنسائي والترمذي وحسَّنه من طريق سعيد بن جُهْمانَ عن سَفِينة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً)

قال ابن كثير :

وقد اشتملت هذه الثلاثون على خلافة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان الشهيد وعلي بن أبي طالب الشهيد أيضاَ وكان خاتمها وتمامها بستة أشهر وَلِيَها الحسن بن علي بعد أبيه وعند تمام الثلاثين نزل عن الأمر لمعاوية بن أبي سفيان سنة أربعين وأصْفَقت البيعة لمعاوية ابن أبي سفيان وسمي ذلك عام الجماعة).

وجاء في الشرح

يقال: أصفق القوم على كذا إذا اجمعوا عليه كلمتهم والمراد تمت البيعة لمعاوية) اهـ . كما جاء في البداية والنهاية.

أقول :

هذا آكد دليل نقلي وعملي على أن الخلافة لا تتم بإجماع الأمة وهذا معاوية بن أبي سفيان يخرج من الخلافة مع إجماع الأمة على بيعته هذه البيعة التي لم يحظ بإجماع المسلمين فيها علي بن أبي طالب.

فالخلافة الإسلامية لا تنبني على الإجماع وإنما بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة فعلى كل من يدعي إمامة المسلمين ان يأتي بالدليل وليس بالغلبة والقهر أو إجماع الأمة فقد خطا معاوية بن أبي سفيان على ذلك ولكنه خرج عن الخلافة وإمامة المسلمين فكان أول الخارجين عن منهج الإسلام. وابتدع بدعة الخوارج .

فكل من ورث الحكم بالغلبة والقهر أو إجماع المسلمين أو بوصية العهد ولم يجد نصاً من الكتاب أو السنة فهو خارج عن الإسلام وكل من ملك النص والدليل من الكتاب والسنة في إثبات خلافته وإمامته فهو الخليفة الشرعي وإمام طائفة الفرقة الناجية وان لم يكن حكماً بسبب عدم التمكين له في الأرض فحاله في ذلك حال الأنبياء من  قبل عز وجل “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ” (87) سورة البقرة. ويلاحظ في حديث المسند ان علياً بن أبي طالب هو المهدي صاحب الصراط المستقيم من دون الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان فهو أي الإمام علي هو المهدي حقاً وهم مهديين حكماً وهو معنى الآية “إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ” (7) سورة الرعد. ويستمر المهديين في هذه الأمة فلا يخلو زمن من مهدي حتى يختم بعيسى ابن مريم خاتم الولاية في هذه الأمة.

الفصل الثالث

 غياب منهج الخلافة في إجتهادات علماء أهل السنة

يقول الدكتور عميد (م) محجوب برير محمد نور :

(ثمة مفهوم جوهري احتل حيزاً كبيراً في مجموع أطروحات القضية الإسلامية ذات الطابع السياسي، وأشير هنا إلى مفهوم (الإمامة) فمن البديهي انه لا سبيل للحديث عن بيعة أو عقد في غياب الحديث عن هذا المفهوم، لذا يبدو في الأفق ان نمنح تلخيصاً مقتضياً لأهم كتابات أعلام الفكر السياسي الإسلامي (الكلاسيكي) … ونختار في هذا الصدد كل من

1/ الباقلاني (المتوفي عام 403هـ)

(في معالجته لقضية الإمامة نجد ان الباقلاني قد تناولها من عدة أوجه :

أ/ مستندها، أي هل تستند الى الوحي أم العقل ؟

ب/ الصفات الواجب توفرها في الإمام .

ج/ طريقة عقد الإمامة.

د/ عدد الأئمة في عصر واحد.

هـ/ واجبات الإمام.

و/ الشروط الداعية شرعاً لعزل الإمام، ويتضمن هذا قضية الطاعة.

ز/ الوسائل أو الطرق التي يعزل بها الإمام.

فيما يتصل بالوجه الأول، أي الخاص بمستند الإمامة فان الباقلاني يرى أنها تجد مستندها في الشريعة فهي واجبة شرعاً…

أما فيما يتصل بطريقة عقد الإمامة، فان الباقلاني دافع عن الاختيار أو الانتخابات على حساب التعيين، حتى لو كان ذاك الانتخاب بترشيح من قبل شخص واحد من أهل الحل والعقد، ولكنه أصر على حضور عدد غير محدد من المسلمين لشهود البيعة (اكبر عدد ممكن) وهذا نقيض موقف الخوارج الذين كانوا يعقدون البيعة سراً …

2/ البغدادي (المتوفي عام 429هـ)

وقد قلل البغدادي جملة الصفات الواجب توفرها في الإمام، إذا حاز منها ما يلزم لمن تقبل شهادته أمام القضاء، وفي هذا دحض للتصور الشيعي الذي يجعل العصمة صفة أساسية من صفات الإمام. وقبل البغدادي الصفات التي سبق ان قال بها الباقلاني بما في ذلك الأصل القرشي، ولكنه ثمة فرق كبير بين القبول والوجوب كما هو ظاهر. كما رفض مقولة التعيين وأكد على البيعة التي يقوم بها الناخبون والتي هي بمثابة العقد، إلا انه لم يتحدث عن بيعة أخرى عامة لاحقة يشهدها جمهور الناس وعامتهم.

من جانب آخر خالف البغدادي سابقه الباقلاني فيما يتصل بوجود أكثر من إمام واحد في زمن واحد، شريطة ان يكونا بعيدين عن بعضهما.

3/ الماوردي (المتوفي عام 450هـ)

(يتفق الماوردي مع البغدادي في القول بان مستند الإمامة هو الوحي، وكذلك في الصفات الواجب توفرها في الإمام وطرق عقد البيعة … إلا انه خالف البغدادي في قوله بإمكانية وجود إمامين في وقت واحد …

أما فيما يخص خلع الإمام … نجده يناقش حالة سلب الخليفة حريته، أي إذا تم احتجازه من قبل جهة ما مما يؤدي إلى فقدانه حريته هنا يرى الماوردي ان أولئك الذين يحتجزون الخليفة لابد ان يتم النظر في شانهم أولاً، بمعنى أنهم إذا أقاموا الشريعة وبسطوا العدل فان تصرفهم يمكن ان يُقبل من اجل خير الأمة، تفادياً لمزيد من الفتن، أما إذا احتجزوا الخليفة ولم يقيموا الشريعة وافسدوا، فان على الخليفة ان يبحث عن العوض  ضدهم للتخلص من قبضتهم …

إذا كان ثمة حاكم أو أمير في إقليم  من أقاليم الخلافة قد استطاع الإمساك بزمام الحكم من خلال القوة، لكنه إعترف (أي ذلك الحاكم أو الأمير) بسلطة الخليفة في الأمور الدينية، فان على الخليفة ان يعترف بحكم ذاك الأمير … والمستند الشرعي الذي قدمه الماوردي لهذا الرأي هو ما سماه بـ(حكم الضرورة والخوف من الضرر الذي ربما يصيب المصالح العامة) …

إن هذا المنهج العلمي حيال الأمر الواقع الذي انتهجه الماوردي رغم كونه عملياً وواقعياً إلا ان له عيوبه الواضحة حيث فتح الباب واسعاً لسقوط هيبة الخلافة وقوتها المعنوية.

4/ الغزالي  (المتوفي عام 505هـ)

يؤكد الغزالي أن ضرورة إقامة الإمامة مستمدة من الوحي، يقول: (ولا ينبغي ان نظن ان وجوب ذلك مأخوذ من العقل، فإننا بينّاَ أنَّ الوجوب يؤخذ من الشرع إلا ان يفسر الواجب بالفعل الذي فيه فائدة، وفي تركه أدنى مضرة، وعند ذلك لا ينكر وجوب نصب الإمام لما فيه  من الفوائد ودفع المضار في الدنيا، ولكنَّا نقيم البرهان القطعي الشرعي على وجوبه ولسنا نكتفي بما فيه من إجماع الأمة، بل ننبه على مستند الإجماع ونقول: نظام أمر الدين مقصود لصاحب الشرع عليه السلام قطعاً … ولا يحصل نظام الدين إلا بإمام مطاع فيحصل من المقدمتين صحة الدعوة وهو وجوب نصب الإمام ) …

ان الدنيا والامن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع فتشهد له مشاهدة أوقات الفتن بموت السلاطين والأئمة وإن ذلك لو دام ولم يتدارك بنصب إمام آخر مطاع دام الهرج وعمّ  السيف، وشمل القحط وهلكت المواشي وبطلت الصناعات … وعلى الجملة لا يتمارى العاقل في أنّ الخلق على اختلاف طبقاتهم وما هم عليه من تشتت الأهواء وتباين الآراء لو خلوا وراءهم ولم يكن رأي مطاع يجمع شتاتهم لهلكوا من عند أمرهم وهذا داء لا  علاج له إلا بسلطان قاهر مطاع يجمع شتات الآراء …

أما فيما يخص عقد الإمامة أو تنصيب الإمام فان الغزالي … فان الخليفة بالنسبة للغزالي – وتعريفياً هو ذاك الذي منحه مدير السلطة أو صاحبها البيعة: أي الذي بيده السلطة الفعلية … وهذا يعني ان القوة الحقيقية لتنصيب الخليفة أو خلعه قد وضعت في أيدي السلاطين … أي القوة العسكرية …

ان تصور الغزالي هذا شديد الشبه بالحكم العسكري المدعوم سياسياً بالقوة المدنية …

5/ ابن تيمية (661 – 738هـ)

(أما فيما يتصل بالإمام فانه ينصب من خلال الأمة (الشورى) وهو مفروض عليه ان يكون منقاداً للقران والسنة، وان يتجه إلى العلماء كلما احتاج فهمه للقران والسنة والإجماع إلى مزيد تفسير وإبانة) .

6/ ابن جماعة (639 – 733)

(بدأ ابن جماعة ولكنه يقف على طرفي نقيض مع ابن تيمية، أنهما كانا ابني عصر واحد ، فإذا كان ابن تيمية يمثل خروجاً على التقليد الموروث، فان ابن جماعة – من ناحية أخرى – يمثل شكلاً من أشكال الاستمرارية للمنهج التقليدي المتبع في معالجة القضايا ذات الطابع الدستوري … في قضية مستند الإمامة يرى ابن جماعة أنها: مضيفاً أنها كرم أو منة الله سبحانه وتعالى فيما يتصل بطريقة إقامة الإمامة فانه قد أشار إلى الانتخاب ولكنه أضاف موضوع التعيين من الخليفة لمن يخلفه (ولي عهد). المصدر : كتاب العقد والبيعة في الوارثين للدكتور محجوب برير محمد نور.

التعليق : ليس هنالك منهجاً واضحاً موثقاً ينتهجه علماء السنة في كيفية اختيار الخليفة والتخبط كان السمة السائدة في اجتهاداتهم مما يدلل إنهم كانوا يوثقون لسياسة الأمر الواقع المفروض بالقهر والقوة ولم يكن لهم شيئ يعتمد عليه غير إلزام الناس بعقد البيعة واكتفي في هذا الصدد بما أورده عبد الكريم الخطيب في كتابه (الخلافة والإمامة)

قال : يقول المرحوم محمود فياض: (وإذن فالبيعة هي عقد وكالة بين الأمة وحاكمها المنتخب من أفرادها المسئولة عنها).

فليست الأمة كلها إذن هي التي تبايع أو تتعاقد مع الحاكم الذي تقيمه عليها … أنهم أفراد من الأمة هؤلاء الأفراد يقال عنهم أنهم المسئولون عن الأمة … وهم أهل الحل والعقد فيها فمن  هم هؤلاء الأفراد المسئولون؟ ومن أهل الحل والعقد هؤلاء ؟ هل لهم صفات وملامح يعرفون بها في الأمة ؟ ومن ألقى عليهم هذه المسئولية أو منحهم إياها؟.

الحق ان هذا الركن من أركان (البيعة) لا يقوم على صفة واضحة محددة يمكن ان يرجع إليها في معرفة من لهم حق الانتخاب ) أو (البيعة) اهـ.

أقول :

لا حق في اختيار الخليفة للصفوة أو الأكثرية الديمقراطية بنص الآية “وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ” (116) سورة الأنعام.

الفصل الرابع

 رأي الخـــــوارج في الإمــامة

أورد الدكتور على احمد السالوس في كتابه (عقيدة الإمامة عند الشيعة الأمامية ألاثني عشرية (وكان من نتيجة حادثة (التحكيم) الشهيرة ان انسل جماعة عن إتباع الإمام وخرجوا على المتحاربين معاً، علي ومعاوية، وهؤلاء هم الذين سموا (الخوارج)، أما الذين ظلوا مع الإمام فهم الذين أطلق عليهم لقب (الشيعة)

والخوارج لا يزال لهم بقية إلى يومنا هذا، هذه البقية من (الاباضية) وهم أكثر الخوارج اعتدالاً وأقربهم إلى الجماعة الإسلامية تفكيراً. فهم أبعدهم عن الشطط والغلو ولذلك بقوا، ولهم فقه جيد، وفيهم علماء ممتازون، يقيم طوائف منهم في بعض واحات الصحراء الغربية ،وبعض آخر في بلاد الزنجبار، كما تقيم طوائف منهم في عمان والجزائر وتونس.

ويقولون عن مخالفيهم أنهم كفار نعمة لا كفار اعتقاد، وذلك لأنهم لم يكفروا بالله تعالى، ولكنهم تعدوا في جنب الله تعالى.

وللخوارج رأي خاص في الإمامة. فالإمام لا يكون إلا باختيار حر من المسلمين. ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه، ولكن إذا غير السيرة وعدل عن الحق وجب عزله أو قتله – ولا يشترطون القرشية كما اشترط الجمهور، فللأمة ان تختار من تشاء ولو كان عبداً حبشياً. كما ان فرقة منهم هي (النجدات) أجمعت على لا حاجة بالناس إلى إمام وإنما عليهم ان يتناصحوا فيما بينهم، فان رأوا ان ذلك لا يتم إلا بإمام يحملهم عليه فأقاموه جاز، فالإمامة في نظرهم ليست واجبة بإيجاب الشرع بل جائزة، وإذا وجبت فإنما تجب بحكم المصلحة والحاجة.

وفرقة منهم أخرى وهي (الشبيبية) أتباع (شبيب بن زيد) الشيباني أجازوا إمامة المرآة منهم إذا قامت بأمورهم، وخرجت على مخالفيهم ، وزعموا ان (غزالة) أم شبيب كانت الإمام بعد مقتل شبيب الى ان قتلت. اهـ.

التعليق :

الإمامة  في الإسلام هي خلافة على سنن منهاج النبوة ولم يتخذ الله عز وجل للنبوة امرأة تقوم بهداية قومها قال عز وجل “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” (7) سورة الأنبياء. فأفضل النساء مريم ابنة عمران قال عز وجل “وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ” (43) سورة آل عمران الآية 42 -43. اصطفاها بعد التطهير على نساء (العالمين) أي ليس على نساء قومها بل يتعدى زمنها الى النساء كافة في كل زمان الدنيا وما قبلها وبعدها وهو ما يوحي به معنى (العالمين) وعلى الرغم من التطهير والاصطفاء أمرت ان لا تركع استقلالاً بل بالمعية والإتباع (مع الراكعين) أي مأمومة بغيرها.

وأقوى النساء (بلقيس) إلا أنها لا يمكنها ان تؤثر في قومها بل تتأثر بهم فقد وصف الله عز وجل سبب كفرها وسجودها للشمس من دون الله مسايرة ومجاملة لقومها (وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ) (43) سورة النمل. ولم تؤمن لله إلا مأمومة برجل (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (44) سورة النمل. فالإمام مصادم لأفكار قومه مخالف لمنهجهم سواء كان في العبادات أو المعاملات فهو مصحح ومصلح فان لم يؤثر فيهم، لن يتأثر بهم، كما قال عز وجل (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) (29) سورة الكهف. أو في مقابل منهج الرجل المتحدي والصادم للرأي العام تأتي امعية المرأة في قوله عز وجل (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) (32) سورة النمل. فجبلية الرجال الصدام والتحدي والنساء فطرن على الإتباع والانقياد والانحناء والانكسار في المواجهات وبيّن الله فطرتهن فقال عز وجل (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (18) سورة الزخرف. فالدعوة تتطلب الصمود في وجه المجتمع كحال هود مع قومه (مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ) (55) سورة هود – 55.

فلو كان منهج الأنبياء مسايرة قومهم لقوبلوا بالتصفيق والترحيب ولكن لما كانوا يسبحون عكس تيار الأمم قوبلوا بالشتم واللعن والطرد وأحياناً القتل وجاء وصف حالهم مع أقوامهم في قوله عز وجل (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) (44) سورة المؤمنون.  وعلى سنن الأنبياء يكون مع المهديين كلما جاء قوم مهديهم كذبوه.

الفصل الخامس

 منهج فرق الشيعة في الإمامة

الشيعة على اختلاف فرقهم يرون وجوب الإمام ولكن رأيهم في الإمامة يخالف ما ذهب إليه جمهور المسلمين.

وأقربهم إلى الجمهور فرقة الزيدية أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب ـ فبعد استشهاد الإمام الحسين ذهبت فرقة من الشيعة إلى ان الإمامة لا تكون إلا في أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنها ويستوي في هذا أولاد الحسن وأولاد الحسين ورأوا ان كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة فهو إمام واجب الطاعة، وجوزت خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال، فلما خرج زيد بن علي في عهد هشام بن عبد الملك بايعه هؤلاء.

وكان من مذهب الإمام زيد جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل، فقال (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الصحابة، إلا ان الخلافة فوضت إلى  أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها، من تسكين ثائرة الفتنة، وتطييب قلوب العامة.

ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة منه، وعرفوا انه لا يتبرأ من الشيخين، وإنما قال: (اني لا أقول فيهما إلا خيراً وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيراً، وإنما خرجت على بني أمية الذين قاتلوا جدي الحسين) عندما سمعوا ذلك فارقوه، ورفضوا مقالته حتى قال لهم، رفضتموني، ومن يومئذ سموا الرافضة.

وفرق الزيدية منهم من يتفق مع ما ذهب إليه الإمام زيد ومنهم خالفه.

فالجارودية زعموا ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على الإمام عليّ بالوصف دون التسمية، وهو الإمام بعده ، والناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم فكفروا بذلك.

ولكن باقي فرق الزيدية ذهبوا الى ان الإمامة شورى فيما بين الخلف وتصح في المفضول مع وجود الأفضل.

أما الشيعة الأمامية فهم يرون ان الإمامة منصب الهي يختار له الله بسابق علمه بعباده كما يختار النبي. ويأمر النبي ان يدل الأمة عليه ويأمر بأتباعه.

ويقولون ان الله سبحانه وتعالى أمر نبيه بان ينص على عليّ وينصبه علماً للناس من بعده، وقد بلغ الرسول الكريم رسالة ربه، فلما انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يتبع السلمون أمر الله تعالى ولا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وتركوا ركناً من أركان الإيمان، ويرون ان النص بعد الإمام علي لابنه الحسن ثم الحسين ثم لابنه علي زين العابدين ثم لابنه محمد الباقر، فابنه جعفر الصادق.

وبعد القول لإمامة أبي عبد الله جعفر الصادق نرى منشأ اكبر فرقتين من فرق الشيعة هما :

الإسماعيلية ، والجعفرية الاثنا عشرية .

فالإسماعيلية جعلوا الإمامة بعده لابنه إسماعيل الابن الأكبر وافترق هؤلاء إلى فرقتين.

فرقة منتظرة لإسماعيل بن جعفر مع اتفاق أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه.

وفرقة قالت: كان الإمام سبطه محمد بن إسماعيل ابن جعفر حيث أن جعفر نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده، فلما مات إسماعيل (158هـ) في حياة أبيه علمنا انه إنما نصب ابنه إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل، والى هذا مالت الإسماعيلية الباطنية.

والإسماعيلية جعلوا الإمامة بعد إسماعيل لابنه محمد المكتوم ومنهم من وقف عليه وقال برجعته بعد غيبته، ومنهم من ساق الإمامة من أئمة (مستورين) منهم، ثم في (ظاهرين قائمين) من بعدهم وقالوا: (لن تخلُ الأرض قط من  إمام حي قائم . أما ظاهر مكشوف ، وأما باطن مستور .

فإذا كان الإمام ظاهراً جاز ان يكون حجته مستوراً، واذا كان الإمام مستوراً فلابد ان يكون حجته ودعاته ظاهرين.

ومن مذهبهم ان من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية وكذلك من مات ولم يكن في عنقه  بيعة إمام مات ميتة جاهلية)

من عقيدة الإمامة عند الجعفرية

1/ ان الإمامة اصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها وأما علمه فهو يتلقى المعارف والأحكام الإلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الإمام من قبله. وإذا استجد شيئ فلابد ان يعلمه عن  طريق الإلهام بالقوة القدسية.

3/ لابد ان يكون في كل عصر إمام هاد يخلف النبي في وظائفه في هداية البشر.

5/ مادامت الإمامة كالنبوة فهي لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد ان ينص على الإمام من بعده ، وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق ، فليس للناس ان يتحكموا فيمن يعينه الله هادياً ومرشداً لعامة البشر، كما ليس لهم حق تعينه أو ترشيحه أو انتخابه، لان الشخص الذي له من نفسه استعداد لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله تعالى، ولا يعين إلا بتعينه”. من (كتاب): عقيدة الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية دراسة في ضوء الكتاب والسنة للدكتور علي احمد السالوس (أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة ـ جامعة قطر).

التعليق :

وبنظرة فيها تأني وروية لإفساح المجال أمام العقل للتدبر والتفكر نجد ان جامع الأمر في جميع هذه الفرق (السنة ، الشيعة ، الخوارج ، الأحزاب) نجد ان جامع الكلم والقول الحكيم في قول الشيعة الجعفرية الوارد في الفقرة (5) لأنهم أفسحوا فيه المجال للحجة والبرهان العقلي والنقلي المتمثل في

1/ في قولهم (الشخص الذي له من نفسه الاستعداد لتحمل أعباء الإمامة العامة لهداية البشر قاطبة يجب ألَّا يعرف الا بتعريف الله تعالى ، ولا يعين إلا بتعينه).

2/ وقولهم (مادامت الإمامة كالنبوة فهي لا تكون إلا بالنص على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم).

وجانب الحكمة في ذلك هو ان الخلافة والإمامة مجال نزاع بين الأمة وهي سبب تفرقها وتحزبها واقتتالها فتسبب ذلك في فشلها وذهاب كلمتها كما نلاحظ عكس ذلك الآن في إمام أي حاكم الاتحاد الأمريكي (الولايات المتحدة الأمريكية) وعدد مقاطعاتها خمسين ولاية ومساحتها اكبر بكثير من دويلات مثل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والكويت وقطر والبحرين والإمارات وما شابه ذلك فإنها قد تجمعت تحت قيادة سياسية واحدة.

والآن الاتحاد الأوربي استفاد من التجربة الأمريكية فكوّن (الاتحاد الأوروبي) والسوق الأوربية المشتركة، في حين ان الجامعة العربية تفشل في جمع الدول العربية الإسلامية في مؤتمر لمناصرة الفلسطينيين واللبنانيين. في الوقت الذي تشحن فيه الولايات المتحدة الأمريكية الأسلحة لإسرائيل لتضرب بها الأطفال في فلسطين ولبنان ويعجز المسلمون العرب في إيصال الغذاء والدواء إلى إخوانهم في الدين والوطن.

ان الدعوة إلى إبراز المستند الشرعي لكل من يدعي خلافة المسلمين هو الذي يسقط هذا العدد من الملوك والرؤساء والأمراء فينتهي سبب تفرق الشعب المسلم ويتوحد تحت خليفة الله الحق ولا يكون ذلك إلا واحداً في الزمان.

هذا السبب في إبراز السند الشرعي ـ (من الكتاب والسنة ) لمن يدعي الإمامة هو الذي يجمع كلمة المسلمين ويعيد بعث امة الإسلام وليس أي وسيلة أخرى لا الاتحاد المغاربي، ولا مجلس التعاون الخليجي، ولا المؤتمر الإسلامي ولا الجامعة العربية.

الفصل السادس

 إنسانها الخاتم بدليل النص

قال عز وجل : (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) سورة التوبة 32 – 33.

الآيتان قطعتا بظهور دين الإسلام على الأديان كلها بما فيها اليهودية والنصرانية والعلمانية الوثنية.

ومعلوم قطعاً ان ذلك لم يتم على يد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل ان اليهود والنصارى ظاهرين على دين الإسلام بالبرهان العملي.

ويظن كثير من المسلمين ان تحقيق وعد الله في الآيتين يتم على يد مهدي آل البيت وذلك ينافي النص فالدجال الذي يحاصر المهدي سواء كان في المنارة البيضاء أو عقبة أفيق أو جبل الدخان أو القدس أكثر تبعه اليهود.

روى ابن ماجة عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال فكان من قوله ان قال :(… ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص) فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ ؟ قال (هم قليل وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم… إذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً … فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله… فيهزم الله اليهود… فيكون عيسى ابن مريم عليه السلام، في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، يدق الصليب ويذبح الخنزير… “

ففي هذا الحديث (الذي يقضي على الأديان بقتل اليهود  وكسر الصليب) هو عيسى ابن مريم بنص صريح فهو يفسر لنا معنى قوله عز وجل (ليظهره على الدين كله).

القرآن من البقرة إلى الناس والفاتحة لم يسم لنا رسولاً يتبع في شخصه إلى يوم القيامة غير عيسى ابن مريم في قوله عز وجل “إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ” (55) سورة آل عمران.

لقد ذكر القرآن إتباع ملة إبراهيم ولم يذكر إتباع إبراهيم إلى يوم القيامة كما كان الشأن مع عيسى قال عز وجل “قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (95) سورة آل عمران.

أما فيما يخص إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم قال عز وجل (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (157) سورة الأعراف.

فالإتباع للنور الذي معه وليس لشخصه صلى الله عليه وسلم كما كان الحال لعيسى. فالآية سكتت عن إتباعه إلى يوم القيامة لإفساح المجال لإتباع عيسى بالنور الذي انزل مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة وفي هذا رد على الذين يقولون الآن لا شان لنا بإتباع عيسى وإنما يكفينا إتباع النبي صلى الله عليه وسلم فالنصوص تقول لهم كذبتم لأنكم لم تدركوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تعاصروه. والله عز وجل يقول “ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ “ (7) سورة الرعد.

وللجمع بين القران والسنة فقد روى ابن حبان عن أبي هريرة قال  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ).

هذا الحديث وأحاديث أخرى صحيحة تتحدث عن ملك رجل من أهل البيت ولم يبق من عمر الزمان إلا ليلة كل ذلك يؤكد ان هذا الرجل البيتي الذي يملك في آخر ليلة إنما هو عيسى ابن مريم بدلالة الآية (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)

ولإزالة الغموض والتعميم لتمييز هذا الرجل من جملة آل البيت لأنهم كثيرون وللإجابة على السؤال كيف يتعرف عليه المسلمون؟ لابد من الإيمان بالنص المميز له حتى لا ينتحل أحد من أهل البيت شخصيته وأورد بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له في قوله (رجل من أهل بيتي يزعم انه مني وليس مني) صحيح رواه أبو داود فهو (مني) لأنه رجل ولد في آل بيتي. (وليس مني) لأنه عيسى ابن مريم فهو ليس بضعة من أحد فالسمة المميزة له من جملة آل البيت هي زعمه انه من آل البيت وليس منهم.

ولم يزعم هذا الزعم احد غير (سليمان أبي القاسم موسى).

فمن امتلك الدليل امتلك الحجة والبرهان، فيكون إنسانها الخاتم بالنص هو سليمان أبي القاسم موسى .

الفصل السابع

 أصحاب الصراط السوي (خلافة على منهاج النبوة )

الملك لله يؤتيه من يشاء وقد ينزعه من المؤمن ويؤتيه للكافر وينزعه من الكافر ويؤتيه للمؤمن فمن الملوك من يملك بسخط الله ومنهم من يملك برضاه وإنما الشاهد على أهل الصراط هو النص الشرعي الدليل ألنقلي الذي يفرق بين هذا وذاك.

ولقد كانت لنا العبرة في قصص الأنبياء مع أقوامهم. وإذا نظرنا إلى أولي العزم من الرسل نجدهم فتية من المستضعفين خالفوا ما عليه جمهور قومهم وتحدوا أصحاب الشوكة وجنودهم فمنهم من قتل ومنهم من أُبعد ونُفي عن وطنه ومنهم من مكن الله له في الأرض.

لقد صمد إبراهيم عليه السلام ذلك الفتى الذي استخف به قومه وقالوا عنه في سخرية :

“قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ” (60) سورة الأنبياء. هذا الفتى المستضعف تحدى ملكاً من أعظم ملوك الأرض على مدى التاريخ قال تعالى عن هذا الموقف (“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ “ (258) سورة البقرة.وكذلك كان شان موسى عليه السلام مع فرعون وجنوده فوصفه الله تعالى هو وجنوده فقال عز وجل “وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ” (39) سورة القصص. لقد كانت حجة موسى عليه السلام انه مبعوث من عند ربه فقال :

“فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ” (21) سورة الشعراء. هنا يتصدى فرعون لما استشعر خطورة  دعوة موسى عليه السلام وعلاقتها بالملك خشية ان يسلبه عرشه ، “قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ” (78) سورة يونس.

وهنا تكمن الصلة في عدم إيمان الناس بالمرسلين  (لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا) (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ) بسلب كرسي العرش .

هذا هو نفس السبب الذي يمنع الملوك والرؤساء والأمراء والعلماء والجمهور من إتباع المهديين أصحاب الخلافة على منهاج النبوة وهو الصراط السوي.

فالخلفاء على منهاج النبوة من هذه الأمة هم فتية خرجوا عن إجماع الأمة فرمتهم الأمة بالكفر والزندقة والدجل لان المهدي يختاره الله ويصطفيه قال عز وجل في بيان ذلك: “وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ “ (37) سورة القصص.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(تكون النبوة ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها. ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله ان يكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها. ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت ).

قال حبيب فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان (يزيد بن النعمان) من صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث اذكره إياه فقلت له:

(إني ارجوا ان يكون أمير المؤمنين (يعني عمر) بعد الملك العاض والجبرية ، فادخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسُرَّ به)المصدر : مسند احمد مسند الكوفيين.

أقــول :

لقد تولى عمر بن عبد العزيز الإمارة في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني من الهجرة خلفاً لسليمان بن عبد الملك (96 ـ 99هـ) في ملوك بني أمية الذين كان أولهم معاوية ابن أبي سفيان.

والتعقيب الذي جاء في ذيل الحديث شرح الحديث وفيه أكَّد التابعون ان الخلافة التي يدعيها معاوية ابن أبي سفيان في عام انفراده بالسلطة والذي يسميه هو وجمهور العلماء بـ(عام الجماعة) فإن إجماع الجماعة أولئك هو الذي اخرج الأمة من الخلافة على منهاج النبوة. وظلت جماعة المسلمين خارج منهاج الشرعية الى ان يأتي رجل من هذه الأمة هو المهدي المسيح سليمان أبي القاسم ليعيد الأمة إلى الصراط السوي صراط الخلافة على منهاج النبوة وليس الإجماع أو صراط الخلافة على منهاج القوة على شاكلة معاوية بن أبي سفيان ومن هدى بهديه من السلف وعلماء هذه الزمان وأمراء الشوكة والجنود من أهل هذا الزمان.

فالخليفة يأتي بتعيين رباني على منهاج النبوة وعلى سنن القرآن والسنة وليس سنان الرماح والقوة .

وبالعودة إلى ما أورده الشيخ عمر الأمين عن الفرقة الناجية وإمامها وقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام (الذين يكونون كما كنت عليه وأصحابي) .

وتساءل (ومن يجلس فينا على مقام المصطفى فنجلس إليه على قلب رجل واحد ؟ )

فالشيخ عمر لم يقع في المحظور في اختيار خليفة لله فقال: (إنكم تريدون ان تستولوا على الحقوق الإلهية لمن يمثلون حجتها البالغة )

أقول :  فالخليفة بهذا المنظور لا يتم  إلا بالتعيين المباشر من الله ولا يعلم به احد من الخلق إلا أن يفاجأ بإعلان الخليفة بأمر دعوته امتثالاً لأمر الحق عز وجل “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ” الحجر 94 ـ 95.

ولا يستبعد ان يكون من (الخرطوم) لأنها داخلة في مثلث (إيران السودان فلسطين) ومنه يخرج إنسانها الخاتم (فالإنسان الخاتم) في القرآن هو عيسى ابن مريم في قوله تعالى “ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ” (55) سورة آل عمران.  وانسانها الخاتم الذي يملك ولو في آخر ليلة من عمر الدنيا (لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم) فينص الكتاب والسنة ان عيسى ابن مريم رجل من أهل البيت وهو إنسانها الخاتم آخر خلفاء هذه الأمة الإسلامية. وأصحابه هم الفرقة الناجية  “ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ” (55) سورة آل عمران.

الخــــاتمة

اعلموا ان الناس أمام الحق فريقان يختصمان الحق الذي يمثله خليفة الله في الأرض وفئة قليلة تؤمن به وتصدقه وتتبع النور الذي انزل معه فهو على نور من أمر ربه بُعث هادياً إلى الله بإذنه ويتلوه شاهد من الله وسنة رسوله فتتبين لأصحابه صحة دعوته من خلال الآيات الشاهدة على صدق دعوته كما ذكر ذلك عز وجل “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” (93) سورة النمل. وأيضا قوله عز وجل “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” (53) سورة فصلت. وقوله عز وجل “قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى” (135) سورة طـه.

وفي المقابل تكذبه الجمهرة الغالبة من الأمة وقد نص على ذلك قوله عز وجل “وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ” (105) سورة يوسف.

وقوله عز وجل “وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ” (14) سورة الشورى.

وعلينا ان ننبه إلى ان عيسى ابن مريم هو أحد هذه الآيات التي يكذب بها البعض ويؤمن به البعض عند عودته بالميلاد الثاني في هذه الأمة مع ملاحظة ان التصديق والتكذيب بالآيات جاء بما يكون في المستقبل وليس في الماضي (سنريهم) أي في المستقبل قال عز وجل “قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا” (21) سورة مريم.

قوله تعالى (وان الذين أورثوا الكتاب) هم المسلمون الذين ورثوا (الكتاب) وهو القرآن بدلالة قوله عز وجل (من بعدهم) أي بعد الأمم السابقة بدلالة ان المسلمين هم المعنيون بهذا الميراث لان الخطاب في الآية التي قبلها “شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ “ (13) سورة الشورى. موجه للمسلمين وشك المسلمين في الكتاب (القرآن) الوارِد في الآية ليس موجهاً إلى كون القرآن منزل من عند الله ولكن الشك ناتج عن دلالة هذا القرآن وتجديده لبعض أحداث الزمان المعاصرة مثل استشهادي بسورة القلم فقلت:

(ن) إشارة إلى اسم المهدي المسيح (سليمان) والقلم ، قلم صحيفة الدار وقوله عز وجل (سنسمه على الخرطوم) قلت : الخرطوم هي العاصمة السودانية و(أصحاب الجنة) هم حكام الإنقاذ في الخرطوم وقوله عز وجل (أم لهم شركاء) فشركاؤهم هم الحركة الشعبية .. الخ)

هذا الشرح الذي أوردته للسورة صحيح ولكن شك الناس في صحة دلالته على مقصود السورة وكذبوني بما ذهبت إليه من شرح للسورة فكذبوا بالحق لما جاءهم. فليس كل الناس يعلمون كل معاني القرآن. فالله خص بعض خواصه بمعرفة القرآن بسرٍ وضعه فيهم

يقول الشيخ عمر الأمين في مقاله (مراجعات واستدراكات وردود خاصة حول نهاية الثقافة وإنسانها الخاتم :

إلى الأخ الذي ظل يكتب لي عن قرب ظهور السيد المسيح عليه السلام :

أولاً : هذا أمر الهي له اشتراطاته، وتحدث عنه القرآن دون تفصيل واضح، وتحدثت عنه السنة النبوية المطهرة بقليل من التفصيل وقوله ـ جل وعلا ـ (سنسمه على الخرطوم) فهذه من الأسرار الإلهية التي لا نستطيع ان نطوعها كما نشاء، لكننا مع ذلك لا نملك إلا ان نكون في رجاء ان في تلك إشارة خيرة بهذه الأرض الكريمة والآية فيها نظر آخر أنها ستظهر العذاب في قوله (سنسمه) ولأهل العرفان تخريجات لها وللعذاب بحسب ان ظاهر الأمر قد لا يتشابه مع باطنه والله ورسوله اعلم ) المصدر : صحيفة الصحافة عدد الجمعة 28يوليو2006م صفحة (9)

أقول : ان الذين يطوّعون النصوص كما يشاءون هم الذين وصفهم الله تعالى:

“إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (56) سورة غافر.

وقوله (وتحدث عنه القران دون تفصيل واضح) يخالف قوله عز وجلَّ “ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ” (19) سورة القيامة. وقوله عز وجل ـ “وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً” (12) سورة الإسراء. وقوله عز وجل “أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ” (114) سورة الأنعام. وهذا البيان قد لا يكون لكل الناس بل لبعض منهم وجاء بنص صريح “وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (105) سورة الأنعام.

ولا نذهب بعيداً بل نأخذ الدليل في قول الشيخ عمر الأمين نفسه إذ يقول في مقاله:

(… فالمسلمون المرابطون … يمتلكون والحمد لله أكثر مناهج البحث مضاءً لحلحلة أي شكل من أشكال التعقيد الظاهراتي … مادي أم روحاني … فتلك معرفية ممنهجة في أكفأ المناهج ـ التأويل ـ ذلك الذي لا يتحقق الإلمام به إلا بحياز مقام إيماني خالص مصداقاً للوعد الإلهي (اتقوا الله ويعلمكم الله) حيث تنفتح البصائر عن حالة عماء مطبق لم يتخارج عنها حتى الأنبياء كما هو سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ كما في قوله ـ جل وعلا ـ : (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً) اهـ.

أقول :

فالسلطان الذي يأتيهم هو سلطان العلم والمعرفة ومثل ذلك قوله عز وجل “وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِير * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ” سورة الحـج 8ـ9 .

أنا لا أعني بهذا الرد الشيخ عمر الأمين وذلك لأنه وقف حائراَ بين النص المحكم وتنزله الذي يخالف فهم السلف  فاتخذ الحيطة لنفسه من الخوض في هذا الشأن الخطير بغير علم. إلا ان ذلك لا يغنيه ومن قبل قد استشهد بقوله عز وجلّ “مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ “(179) سورة آل عمران. مكن التيه والضلال والخيارات الغامضة …(حتى يميز الخبيث من الطيب) للذين امنوا منكم ووضعوا أنفسهم في مسار يمكِّنهم من السير وفق المشروع الإلهي الكبير ) اهـ .

أقول : ان الوضع الراهن يثبت ان السودان (جنة حكومة الإنقاذ) التي حرصت على عدم مشاركة الآخرين نصفها الشمالي من أبناء الشمال أصبحت (كالصريم) بتقطيع جسد السودان وتحويله إلى دويلات.

وان الإنقاذ سواء كان بهيئة حكومة أو جماعات صغيرة أو أفراد ستجد يوماً عندما يجد الجد وتكشف ساقها الأهوال والمصائب وتستيقن ان السلطة قد فلتت من قبضتها وذاهبة إلى غيرها لا محالة سيلجأوا إلى إتباع المسيح المهدي سليمان أبي القاسم ولكن بعد فوات الأوان وهو معنى قوله عز وجل “وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ “ (43) سورة القلم.

لقد كانوا يدعون إلى (السجود) النزول عند حكم الله بامتثال أمره ودفع السلطة إلى سليمان أبي القاسم (وهم سالمون) يملكون السلطة والقرار والإرادة الحرة والآن (فلا يستطيعون لأنهم لا يملكون).

قال تعالى “ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ” (36) سورة ق.

سيروا ونقبوا في البلاد فهل من محيض؟ فهل من مخرج للأمة من سيل الفتن المتلاحق غير إتباع سليمان أبي القاسم موسى؟ راجعوا الكتاب والسنة فهل من قيادة نص عليها التشريع ؟